تستمر الوكالات البنكية في تطبيق الإجراءات التي تضمنتها التعليمة الأخيرة الصادرة عن بنك الجزائر بمساءلة زبائنها من أصحاب الحسابات البنكية بالعملة الصعبة عن مصدر الأموال المودعة في حساباتهم والتي فاقت قيمتها 1000 أورو، ما أثار استياء كبيرا في أوساط زبائنها وتسبب في تراجع مدخراتها من "الدوفيز"، في وقت تتغنى فيه حكومة تصريف الأعمال برئاسة نور الدين بدوي بضرورة استقطاب الأموال الموظفة خارج الأطر الرسمية، وخاصة منها المتداولة في سوق "السكوار"، لتوظيفها في الاقتصاد الوطني الذي يعرف ركودا خلال السنوات الأخيرة نتيجة شح الموارد المالية. تبقى التعليمة الحاملة لرقم 149 الصادرة عن بنك الجزائر سارية التطبيق، رغم التصريحات الواضحة التي أدلى بها وزير المالية محمد لوكال الأربعاء الماضي أمام نواب البرلمان، بمناسبة عرضه لمشروع قانون المالية لسنة 2020، ليرفع اللبس واللغط الذي أثير مباشرة بعد إصدار تعليمة تسقيف المبلغ المعفى من التبرير عند 1000 أورو، حيث أكد أن الأمر يخص الأجانب فقط ولن يُطبَّق على الجزائريين من ذوي أصحاب الحسابات البنكية بالعملة الصعبة. ويبقى السؤال مطروحا عن فحوى إصدار تعليمة هي أصلا سارية التطبيق بموجب قانون المالية لسنة 2016. فهل أخطأ البنك المركزي في إصداره لهذه التعليمة وسيسارع لتصحيح ما جاء فيها من خلال توجيه مراسلة أخرى للبنوك؟ أم أن إصدار التعليمة 149 جاء بإيعاز من الحكومة التي أصبحت تخبط خبط عشواء بسن قرارات دون أي جدوى اقتصادية، وأكثر من ذلك فهي تتعارض وتوجهات السياسات الاقتصادية المعتمدة، خاصة فيما تعلق باحتواء أموال أصحاب "الشكارة". ويشكل الإجراء الذي جاءت به التعليمة رقم 149 رجوعا إلى تدابير قديمة كان معمولا بها، حيث استندت المذكرة على المادة 72 لقانون 15-18 الصادر في 30 ديسمبر 2015 والمتعلقة بقانون المالية 2016، إلى جانب المادة 3 من التنظيم رقم 16-02 المؤرخ في 21 أفريل 2016 والمحدد لسقف التصريح باستيراد وتصدير الأوراق البنكية أو الأدوات القابلة للتفاوض المحررة بالعملة الأجنبية القابلة للتحويل الحر من قبل المقيمين وغير المقيمين. وفي جولة استطلاعية قادت "الخبر" لمختلف الوكالات البنكية، تأكدنا من استمرار مختلف الوكالات البنكية في تطبيق التعليمة الأخيرة لبنك الجزائر واستمرارها في مساءلة زبائنها من أصحاب حسابات العملة الصعبة، ما أثار استياء في أوساط هؤلاء، ليقرر بعضهم سحب ما تم إيداعه سابقا من العملة الصعبة. وحسب موظفي الوكالات البنكية فإنه لا يمكن لأي بنك التراجع في تطبيق التعليمة ما لم يتم تصحيحها أو إرسال تعليمة أخرى منافية من طرف البنك المركزي، معتبرين أن تصريحات وزير المالية لا تلزم إلا شخصه في غياب الوثائق الرسمية. وأشارت التعليمة رقم 149 إلى "وجوب تبرير مصدر العملة الصعبة بتصريح جمركي ابتداء من 1000 أورو"، وأن أي مخالفة وعدم احترام للإجراء يدرج ضمن مخالفات الصرف. كما تمثل التدابير المعتمدة في هذه التعليمة تراجعا عن إجراءات سابقة اعتُبرت بمثابة تحفيز وتشجيع لفتح أرصدة بالعملة الصعبة واستقطاب الأموال التي تبقى خارج دائرة البنوك، حيث صدرت بمعية محافظ بنك الجزائر السابق وزير المالية الحالي محمد لوكال، في 19 جوان 2018، مذكرة تحمل رقم 02-2018 للمؤسسات المالية والمصرفية، تشدد على إزالة جميع المعوقات والعقبات التي تواجه الجزائريين والأجانب المقيمين وغير المقيمين عند فتح حساب بالعملات الأجنبية.