إنّ الإسلام بتشريعاته السّامية حقّقَ للمجتمع أرقى صور التّكافل والتّضامن بمفهومه الشّامل، ومدلولاته الواسعة من الصّدقات والبرّ والإحسان.فقد قال تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” المائدة:2. وقال الحبيب صلّى الله عليه وسلّم- كما في الصحيح: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا”، وقال أيضًا:«مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وتعاطفهم كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجسد بِالسَّهَر والحمى”،وقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “من كان معه فضل ظهرٍ فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له”، وقوله أيضًا: “خير النّاس أنفعهم للنّاس”. اتّفق الصّحابة رضوان الله عليهم والسّلف الصّالح من بعدهم على إعانة الفقير ومساعدة المحتاج ونصرة المظلوم وردع الظالم، وخير دليلٍ عملي واضح على ذلك ما حدث وقت الهجرة عندما شاطرَ المهاجرون الأنصار في ممتلكاتهم عن طواعيةٍ ورضًا من الأنصار. وما ورد عن عمر رضي الله عنه في عام الرمادة فقد قال: “والله الّذي لا إله إلّا هو ما أحد إلّا وله في هذا المال حقّ أعطيه أو أمنعه، وما أحد أحقّ به من أحد، وما أنا فيه إلاّ كأحدكم، والله لئِن بقيت ليأتين الرّاعي بجبل صنعاء حظه من المال وهو يرعى مكانه”. وإذا كان التّضامن والتّكافل والإحسان مطلوبًا في كلّ وقت وفي كلّ مكان، فإنّه يُتأكّد في شهر رمضان الّذي حلّ علينا هذا العام والعالم بأكمله يعيش أزمة صحية سببها فيروس كورونا، هذه الأزمة الّتي فرضت التّباعد في الشّهر الكريم، فلا وجود لموائد الرّحمة الّتي كان الفقراء وعابرو السّبيل يتجمّعون لتناول الإفطار مجانًا على نفقة أهل الخير، ولا وجود للتّزاور الأُسري، بالإضافة إلى توقّف أغلب العمال عن عملهم، ممّا زاد من أعداد الفقراء والمحتاجين. وفي ظلّ هذه الأزمة الّتي يصعب على الجمعيات الخيرية أن تفي بالغرض وأن تلبّي جميع الرّغبات وأن تستوعب جميع الفقراء، لا يسعنا إلّا أن نعود إلى نوعين هما من أعظم أنواع التّكافل الاجتماعي،أوّلًا التّكافل العائلي الّذي شرعه الإسلام، ويقوم بين الأصول والفروع والأقارب عمومًا كما قال الله عزّ وجلّ في كتابه: “قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ” البقرة:215. وثانيًا الجيران وهم أكثر النّاس معرفةً بأحوال بعضهم، ولطالما كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول كما روى الإمام أبي داوود في الصّحيح: “مَا زَالَ جبرِيلُ يُوصِيني بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سَيُوَرّثُهُ”، ونفى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صفة الإيمان عمّن لا يهتم لأمر جاره، مستدلاً بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “لا يؤمن مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِه”. وعليه وفي ظلّ هذه الظروف، أصبح من الضروري أن نتناسى الزلّات والهفوات الصّادرة من الأقارب والجيران، لأنّ كثيرًا من النّاس يمتنعون عن مساعدة الآخرين وتحسّس أحوالهم لأنّهم أخطأوا بحقّهم، لذا يجب أن نعلم بأنّ الإحسان ليس أن تحسن لمَن أحسن إليك، ولكن الإحسان أن تحسن لمَن أساء إليك وهذا قمّة العمل الصّالح، بالتالي يجب أن نقدّم ونجود بكلّ ما نستطيع لأجل الله، فكلّ ما نضعه في يد الفقير يقع في يد الله أوّلاً قبل الفقير. رئيس المجلس العلمي لولاية تيبازة وإمام أستاذ رئيسي بشرشال