في هذه الصورة الخاصة التي حصلت عليها "الخبر"، يظهر وزير الطاقة سابقا شكيب خليل، وهو يسير مطمئنا في أحد شوارع العاصمة الأمريكيةواشنطن، غير بعيد عن البيت الأبيض مقر الرئاسة الأمريكية، تاركا الشكوك عمّا إذا كان سيمتثل للعدالة الجزائرية التي تطارده بقضايا فساد ثقيلة. تفطّن الوزير المدلل زمن الرئيس السابق، لما يمكن أن يلحقه بعد ظهور علامات تهاوي منظومة حكم عبد العزيز بوتفليقة صديق طفولته، وهرع مغادرا الجزائر بعد الجمعة الرابعة للحراك الشعبي، إلى ملجئه المفضل أمريكا، حيث لديه إمكانية الإقامة هناك، مع زوجته الفلسطينية نجاة عرفات. الصورة الملتقطة توثق وجود خليل بالأراضي الأمريكية وهو آخر شكل يظهر عليه علنا خارج الشاشة الافتراضية التي يفضل التعامل بها مع متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي، مُرتديا بذلة الخبير في أسواق النفط التي تجعله "يترفع" عن الردّ عن كل الأسئلة التي تطال ملف القضائي المتخم بالأسرار. لكن تحصّن خليل بالولايات المتحدة، لم يمنع من استمرار تداول اسمه في قضايا الفساد التي يبدي غضبا شديدا عند مواجهته بها. وبعد أن كانت هذه القضايا تطفو على السطح في الجزائر تحديدا، صارت في الفترة الأخيرة مثار اهتمام الإعلام اللبناني أيضا، بعد تفجير قضية "الفيول المغشوش" المتفاعلة بشدة في هذا البلد الذي يواجه أزمة اقتصادية خانقة. ومما كشفته، النائب اللبنانية بولا يعقوبيان، في إطار نبش ملفات هذه القضية، أن شكيب خليل، كان وراء توقيع العقد سنة 2005، بمعية الوسيط فريد بجاوي المبحوث عنه من الشرطة الدولية منذ سنوات، والذي يظهر بجنب وزير الطاقة الجزائري في قضايا فساد أخرى. والغريب أن الوزير السابق في ردّه على ما أوردته وسائل الإعلام على لسان النائب اللبنانية، صبّ جامّ غضبه على الصحف الجزائرية التي تحاول تشويه صورته على حدّ زعمه. ومن جديد، يُشهر خليل نظرية المؤامرة التي سبق له استعمالها لما كان بالجزائر، والتي يقدم من خلالها نفسه على أنه عدو للنفوذ الفرنسي في الجزائر، وعلى هذا الأساس تتم محاربته في الجزائر كما في لبنان، على حد ما يقول. لكن عند محاصرته بالأسئلة في المنشور الذي وضعه على صفحته على فيسبوك، يرفض خليل الردّ عما إذا كان مستعدا لمواجهة العدالة الجزائرية في القضايا التي تسلمّت المحكمة العليا رسميا التحقيق فيها. ومنذ 19 فيفري الماضي، يعمل المستشار المحقق في المحكمة العليا، وفق بيانه الرسمي، على قضية سوناطراك 2، المتهم فيها شكيب خليل ومن معه بقبض رشاوى مباشرة وغير مباشرة له ولغيره، والحصول على منافع ومزايا غير مستحقة ومنحها للغير، وإساءة استغلال الوظيفة بصفة عمدية بغرض الحصول على منافع غير مستحقة ومنحها للغير، إلى جانب اتهامه بالحصول على فوائد بصورة غير قانونية بصفة مباشرة وغير مباشرة من العقود والمناقصات والمقاولات المبرمة من طرف المؤسسة التي هو مدير ومشرف عليها وتبييض الأموال والعائدات الإجرامية الناتجة عن جرائم الفساد في إطار جماعة إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية، وكذا توجيه التهمة له بتحويل الممتلكات والأموال الناتجة عن العائدات الإجرامية بغرض تمويه مصدرها غير المشروع واكتساب وحيازة ممتلكات وأموال ناتجة عن عائدات إجرامية. وليست هذه التهم جديدة عن شكيب خليل، فقد سبق للنائب العام في مجلس قضاء الجزائر الذي ليس سوى وزير العدل الحالي بلقاسم زغماتي لسوء حظه. ففي 12 أوت 2013، نشط زغماتي بصفته في ذلك الوقت، بشكل مستعجل، ندوة صحفية، أعلن فيها إصدار مذكرة توقيف دولية بحق شكيب خليل (كان قد غادر الجزائر قبلها بنحو 6 أشهر) وزوجته وابنيه، وفريد بجاوي قريب وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد بجاوي، موجها لهم تهما من بينها "تكوين عصابة أشرار"، في القضية المتعلقة بالصفقات مع شركة إيني الإيطالية وفرعها سايبام. غير أن الإشكال، كان في أن اسم شكيب خليل، لم يظهر أبدا على لائحة الأنتربول للمطلوبين دوليا، وتحولت هذه المذكرة إلى فضيحة، بعد أن تحدث بعض المحامين على أن السبب كان خطأ في إجراءات إصدار المذكرة، على اعتبار أن مجلس قضاء العاصمة ليس مختصا في توجيه التهمة إلى وزير. غير أن الجزائريين فوجئوا بعد أن مرّ على ذلك التاريخ 3 سنوات، بالوزير السابق يعود إلى الجزائر في 17 مارس 2016 إلى الجزائر عبر وهران التي غادر منها وحظي باستقبال من والي الولاية عبد الغني زعلان الذي تحول فيما بعد إلى وزير للأشغال العمومية ثم مدير لحملة بوتفليقة للعهدة الخامسة قبل أن يودع السجن بعد ذلك. وتحوّل خليل في الفترة التي عاد فيها مُتجولا بين الزوايا، من متهم إلى "مظلوم" من جهاز الدياراس السابق في انقلاب غير مفهوم للصفة، وسط صمت مُحير للعدالة، إلى أن ذكر الوزير الأول السابق أحمد أويحيى سنة بعد ذلك، أن شكيب خليل أُغلق ملفه نهائيا مستفيدا من انتفاء وجه الدعوى. لكن ظنّ شكيب خليل بالإفلات من العدالة بمساعدة رجال منظومة بوتفليقة، انتهى تماما بعد أن عاد اسم قضيته للظهور في خطابات رئيس أركان الجيش السابق الفريق أحمد قايد صالح، ليعلن بعد ذلك إعادة فتح قضيته في 24 أفريل 2019، في بيان صادر عن المحكمة العليا. ومرّة أخرى، عندما تطلبه العدالة، يكون خليل متحصنا خارج البلاد، فهل سينجح القضاء الجزائري، هذه المرة في جعله يحاكم مثل بقية المسؤولين على القضايا التي تلاحقه؟ سؤال ستجيب عنه الأيام القريبة.