دعا عبد العزيز رحابي، وزير الثقافة والاتصال السابق، القيادة العليا للجيش الوطني، إلى تشجيع كل المبادرات السياسية من أجل حوار موسع للخروج من الأزمة التي قد تلهي الجيش عن مهامه الدستورية، محذرا في مقابلة مع "الخبر" من استمرار غياب مؤشر قوي على وجود حل سريع ومستعجل للأزمة. إلى أين تسير الجزائر؟ نتجه إلى المزيد من الانسداد السياسي وهو ما قد يخلق وضعا جديدا لا يحتكم إلى العقل أو الوسطية، بل يحكمه التطرف والمزايدة. عندما تخرج من نظام شمولي وتتعب في بلورة التصورات والآليات التي تحقق الانتقال نحو نظام جديد، هذا يعني فشل السلطة والنخب السياسية على حد السواء. لماذا؟ لأن مطالب الجزائريين واضحة وهي سياسية بامتياز ولا علاقة لها بالمتاعب اليومية للجزائريين. لذلك هناك شعور بأن سقف المطالب مرتفع جدا وفي حاجة إلى جواب يرقى إلى هذا المستوى. وأين مكمن الصعوبة في ذلك، المطالب واضحة ولا تحتاج إلى تفسير؟ أولا، النظام الذي حكم البلاد خلال ال20 سنة الماضية، لا زال قائما ومتمكنا ومتمددا في كل المستويات داخل دواليب مؤسسات الدولة، والمقاومة التي يظهرها ضد التغيير قوية، بل وينفذها أو يمارسها بإمكانيات الدولة أي بالمال العام. وهذه المقاومة التي عنوانها ضد التغيير دخلت في مواجهة حادة مع الرغبة والهبة الشعبية الجامحة من أجل التغيير وتدشن عهد جديد بنظام جديد. في اعتقادي، هذه هي حقيقة الأزمة التي تعيشها الجزائر اليوم، وإذا طالت فإنه ليس من المستبعد الدخول في حالة عصيان مدني ورفض كل ما هو رمز للسلطة، دون التمييز بين السلطة والدولة. هنا تكمن حقيقة المنعرج الخطير الذي لا يمكن تجاوزه إلا عبر الحل السياسي. تتحدث عن جيوب للمقاومة للتغيير، أي هي وما سر قوتها؟ للأسف، هذه الجيوب توجد في بعض المؤسسات الحيوية وحتى داخل القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي. توجد أيضا في الإعلام الحكومي وفي النسيج الاقتصادي العمومي. هذه الجيوب ترفض التغيير بسبب الريع وبسبب خوفها من نظام سياسي تكون فيه العدالة مستقلة تفتح ملفات الفساد. كما إنها موجودة أيضا داخل صفوف بعض القوى السياسية، التي تعتبر الانفتاح السياسي مغامرة لأنها تفتقد إلى تصور لجمهورية جديدة السيد فيها هو القانون. ومن المؤسف أن هناك من النخب تعمل على بلورة فكر انتروبولوجي استعماري، يتم تسويقه على أن الشعب ليس لديه قابلية لممارسة الديمقراطية، وهذا في حد ذاته احتقار للشعب الجزائري الذي أبهر العالم بنضجه وسلمية مسيراته. هناك قلق وسط الحراك الشعبي بسبب محاولات الاحتواء والالتفاف على مطالبه، برأيك كيف يمكن ازالة هذا القلق؟ بكل تأكيد توجد محاولات للالتفاف على مطالب الشعب الجزائري من طرف الجهات المذكورة سلفا. وهناك أيضا بعض الأطراف الدولية وخاصة في العالم العربي لا يعجبها ما تعيشه الجزائر من تحول نحو مستقبل مشرق ومناخ سياسي ديمقراطي، بحكم أن ما يجري عندنا قد يؤثر على غيرنا في المنطقة العربية. أنا أشاطرك الرأي، الشعب الجزائري يشعر بالقلق. وهو أمر طبيعي ومشروع، لأن الجزائريين غير مطمئنين لأنصاف الحلول المطروحة أو المعلنة، والتي ظهرت لحد الساعة. أرى أنه حان الوقت للخروج من المنطق الدستوري الجامد، لأن دوره انتهى، ويتوجب الدخول في العمل السياسي الذي يؤسس إلى مرحلة انتقالية ديمقراطية حقيقية. ما ضمانات نجاح هذا التوجه، خاصة في ظل حالة الشك والتشكيك في النوايا بين كافة التيارات والقوى والنخب السياسية؟ هبة الشعب الجزائري الوطنية والتاريخية هذه، أفرزت ثلاثة فاعلين أساسيين وبرنامجها واحد هو الديمقراطية. الفاعل الأول هو الطبقة السياسية الشرعية التي لا يجب التنكر لدورها خلال السنوات الأخيرة على مدى السنوات الماضية، من خلال معارضتها للرئاسة مدى الحياة. اليوم، وبسبب هذه الأزمة، قيادة الجيش الوطني الشعبي برزت هي الأخرى كفاعل من أجل السعي لإيجاد حل للأزمة، إلى جانب الحراك الشعبي الذي يشكل أرضية المطالب المشروعة التي ينادي بها، وعلى الجميع العمل معا لتجسيدها بأقرب وقت بحل سياسي شامل. كيف تتصور هذا الحل السياسي الشامل، هل تقصد الحوار مع السلطة أو مع ممثلي الحراك ؟ أنا لا أوافق فكرة فتح حوار مع التمثيل الشعبي للحراك لهذه الهبة المليونية التي أصلا هي في حاجة إلى فترة انتقالية. ويمكن لكل شرائح المجتمع المنضوية تحت مظلة الحراك الشعبي، الانخراط في الحياة السياسية والنقابية والجمعوية وتتحول بذلك إلى قوة سياسية حقيقية تفرض مطالبها التي خرجت من أجلها. برأيي، هذا هو السبيل الوحيد لتفادي الالتفاف على مطالب الشعب. هل تتوقع تجاوب من طرف الشعب لهذا المقترح؟ أكيد أن هناك محاولات لتجريم المعارضة رغم أنها ليست مسؤولة عن الأزمة الحالية، لكنها لديها مسؤولية في المساهمة في إيجاد مخارج منها، والمسؤول مسؤولية كاملة على هذه الأزمة هو النظام السياسي بمحاولة شيطنة المعارضة وتبرئة السلطة وقد فشلت في ذلك، بدليل أن المعارضة وقفت منذ المسيرة الأولى يوم 22 فبراير الماضي مع الشعب. يكثر الحديث عن دور أكبر للجيش في حل الأزمة، كيف يمكنه ذلك؟ قيادة الجيش الوطني الشعبي، وجدت نفسها في قلب الأحداث بسبب حدة الأزمة، بعبارة أخرى حدة الأزمة هي التي أقحمتها في النقاش، وهي مضطرة لأن تساعد على تحقيق مطالب الشعب، وكذلك تشجيع كل المبادرات السياسية من أجل حوار موسع للخروج من الانسداد السياسي الحالي الذي قد يلهي الجيش عن مهامه الدستورية، وذلك بسبب غياب مؤشر قوي على وجود حل سريع ومستعجل للأزمة. كيف؟ لأنها ليست أزمة قطاعية بل هي أزمة شاملة، مرتبطة بشعب ومؤسساته، والنظام الديمقراطي هو الوحيد الذي يحدد ويضبط المهام الدستورية لأي جيش وتمر حتما عبر إبعاده عن السياسة للحفاظ على الإجماع الشعبي والوطني حوله. شخصيا، لا أتصور مخرجا من الأزمة دون المرور على فترة انتقالية حقيقية يتم فيها وضع وضبط الآليات والمدة والمشاركين فيها. هل اسم الرئيس السابق اليامين زروال وارد فيها؟ في كل مرة عاشت فيها الجزائر أزمة لها علاقة مباشرة بالانتخابات الرئاسية، إلا ويتم اللجوء إلى الرئيس اليامين زروال، وهذا في حد ذاته تقدير مميز للرجل ولخدمته للدولة لأنه بحق رجل دولة وليس رجل سلطة، غير مدمن على السلطة ولا على الامتيازات الناجمة عنها. لا أعتقد أن الرئيس زروال سيقبل أن يلعب دورا في المرحلة المقبلة، إيمانا منه أن للشعب وخاصة الشباب، كل المؤهلات لتنظيم الانتقال الديمقراطي الذي لا مفر منه. ما تقييمك للأداء الإعلامي في هذه الأزمة وما المطلوب منه؟ للأسف، حالة الغلق التي عاشتها بلادنا خلال العشرين سنة الماضية، أثرت سلبا على الإعلام الوطني، عمومي وخاص. وقد أدى ذلك بالإعلام الحكومي بصفة خاصة إلى السقوط رهينة لتبعات الغلق الممنهج والموجه، الأمر الذي جعله لا يقدر على مواكبة التحولات الجارية منذ 22 فبراير الماضي، خاصة وأن الهبة الشعبية دفعت إلى بروز رغبة جامحة في التغيير الجاد والعميق، وهو ما يتطلب من كافة وسائل الإعلام لأن تتفاعل بكثير من الجدية والمسؤولية مع متطلبات المرحلة، لأن الأمر يتعلق بحاضر ومستقبل الشعب والبلاد.