يطرح رئيس حركة مجتمع السلم، سابقا، عبد المجيد مناصرة، في حوار مع “الخبر”، حلولا تجنب الدخول في الانسداد، سواء قبل نهاية عهدة الرئيس بوتفليقة أو بعدها. ويرى مناصرة أن “الجيش هو الذي يتحمل مسؤولية أي انزلاق أو أي ضغط أو دخول البلاد في حالة الفراغ الدستوري”. كيف تابعت الحراك الشعبي الداعي إلى رحيل النظام منذ 22 فيفري؟ أشير إلى ملاحظة، أنّه كان هناك إجماع في الجزائر، أن الشعب لا يخرج من أجل قضية سياسية، وإنّما اجتماعية واقتصادية وقد يكون فيها جزء من الحقيقة، ولكن الحكم على الإطلاق خطأ، بل شيئا فشيئا، وكان هذا نقاشنا مع النخبة الإعلامية والسياسية، بأن يأتي وقت على أي جزائري له مشكلة اجتماعية واقتصادية وقضائية ، يدرك أن سبب المشكلة في النظام السياسي. وهذا ما ترك المواطنين يعلقون أي مشكلة على العهدة الخامسة التي اختصرت كل مشاكل الجزائريين، ولهذا يجب أن نحيي الشعب الذي له وعي ومشاكله مرتبطة بالمشكلة السياسية، وفي نفس الوقت، نأخذ منه درسا لإصلاح السياسة. رسالة بوتفليقة الأخيرة تجاهل فيها مطالب الجزائريين ولم يستجب لها، كيف تقرأ خرجة الرئيس هذه المرة؟ لا أرى فرقا بين الرسالة التي قرأت ووزعت في 3 مارس أو 11 مارس، التي كلها تتحدث عن خطة معينة. ففي المرة الأولى كانت بالانتخابات و11 مارس تمديد دون انتخابات. ورسالته في 19 مارس، كأنه لم يسمع للشارع، فالمفروض ما دام قال إني استمعت له وسحبت العهدة الخامسة، هذا مسار منطق لا بد من الاستمرار فيه، أنت اقترحت قرارات وأرسلتها للشعب دون وسيط من المعارضة أو الموالاة، والشعب المفروض تنتظر أن يجيبك، وأجابك في 15 مارس برفض التمديد والتأجيل. وكان المفروض أيضا أن يستجيب بكل إنسانية ووطنية، أما أن تتكلم عن ندوة كأن الجزائريين لم يخرجوا أصلا أو خرجوا وقبلوا هذه القرارات، وهذا تعبير عن أزمة عميقة، وهنالك خوف من تيئيس المواطنين أن مسعاهم يأتي بنتيجة، فالمواطنون مسعاهم في أن أملهم يتحقق، وهذا سلوك عناد قد يدفع المواطنين إلى التيئيس. ما الذي ينتج عن تيئيس الناس ما دام الرئيس تجاهل مطالب الشعب؟ قد ينتج أيّ شيء، وأحذر من التيئيس لأنّه يفتح مخاطر، ولكن قبل أن ييأس الناس كثيرا، هناك طرف في السلطة لا بد أن يتدخل، بالنسبة لي الجيش له دور. بمعنى أن العاقل داخل السلطة هو الذي يتحكم والرئيس له ما يقارب أربعين يوما في عهدته، يعلن فوريا أنه لن يزيد ولو يوما وما تبقى من عهدته وليس من مساره الرئاسي، ويكرسه للحوار وإجراء بعض الإصلاحات وفتح المجال لحلول أخرى تضمن الانتقال السلس للسلطة واحترام الإرادة الشعبية. هناك من يعتقدون أن هناك صراع داخل السلطة دفع بالرئيس بعدم الظهور في موضع “الراضخ” أكثر للشعب بعد سحب ترشحه، خصوصا رجال الأعمال المتحكمين في العمل السياسي؟ الرئيس ما دام لم يتجاوب، يعني هو المسؤول ومن معه، هم المسؤولون عن هذا التعنت وعدم تلبية المطالب، والآن يضيق في المخرج على نفسه ومحيطه. هل تعتقد أن بوتفليقة لا تزال له فرصة الخروج من الحكم بطريقة غير مهينة؟ لا تزال الآن له الفرصة بالتجاوب مع الشعب ويعلن أنه لن يمدد عهدته ويستقيل في نهاية العهدة، وما تبقى من العهدة تكرّس للإصلاحات ويعدّل ما يطلبه الشعب لكي يكرّس بداية المسار الإصلاحي. لو يفعل هذا الآن، خصوصا أن المواطنين لا يسبونه بالمفهوم بالفضائح، الشعب له مطلب واحد، والشعب سيحترمه ويعتبرونه سلوكا راقيا وينسوا له ما مضى. العناد يتوقف من الشارع كما من داخل السلطة، من تعتقد أنه يمكن أن يوقف الرئيس من داخل النظام؟ إما هم عن طريق التعقل يوقفهم أو إما الجيش. لماذا الجيش؟ لأنه هو المؤسسة القائمة التي لها شيء من المسؤولية بالنسبة للدولة، والجزائر يحكمها نظام عسكري ظاهره مدني ولا نزال في الشرعية الثورية، وممكن الجمهورية الثانية أن تفرض الشرعية الشعبية، فمن ورث الشرعية الثورية هو الجيش وليس منظمة المجاهدين. وطبيعة النظام أنه لم يتمدن بعد وظاهره وواجهته ديمقراطية فقط، وخطاب رئيس الأركان قبل الانتخابات لما حدث في الساحة حول بدائل عن الانتخابات، التأجيل أو التمديد، قال في خطاب له بأن الجيش سيحمي الدستور ولا يقبل الخروج عنه، وهذا الموقف نسجله. وبعد استدعاء الهيئة الناخبة وإعلان الرئيس الترشح، بدأت المسيرة الأولى ثم الثانية، وكان الموقف الفرنسي يطالب آنذاك بإجراء الانتخابات في ظروف آمنة، وإعلان قائد الأركان كان في سياق أن الجيش يستطيع تأمين الانتخابات وتوفير السكينة. وبعدها وقع أن قرارات الرئيس أخرتنا من الانتخابات والدستور، فالدور الآن لإحداث هذا التوازن هو الجيش. كيف للجيش أن يحدث هذا التوازن؟ الجيش رئيسه بوتفليقة، ولا بد للرئيس من استشارته، لأن الجيش سيتحمل أي نتائج انزلاق لا قدّر الله. وبوتفليقة بحكم منصبه كرئيس، فالجيش هو الذي يتحمل أي انزلاق أو أي ضغط أو الدخول في حالات الفراغ الدستوري، والشعب توجّه إلى الجيش، خصوصا لما رفعت شعارات في الشارع بأن الجيش لا يزال محترما في نظر الجزائريين، فقد وضعوا الجيش في مستوى الأخ الكبير الذي يجب أن يتدخل في الوقت المناسب. ولماذا إذن سمح الجيش للرئيس بتأجيل الانتخابات من دون سند دستوري بعدما كان ڤايد صالح يؤكد من قبل على حماية الدستور؟ الرئيس لا يزال في منصبه، والجيش لن يتمرد على رئيسه، سواء كان بوتفليقة بكامل قواه أو بعُشر قواه، يبقى رئيسا. وفهمي أنّها آخر محاولة للرئيس منحها له الجيش. ورئيس الأركان أعلن دائما وفاءه للرئيس، والخروج من الدستور أكيد أيضا أنها كانت آخر محاولة. أفهم من كلامك أن الجيش تورّط في تأجيل الانتخابات؟ لا يمكن القول إنه تورط. لكن ڤايد صالح قال إنّه يحمي الدستور، ولا تقل لي إنها محاولة بسيطة، بل فيها دوس على الدستور وأخرجت الجزائريين إلى الشارع؟ لو خرج الشارع قبل اقتراحات الرئيس في 15 مارس، لكانت الأمور عادية، إذن قبل هذا التاريخ، الرئيس قام بمحاولة والجميع كان ينتظر إجابة الشعب، والآن المفروض على الرئيس والجيش أن يلتزموا بما قاله الشعب، وإذا الرئيس لم يلتزم وعاند الشعب، وإذا الجيش لم يتدخل لتلبية مطالب الشعب، فهو التخلي عنه وهو الذي له دور حماية الدستور والاستقرار. كيف للجيش أن يقنع الرئيس؟ يقنع الرئيس كما أقنعوا الشاذلي بالاستقالة في 1992، رغم أن القرار جاء في الاتجاه الخاطئ. والآن ما زلنا نتحدث في منطق الدولة، والرئيس لا يزال وزيرا للدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وبالتي عليه أن يستشير الجيش، لأن هذا الأخير سيتحمل كل شيء. وأنا مطلبي الأساسي أن لا يتورط الجيش ولا يتحمل أخطاء وفشل السياسيين، لأنه سيتحمل لوحده التبعات، وبالنسبة إلينا الجيش هو الجدار الأخير لحماية البلاد، لأن كل المؤسسات الأخرى ستنهار، لأننا لا نريد أن يدخل الشعب في مواجهة مع الجيش ويرقّع الأخطاء السياسية. ألا ترى أن عناد السلطة الذي ظهر في رسالة الرئيس، يستطيع أن يدفع الجيش لمواجهة مع الشعب؟ هناك تخوف، لكن القرار الموجود الآن، هو أن الجيش لن يتواجه مع الشعب. الخوف أن تحدث مواجهات مع الشرطة والدرك، أو بالأحرى مع قوات حفظ النظام. أنا أعرف أن الجيش لن يسمح أن يجد نفسه في مواجهة الشعب، بمعنى أن هذا هو الإنذار الأخير للرئيس، إما أن تحل مشاكلك مع الجزائريين ويقبل مطالبهم، فالجيش في خدمة الدولة وليس فوق الرئيس، لكن إذا لحقت الأزمة إلى الانسداد سينحاز إلى الشعب، وكل خطابات قايد صالح أظهرت أن الجيش انحاز إلى الشعب. هل تعتقد أن خطابات ڤايد صالح التّي لا يذكر فيها اسم الرئيس على غير العادة، دليل يكفي أن الجيش تخلى عن بوتفليقة؟ بالنسبة لي يكفي، فالجيش معروف عنه أنه المؤسسة الصامتة في الجزائر، ولكن الآن أصبحت تتكلم، وعندما يتكلم الجيش ليس المفروض أن يقول كل شيء وبشكل مباشر، وإلا لن يصبح جيشا، بل جريدة أو حزبا سياسيا، الجيش تحكمه قوانين ودستور. وكل العبارات التي وردت في خطابات ڤايد صالح، هي إعادة تحية للشعب الذي حياه في أول مسيرة بعبارة “الشعب الجيش خاوة خاوة”، وهذا مطمئن، ومهما اختلفنا ستبقى حلولنا سلمية ولن تطول حسب كلام رئيس الأركان، وليس من مصلحة ولا واحد أن الشعب يبقى في الشارع. فالرئيس يلعب في الوقت البدل الضائع والجيش يدفع بضرورة تلبية مطالب الشعب، وما تبقى مسألة وقت قصير وتنتهي الأمور. اللعب على الوقت من طرف الرئيس والجيش، هل هو انتظار إشارات من الخارج في إطار مهمة لعمامرة والإبراهيمي؟ أنا أظن أن الجيش أعطاهم مهلة، والسلطة تحركت في اتجاهين، اتجاه الداخل عن طريق الولاة، فبدأوا في اختيار ممثلي الحراك والإبراهيمي وبدوي ببعض الاستقبالات، لكنها كانت فاشلة وتحاول تفريق الشعب، وإدخال الخلافات والانقسامات، وهم يلعبون على هذا الوتر. الأمر الثاني يحاولون فيه مع الخارج لكسب التأييد. وأعتقد أن الموقف الأمريكي كان متحفظا والفرنسي متعجلا وسيتغيّر، لأنه تسرع، والروس متحفظون والصين لا تتدخل أصلا. كيف يمكن للسلطة الاستقواء بالخارج؟ الدبلوماسيون معروف عنهم أنهم بياعون للكلام، لعمامرة يقول للخارج إن الرئيس في حوار وسيشكل حكومة يدخلها شباب وأحزاب، والهدف إيصال رسالة أن الأمور ستنطفئ، فهم يريدون كسب تأييدهم، لأن السلطة يقلقها الشارع أولا والضغط الخارجي ثانيا. سنوات والسلطة تشتري المواطنين في السلم الاجتماعي، ولما انتهى مفعول الشراء، الشعب استيقظ وعبّر عن صحوته ووعيه بهذه المسيرات، وكذا الضغط الخارجي، كانوا يتعاملون معه بالصفقات والتقاطعات في المواقف السياسية، لكن الخارج يبدو أنه تأثر بما يجري في الداخل. قلت إن المتربصين بنا في الخارج كثر، كيف؟ التربص دائما قائم، لكن في مثل هذه الظروف يريدون تقسيم الجزائر، وأنا كنت أكثر الشخصيات المنددة بسياسة التخويف، وما دامت السلطة تدرك بوجود متربصين وفعليا يوجد متربصين، إذن لا بد من عدم إعطاء فرصة لهؤلاء بعدم ترك الشعب في الشارع. ولحد الآن المسيرات الماضية مرت بسلام، ولكن من يضمن ما سيحدث مستقبلا، وهنا أنا لا أشكك في وعي الشباب، ولكن أي واحد يمكن له أن يفجّر مسيرة سلمية، ومن هنا تبدأ مسؤولية السلطة وليس الشعب بأن لا تتركه في الشارع لتلبية مطالبه. ولا بد للحلول أن تنبع من الشعب، ولا أحد يقرر باسم الشعب ويتحدث باسمه، ولما تقول أطراف إن هنالك خطط وجب تنفيذها، فلا بد من الرجوع إلى الشعب، وإذا اختار أي شيء فأهلا، أما عن طريق الوصاية أو بالوكالة فهذا مرفوض. إذا أعلن بوتفليقة نهاية عهدته بعد 28 أفريل، هل تعتقد أن الشارع سيهدأ؟ نعم تماما، وإذا بقي شي آخر، فسيكون هنالك فئات تعبّر عن آراء وبعض المطالب، لكن المطلب الأساسي هو إنهاء هذه الحقبة بشكل واضح والدخول في انتقال سلس. ماذا عن الذين يطالبون بالحساب؟ أنا لست مع هذا المطلب، لا يمكن تأسيس محاكم للآخرين، نحن مع تطبيق القانون، والشعب لم يرفع مطالب الحساب، لأنه إذا حاسبت شخصا لن يبق ولا واحد. إنما المطلب الأساسي، هذا التغيير، عن طريق عدم استمرار الرئيس ومن معه، والسماح بالحلول التي تستند إلى الإرادة الشعبية، وطبعا محاربة الفساد، وأظن أن الذهنيات الانتقامية تعطل الإصلاحات. هل ترى أن الرحيل بالشكل الفجائي والسريع ستكون له انعكاسات سلبية، ونعود إلى نقطة الصفر، خصوصا أن كل طرف يدعو إلى ندوة، كل حسب انتماءاته؟ الرئيس لا بّد أن يعلن الآن فيما تبقى له من عهدته، عن حوار حول هذه المسائل، والمسار الذي يسلكه الجزائريون بعد رحيله في 28 أفريل. وهنالك مسارين، الأول دستوري والثاني خارج الدستور، لكن تفادي الاختلاف بأن الشعب هو الذي يفصل، والرئيس لن يزيد بعد انتهاء العهدة. ومن هنا إلى آخر يوم في العهدة، الرئيس يؤسس لحوار ونقاش، ونبقى في الحل الدستوري أو خارج الدستور، وكل ما نتفق عليه لا بد أن ينفّذ. كيف يتم بلورة هذا الحوار؟ الرئيس يكلف من شاء لأنه ما يزال رئيسا. ولا أقصد الحكومة. الشعب طالبه بالرحيل، وعليه تأكيد ذهابه، وبأن لا يتصرف بعد انتهاء عهدته، ويكلف شخصية أو مجموعة تتكلم باسمه، فلو كان في صحة الجيدة لكان هو المتحدث، يجرون حوارا تشارك فيه أحزاب وفعاليات المجتمع المدني وشخصيات وطنية وشباب حول أحد المسارين، وهنا الشعب يكون قد حقق مطلبه، وتبقى التفاصيل التي لا تجدها في الشارع. هل تكفي المدة حتى انتهاء العهدة لإرساء حوار؟ نعم تكفي للنقاش والحوار، والمسار الدستوري يتطلب بعض الإصلاحات قد تبدأ بإصلاح في المجلس الدستوري باستقالة أعضائه المعينين من طرف الرئيس، وتعديل قانون الانتخابات وتأسيس لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات والتوافق على من يقود الحوار، ولا يمكن إجراء انتخابات دون إصلاحات، ولا بد من التوقف عن فكرةأن النظام يريد فرض شخصية منه، ويجب وقف التزوير. أنا رأيي أن الدستور هي الوثيقة الأساسية للبلاد ولا يمكن فتحها في الظرف الحالي الهشّ، ولا يستطيع أحد فتحها ما دام لا يوجد رئيس لا يتمتع بالشرعية. فالشرعية يقود المسار فيها من ينتخبه الشعب طبقا لبرنامج وهذا لأمن البلاد وسلامتها.