أخرج الحراك الشعبي منذ وهلته الأولى في 22 فبراير الماضي العديد من القضايا والمظالم التي حملها أصحابها إلى ”محكمة الشعب” في الساحات والشوارع الجزائرية، ولم تُستثن مسائل التاريخ. فمنذ الجمعة الأولى بتلمسان اكتشفت جماهير الحراك وخاصّة فئة الشباب قصّة الزعيم الراحل لحزب تاريخي لم يعد له وجود، كانت له إسهامات في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية قبل ثورة التحرير. إنّه صاحب اللّحية البيضاء مصالي الحاج. يقول زكرياء حميدو، من أحفاد المناضل الكبير العربي حميدو أشهر مناضلي الحركة الوطنية في تلمسان، وهو الذي أصرّ على تنظيم جنازة وتشييع مصالي الحاج إلى مثواه الأخير في بيته بحي الفخاريين في تلمسان شهر جوان 1974 في ظل نظام الرئيس الراحل هواري بومدين، في البيت الذي كان يؤوي خيضر وعبد الحميد مهري وبوصوف وبن بلة نهاية الأربعينات من القرن الماضي، قبل أن يفترق الأخوة إلى مصاليين ومركزيين، يقول ”إن الخروج الأوّل مع الشعب في حراكه المطالب بالحرية والكرامة والرافض للعهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة كان بمطالب تاريخية بحتة، من خلال حمل لافتات كُتب عليها: كفى تزييفا.. الشعب يريد كتابة التاريخ، كانت لافتة بسيطة لقيت اهتمام المشاركين من اختلاف الأطياف، خاصّة أنها رُفعت من قبل شباب لم يعايشوا تلك الفترة بتناقضاتها، لافتات أخرى حملت شعارات: لا للمؤرخين المرتزقة، نعم للحقائق التاريخية”. لكن ما دخل الرئيس بوتفليقة في المسألة؟ يجيب ”بوتفليقة هو رمز نظام الحكم ورئيسه، عند مجيئه في العهدة الأولى سنة 1999 انتظرنا منه الكثير، وصدّقناه عندما أطلق اسم مصالي الحاج على مطار زناته الدولي في تلمسان، ويوم أعطى موافقته على تنظيم ورعاية أوّل ملتقى تاريخي دولي حول شخصية الحاج مصالي، وكان أوّل وآخر ملتقى بعد التفاف زُمر النظام على الفكرة ورفض تنظيم الطبعة الثانية في ولاية باتنة. مصالي الحاج والتاريخ الذي يحمله أكبر من أن يُسمى عليه مطار، لا بد من كتابة التاريخ الصحيح للحركة الوطنية الاستقلالية، ولا بد من إعادة الاعتبار لرموز التاريخ من مختلف الحساسيات، وهو ما لم يتحقق في عهد بوتفليقة، لهذا خرجنا مع الشعب لرفض الخامسة التي كانت ستكون كارثة على البلد”. ومع توالي أسابيع الحراك الذي ابتعدت فيه وغابت التجاذبات الحزبية والأيديولوجية، كان الترحيب والإعجاب بصور مصالي الحاج يزداد من أسبوع إلى آخر، لتتحوّل منازل أنصار مصالي الحاج إلى ورشات لإبداع أجمل اللافتات التي كان يحملها الشباب من الجنسين بكل فخر وحماسة. لافتة أخرى في رابع أسبوع من الحراك حملت شعار ”الكلمة للشعب.. نحن حزب الشعب الجزائري”، وأخرى بشعار ”لا للتزوير الشعب يريد كتابة التاريخ”. وختم معنا زكرياء حميدو اللقاء قائلا ”لقد اتصل بنا أنصار الحركة الوطنية من كل جهات الوطن يريدون الحضور والمساعدة والمشاركة في العرس الديمقراطي الذي تعيشه شوارع تلمسان مثل شوارع الجزائر كل جمعة، مطالبنا هي مطالب الشعب الجزائري ويجري علينا ما سيجري عليه.. مطالبنا تاريخية، وفي شقها السياسي نحلم بتأسيس دولة الحق والقانون في دولة مستقلة كاملة السيادة على أرضها وخيراتها، مثلما حلم بذلك مؤسس حزب الشعب الجزائري مصالي الحاج أوّل من نادى في المحافل الدولية باستقلال الجزائر”.