كشفت دراسة نشرتها المجلة الطبية "لانسيت" المعروفة، أجريت في 130 دولة، أن الإجراءات الوقائية ضد كورونا (الكمامة، التباعد الجسدي وغسل اليدين) لا تحقق سوى نسبة 23 بالمائة من الحماية. كما أظهرت دراسة أخرى أن 27 بالمائة من الذين أصيبوا بكورونا فقدوا مناعتهم المكتسبة في ظرف قياسي، ما يعني أن الرهان على مناعة القطيع سقطت في الماء وأن الحجر الصحي الصارم هو المعطى المتوفر حاليا لوقف انتشار الوباء. بينت الأحداث أن المنظومات الصحية لمختلف الدول بنيت وجهزت أساسا لمواجهة أمراض مزمنة وليس للتصدي للأوبئة واسعة الانتشار والعدوى، وتجسد ذلك من خلال تطبيق الحجر الصحي غداة ظهور فيروس كورونا، حيث سمح للمستشفيات بربح وقت لاستيعاب أعداد المرضى وليس محاصرة الفيروس الذي واصل انتشاره في موجة ثانية توصف بالخطيرة. وتبين أيضا أن الفيروس الذي تأثر بالأحوال الجوية التي ميزتها الحرارة في أوربا وإفريقيا، حيث تراجعت شراسته، سرعان ما عاد للانتشار السريع بمجرد بداية الخريف وتراجع الحرارة، خصوصا في أوربا، ولا يستبعد، حسب العديد من الأطباء، أن يعود إلى قارة آسيا مع حلول فصل الشتاء، خصوصا في الصين التي أعلنت تحكمها في الفيروس الذي خرج منها إلى العالم. كيف يمكن مواجهة الموجة الجديدة؟ لم تعد إجراءات التباعد الجسدي ووضع الكمامة وغسل اليدين بالماء والصابون، وهي الإجراءات الوقائية القاعدية المعتمدة في كل الدول، حسب دراسة للمجلة العلمية "لانسيت"، تساعد سوى على توفير مستوى حماية لا يتجاوز 23 بالمائة ضد انتشار الفيروس، ما يعني أن الحكومات مطالبة بوضع إجراءات تكميلية أخرى. من المقترحات المقدمة من قبل الأطباء غلق المدارس والجامعات مجددا ومنع التجمعات وفرض حجر صحي صارم وغيرها من الإجراءات لمواجهة انتشار الفيروس، خصوصا مع حلول فصل الشتاء. لقد قوبل فرض بعض الحكومات الأوروبية إجبارية فرض الكمامة بالرفض من قبل الشارع، على غرار ما وقع في ألمانيا، والشيء نفسه بالنسبة لفرض حظر التجول ليلا، حيث قوبل بالاحتجاج من قبل أصحاب المطاعم والملاهي في إيطاليا، وفي ذلك مؤشر على أن الحكومات تواجه ضغوطات كبيرة من قبل مواطنيها في اختيار الإجراءات المقبولة شعبيا وغير المكلفة اقتصاديا واجتماعيا في التحكم في الأزمة الصحية العالمية، في ظل غياب بوادر أي لقاح جديد ضد كورونا. ويتخوف الأطباء من أن فصل الشتاء من شأنه رفع وتيرة الإصابات جراء تجمع الناس في المنازل بسبب البرودة وعدم تهوية الأماكن العمومية المغلقة خوفا من البرد، ما يجعلها أماكن خصبة لانتقال فيروس كورونا. يرجح الأطباء فرضية اللجوء إلى فرض الحجر الصحي الصارم، باعتبار أن آخر الدواء الكي لهذا الفيروس، أي كسر حركة انتقال الفيروس بين الأشخاص، وذلك بحظر كل أشكال اللقاءات العائلية والتجمعات والتنقلات بين المدن، طالما لم يتم اكتشاف لقاح فعال للفيروس، غير أن المقترح يعد بمثابة أحلاهما مر، بالنظر إلى تداعياته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، حيث تشير السلطات الفرنسية إلى أن تطبيق الحجر الصحي الشامل يكلف 15 مليار أورو شهريا، ومن شأنه خلق أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، وهو ما يسميه البنك الدولي بظهور ملايين الفقراء في العالم في ظرف قياسي بسبب كورونا. فأي من الحلول الظرفية ستفضلها الحكومات لتجاوز الأزمة الصحية والاقتصادية في آن واحد؟