يرى الاعلامي الجزائري المقيم بالولاياتالمتحدة ورئيس تحرير جريدة "الخبر" الأسبق، محمود بلحيمر، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أخطأ في التعامل مع أزمة فيروس كورونا في بدايتها، واعتبر المتحدث في هذا الحوار أن الأزمة ان طالت ستكون لها تبعات وخيمة على المجتمع الأمريكي. تحولت الولاياتالمتحدة إلى أكبر بؤرة لفيروس كورونا في العالم، كيف تعيشون في الولاياتالمتحدة يومياتكم في ظل تفشي الفيروس؟ وما الذي تغير في حياة الأمريكيين؟
انقلبت حياة الناس هنا في أمريكا رأسا على عقب مثل باقي دول العالم. وبالطبع، الوضع يختلف من ولاية إلى أخرى، فهناك ولايات تفشّى فيها الفيروس وشُلّت بها الحركة مثل نيويورك وميتشغن وكاليفورنيا ولويزيانا، واضطرت أخيرا إلى فرض إجراءات صارمة بخصوص ما يُعرف هنا ب"التباعد الاجتماعي". صارت تعيش رعبا حقيقيا بعد أخبار متلاحقة عن ارتفاع عدد الإصابات والوفيات إلى مستويات لم تكن تخطر على بال أحد، فيوم الاثنين فقط توفي 599 شخص في نيويورك، ليبلغ عدد الوفيات بالولاية في نفس اليوم 4758، والحصيلة مرشحة للارتفاع. وتبدل السلطات الفدرالية جهودا مضنية للتحكم في الوضع من خلال بناء مستشفيات واقتناء التجهيزات الطبية.. إلخ. أحد المسؤولين في البيت الأبيض شبّه الوضع الذي ستعرفه الولاياتالمتحدة في الأسبوعين المقبلين بما عرفته خلال الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، وأيضا بالهجوم على بيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية، في إشارة منه للعدد الكبير المتوقع من الوفيات. الوضع يختلف بعض الشيء في شمال فيرجينا والعاصمة واشنطن، لكن عموما الحركة قليلة جدا في الشوارع، المدارس أغلقت والكثير من الناس صاروا يشتغلون من بيوتهم، الناس لا يخرجون إلا للضرورة وتراهم حريصين على عدم الاحتكاك بالآخرين وعلى أخذ الاحتياطات الضرورية، الكثير من الناس فقدوا وظائفهم.. أنا شخصيا لا أخرج إلا للضرورة.
تحذيرات أطباء في الولاياتالمتحدة بأن الأسبوع القادم سيكون الأسوأ في تاريخ الولاياتالمتحدة، هل يعني أن الوضع لم يعد متحكما فيه؟
جاءت تلك التحذيرات بناءً على رصد لبيانات دقيقة بشأن تطور الفيروس ونتائج الاختبارات التي تجرى على الحالات المشتبه فيها وأيضا بالنظر لحالات الإصابات المسجلة التي بلغت إلى غاية مساء الإثنين 367461، أي أكثر من ربع مليون.. بالتأكيد الوضع صعب والخسائر في الأرواح كبيرة، لكن فريق الطوارئ في البيت الأبيض يطمئن بأنه يرى بريق أمل في نهاية النفق قريبا.
ما مدى تأثير الجائحة على الأمريكيين اقتصاديا؟
هناك مخاوف جدية من التبعات الاقتصادية لتفشي الفيروس في البلاد. الاقتصاديون يقولون إن الاقتصاد الأمريكي دخل مرحلة ركود قد تكون أكبر من تلك التي عاشتها أمريكا في 2008.. ملايين الأمريكيين فقدوا وظائفهم خلال شهر مارس بسبب غلق الكثير من المرافق والشركات مثل المطاعم والفنادق ودور السينما وشل حركة الطيران..إلخ، والنشاط الاقتصادي يعرف حالة من الشلل. فمثلا فقد الاقتصاد الأمريكي سبعمائة ألف وظيفة في شهر مارس، بعدما كان يعرف زيادات في عدد الوظائف كل شهر منذ عهد الرئيس أوباما. وارتفع معدل البطالة إلى 4.4 في المائة بعدما كان 3.5 في المائة في فبراير، وهو مرشح ليرتفع إلى أكثر من 10 في المائة في نهاية أفريل الجاري. أضف إلى ذلك أن البورصة الأمريكية عرفت خسائر كبيرة لم تعرفها منذ ثلاثين عاما وهذا يعني أن مدخرات ملايين الأمريكيين تبخرت. تعطل حركة الاقتصاد يعني فقدان ملايين الوظائف ويعني أساسا أن ملايين الأمريكيين لن يتلقوا رواتبهم لشهور ربما، وهذا بالتأكيد سيجعل العائلات الأمريكية تعيش ضائقة اقتصادية حادة لأنها في الغالب قليلة الادخار أو ليس لها ادخار أصلا، وبالتالي لن تستطيع دفع إيجارات البيوت أو الفواتير المختلفة. الإدارة الأمريكية تبدو مدركة لهذا وتحاول تفادي ركودا اقتصاديا وشيكا، لذلك تم توافق الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس على قانون تم تخصص بموجبه تريليوني دولار لدعم الاقتصاد، من ضمنه دفع مبالغ مالية للعائلات قُدرت ب1200 دولار للفرد و500 دولار لكل طفل، وهذا مرة واحدة، لكن هذا لن يكفي، وهناك تفكير في ميزانية إضافية لتفادي الركود الاقتصادي، لكن في حال طالت أزمة كورونا فلا مفر من ركود اقتصادي بتداعيات اجتماعية قاسية لا تقل خطورة عن تلك التي رأيناها في 2008 و2009.
في تقديرك ما الذي جعل الفيروس ينتشر بالولاياتالمتحدة رغم أنه كان أمام أصحاب القرار كل الوقت ونماذج حية لتعامل الصين مع الوباء وأيضا تجارب إيطاليا وإسبانيا؟
السبب في رأيي أن إدارة ترامب أخطأت الحساب. فترامب كان صرّح في نهاية جانفي بأن الفيروس "تحت السيطرة بشكل جيد" وتوقع "نهاية جيدة للغاية".. وحتى بزوغ الخطر في بعض الولاياتكنيويورك اتهم ترامب الديمقراطيين وحكّام الولايات بالمبالغة في الحديث عن النقائص، ومنذ البداية ركّز خطاب القوى المحافظة المؤيدة لترامب هجومه على الديمقراطيين ووسائل الإعلام المناوئة لترامب كونها تتذرع بفيروس كورونا لضرب ترامب مرة أخرى.. طبعا هناك سبب جوهري وراء ذلك ويتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وترامب يراهن على حالة الاقتصاد كأحد الإنجازات الكبيرة في ولايته الأولى، وهذا ما يفسّر تردده في اتخاذ إجراءات قد تضر بالاقتصاد، لكن ما وقع أخلط الأوراق بالنظر لما آل إليه حال الاقتصاد. واقع الأمر أن الولاياتالمتحدة أضاعت فترة شهرين على الأقل كان بالإمكان استخدامها في إجراء الاختبارات على المرضى المحتملين وعزلهم وتوفير المعدّات الطبية الضرورية، وتجهيز المستشفيات وتوفير التمويل الكافي في الوقت المناسب، وأيضا اتخاذ التدابير القانونية التي تتيحها القوانين الفيدرالية لمساعدة الولايات في التغلب على الوباء.
ما حجم الانتقادات المواجهة لإدارة ترامب في تعاملها مع الوباء؟ وما مدى تأثيرها على حظوظه في الرئاسيات المقبلة؟
هناك انتقادات علانية توّجه لترامب في وسائل الإعلام الأمريكية، لاسيما تلك التي تُعرف باليسار أو القريبة من الحزب الديمقراطي، بشأن تباطؤ الإدارة في التصدي للوباء وأيضا بشأن التأخير الحاصل في إيصال المساعدات الطبية للولايات المتضررة كنيويورك، وفي المقابل تدافع وسائل الإعلام المحافظة على أداء ترامب وفريقه في هذه الأزمة. لكن التركيز في الظرف الحالي ينصب على محاولة التصدي للصدمة مع أخبار مفزعة عن توقع وفاة أعداد كثيرة من المصابين في الأسبوعين المقبلين. وبالتأكيد سيتعرض ترامب لانتقادات حادة بعد نهاية أزمة كورونا ستؤثر على شعبيته وقد تكون لها آثارا سلبية جدا على حظوظه الانتخابية في نوفمبر المقبل.
هل يتقبل الأمريكيون فكرة أن بلادهم كأكبر قوة اقتصادية في العالم تجد مشكلة في التكفل بمرضاها وفي مواجهة الفيروس؟
بالطبع لا يتقبلون ذلك، وتكتشف في بعض التعليقات في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أنّهم لا يفهمون ماذا يحصل. فهناك انتقادات للإدارة، وهناك إثارة من جديد للنقاشات السياسية والاجتماعية التي تظهر على السطح في المواعيد الانتخابية مثل ضرورة الاستثمار في الصحة والتربية والبيئة والتغيّر المناخي والكف عن صرف مليارات الدولارات في الخارج على الحروب...إلخ.
وفي هذا السياق، كيف تعامل الرأي العام الأمريكي خاصة وسائل الإعلام والسياسيون مع اتصال ترامب بنظيره الصيني بخصوص مواجهة الفيروس، وكيف ينظر الأمريكيون إلى المنافسة مع الصين ما بعد كورونا؟
اتصال ترامب بالرئيس الصيني مرّ مرور الكرام في وسائل الإعلام، كما أن هذا النوع من الاتصالات لا يحظى في الوقت الراهن، باهتمام الرأي العام الأمريكي. التركيز الآن ينصب على الوباء وتداعياته على الحياة اليومية للأمريكيين وعلى الاقتصاد. ترامب قال إنه أجرى اتصالا جيدا مع الرئيس تشي جين بينع وأنهما يعملان معا بشكل وثيق للقضاء على كورونا إلى غير ذلك من الكلام الدبلوماسي المعتاد... وتداعيات أزمة كورونا سوف تكون وخيمة على الاقتصاد العالمي كله، فالركود لن يمس الولاياتالمتحدة لوحدها بل أن الصين ستكون ضمن الدول المتضررة أيضا، زيادة على أن الركود الاقتصادي في الولاياتالمتحدة ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصادي الصيني، لأن هذا الأخير له ارتباطات قوية بالاقتصاد الأمريكي. فالعديد من الشركات الأمريكية تعتمد على مواد تُنتج في الصين، وشركات صينية تعتمد على مواد مستوردة من الولاياتالمتحدة. ومن الطبيعي أن ترمي الصين بثقلها في أزمة كورونا، بعدما تحكمّت في المرض على أراضيها، لأنها ترمي لتوسيع نفوذها في العالم وحمايته، كما تفعل الولاياتالمتحدة، واقع الأمر أن هذه الأخيرة تمر بظروف حرجة مع المرض، وستعود لتمارس نفوذها الدولي كما فعلت في السابق. فبين بيكين وواشنطن صراع استراتيجي حاد لكن لا يمكن حسمه بهذه السرعة، لأن الولاياتالمتحدة لا تزال تمتلك عناصر القوة التي تجعلها تبقي على التفوق الاستراتيجي على الصين لبعض الوقت.