حذّر الخبير الجزائري المختص في علم الفيروسات بمستشفى ليون بفرنسا، الدكتور يحيى مكي، من مغبة رفض التلقيح بحجة آثاره الجانبية. الدكتور مكي وهو أيضا رئيس قسم الفيروسات التنفسية والسرطانية في المعهد الطبي الفرنسي بمدينة ليون ومستشار وزارة الصحة الفرنسية وخبير منظمة الصحة العالمية، يرد في هذا الحوار الذي خص به "الخبر"، عن عدة أسئلة تحّير البشرية في ظل "سباق اللقاحات"، منها كيفية اختيار اللقاح، وإن كان سيحمي البشرية من الفيروس التاجي أم لا؟ في ظل "سباق اللقاحات" المضادة لفيروس كورونا المستجد وإعلان شركتي "فايزر - بيونتك" الأمريكو-ألمانية، و"مودرنا" الأمريكية عن لقاح فعال للفيروس التاجي، هل يمكن القول إنها بداية نهاية الجائحة؟ لكي نقضي على الجائحة، يجب على الدول أن تلقح على الأقل 70 في المائة من سكانها، ويلزمنا سنتين على الأقل متواصلتين لتلقيح الشعوب حتى نقضي على الفيروس أو نقلل من انتشاره. فالتطعيم مفيد جدا وسيحمي الإنسانية بعد سنتين أو ثلاث سنوات إن شاء الله.
برأيكم كيف يتم اختيار اللقاح المناسب في ظل تواجد عروض مختلفة؟ نختار اللقاح الذي أعطيت له رخصة من منظمة الصحة العالمية أو من المنظمات الأوروبية. فحتى الدول القوية لن تكتفي باللقاح الذي تصنعه، بل ستستورد لقاحات من بلدان أخرى.
اللقاحات المعروضة صنعت في ظرف قياسي؟ فهل فترة تطوير اللقاح كافية من الناحية العلمية؟ وصلت الدول الكبرى إلى لقاح هو في آخر مرحلته السريرية التجريبية الثالثة، فشركة "فايزر- بيونتك" وشركة "مودرنا" قدمتا ملفاتهما لهيئة الدواء والغذاء في الولاياتالمتحدةالأمريكية ومركز مراقبة الأمراض، وهاتان الهيئتان لهما نظام قوي جدا في تصريح الأدوية والترخيص للقاحات. وكل هذه الشركات الكبرى احترمت المراحل الأربع المطلوبة للوصول إلى اللقاح في ظرف قياسي، وهذا يعود للدعم المالي والسياسي الكبير والأبحاث. على عكس اللقاحات الأخرى التي لم تر النور منذ عدة سنوات لانعدام الدعم المالي والسياسي، كالأبحاث ضد المتلازمة التنفسية الحادة "سارس" التي هي من نفس عائلة "كوفيد-19".
هل سيكون اللقاح في متناول الجميع؟ وهل هو كاف؟ نعم اللقاح سيوزع على كل الدول، لكن ربما لا يصلها في نفس الوقت، والمنظمة العالمية للصحة خصصت غلافا ماليا قدره 8 مليارات دولار للحصول ليس على لقاحات "كوفيد-19" فقط، بل على كل اللقاحات التي ستوزع على دول إفريقيا ودول جنوب آسيا وأمركا اللاتينية. والجزائر لها القدرة أن تشتري لقاحا لكل مواطن، وبإمكانها استيراد أي لقاح سواء الأمركي أو الروسي الذي أثبت فاعليته بنسبة 92 في المائة.
يتخوف الكثيرون من الآثار الجانبية للقاح كورونا سواء على المدى القصير، المتوسط أو الطويل، ما تعليقكم؟ إذا كان المتخوفون من اللقاح أدوا مناسك العمرة والحج، فلماذا لم يخافوا من اللقاح الذي تفرضه العربية السعودية على كل حاج أو معتمر. اللقاح إذا كان مخيفا لا يصل إلى المرحلة الثالثة السريرية، فلقاح "مودرنا" جرب على 40 ألف شخص، "فايزر" على 32 ألف شخص، "أوكسفورد" على 15 ألف شخص، ولقاح الصين على 35 ألف شخص. اللقاحات هي التي أنقذتنا من الجدري والسل وغيرهما من الأمراض الفتاكة، واللقاح يحمي الأجسام ويحافظ على الأرواح، لكن الفيروس يصيب ويقتل، ويصيب ويخلف أعراضا خطيرة تصل إلى الإعاقة الصحية. لذلك نطمئن المواطن الجزائري من خلال جريدة "الخبر" أنه من غير المنطقي أن يصل العلماء إلى لقاحات في ظرف قياسي وتصرف عليه مليارات الدولارات ليقتل. والجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تلقح كل مولود ضد التهاب الفيروس الكبدي باء "b"، لأنه منتشر بشكل كبير ويسبب سرطان الكبد. لكن، لكل لقاح آثار جانبية كالحمى، التهاب في موضع الحقنة، القيء، الصداع والتعب، ولا يوجد خطر على القلب أو الكبد، وكل من يعطى له اللقاح سوف يراقب طبيا. فكم من مريض مصاب بالسرطان يعلق آماله على الله وعلى الأدوية الكيميائية، رغم آثارها الجانبية المؤلمة والمزعجة كالتقيؤ وتساقط الشعر، فلماذا ننكر إذن فضل هذا اللقاح الذي يحمينا من المرض؟. وفي هذه اللحظة التي أتحاور فيها معك سيدتي لي أصدقاء فقدوا أعز أقاربهم بسبب "كوفيد-19" وتمنوا لو كان اللقاح المضاد للفيروس موجودا لصرفوا من أجله كل ما يملكون من أموال ليحموا أرواح آبائهم وعائلاتهم به.
فيروس كورونا يغير من تركيبته، فهل هذا يعني أن اللقاحات يجب تطويرها أكثر؟ إذا تغير الفيروس الذي ينتشر سنصبح أمام الأنفلونزا الموسمية التي يطور لها لقاح جديد كل سنة، لأن العلماء يحرصون على مراقبته سنويا. وكل التغيرات الجينية والطفرات التي طرأت على الفيروس ضئيلة جدا، فهي أقل من عشرة في المائة ولم تغير من طبيعة الفيروس الأصل الأساسية للفيروس، واللقاحات لها الحماية الكافية من الفيروس، لكن العلماء يدرسون ويراقبون عن كثب حدوث أي تغيير في التركيبة، وسيتم تصنيع لقاح بنسخة جديدة إذا تطلب الأمر.
هل يمكن أن يكون فيروس كورونا موسميا؟ نعم قد يصبح موسميا، وهنا يمكن اللجوء إلى اللقاح والتعامل مع الفيروس التاجي بالطريقة التي يتم التعامل فيها مع لقاح الأنفلونزا الموسمية.
هل يحمينا اللقاح من الفيروس ونتخلى عن ارتداء الكمامة وباقي الإجراءات الوقائية الأخرى؟ لا يمكن أن نتخلى عن ارتداء الكمامة وغسل اليدين والتباعد الجسدي، إلا إذا وصل عدد الإصابات إلى مائة حالة في البلد الواحد مع عدم انتشار الفيروس، وأن تصل نسبة اللقاح كما قلت سابقا إلى 70 في المائة على الأقل من سكان البلد الواحد. وأي شخص خضع للتلقيح عليه الالتزام بالتدابير الوقائية، لأن الأجسام المضادة تحتاج لثلاثة أسابيع حتى يتم تكونها داخل الجسم ويكون قادرا على مواجهة الفيروس.
منظمة الصحة العالمية قالت بأن هناك فيروسات ستظهر بعد فيروس "كوفيد-19" ويجب الاستعداد لها، كيف سيكون ذلك؟ ندعو الله تعالى أن يحمينا من أية جائحة أخرى ويزيل عنا هذا الوباء، لكن الحقيقة العلمية موجودة، والفيروسات عالم قوي وكثيف، وربما يظهر فيروس آخر سواء من عائلة الفيروسات التاجية "كورونا فيروس" أو من عائلة الأنفلونزا مثل أنفلونزا الخنازير والطيور أو فيروس آخر لا قدر الله.
هل يحتاج المتعافون من كورونا للتطعيم؟ لا يحتاج المتعافون من كورونا للتطعيم، لأن جسمهم طور أجساما مضادة ويملك ذاكرة تحميه، كما أنه تعرض للفيروس بذاته وليس لجزء منه كما هو حال اللقاح، ولذلك عليهم أن يتركوا الفرص لأصحاب الأمراض المزمنة والسلك الطبي من أطباء وممرضين وعمال وأفراد الجيش والدرك والشرطة.
الإصابات بالفيروس في الجزائر قليلة مقارنة بأوروبا، هل تعود هذه المفارقة لنقص التشخيص أو اختلاف في طبيعة الفيروس أو اختلافات على مستويات أخرى؟ نعم المفارقة تكمن في نقص التشخيص بالجزائر مقارنة بأوروبا. فهذه الأخيرة تشخص مليون شخص يوميا بالتحاليل، بينما الجزائر ربما تشخص 10 آلاف إلى مائة ألف شخص يوميا وهذا بالطبع يبين الفرق الشاسع. لكن يوجد عامل آخر، وهو أن أقل من 10 في المائة من الشعب الجزائري كبار في السن أي فوق 65 سنة مقارنة بأوروبا التي تبلغ بها نسبة كبار السن ما بين 50 و65 في المائة، ونعرف أن الفيروس يقتل هذه الفئة أكثر. كما أن نسخة الفيروس التي ضربت أوروبا وأمريكا هي غير النسخة التي ضربت الدول العربية والمغرب العربي. للعامل الجيني الوراثي لتركيبة النسيج التوافقي المناعي، دور في هذه المفارقة، فهو مختلف بين العربي الإفريقي والأوروبي القوقازي، ولذا فالإصابات أكثر قتلا في الأوروبي والأمريكي من العربي الإفريقي.
ما هو اللقاح الملائم للجزائر؟ من الصعب أن تستورد الجزائر اللقاح الأمريكي، لأن تخزينه يتطلب درجة منخفضة جدا –أقل من 70 درجة تحت الصفر- فكيف لنا أن نوصل هذا اللقاح إلى بشار وأدرار مثلا. حسب ظني فاللقاح الروسي أو الصيني الملائم للجزائر، لأنه يخزن في أربع درجات مئوية، وبالتالي بإمكان كل شخص وضعه في الثلاجة. والجزائر ربما تشتري مائة مليون جرعة، لأن التطعيم يكون على مرحلتين، ففي المرحلة الأولى سيتم إنتاج الأجسام المضادة بنسبة قليلة، وخلال التطعيم الثاني سيتم نسخها من طرف الغدد اللمفاوية بدقة عالية، وبالتالي سيتم إنتاجها بشكل كبير يحمي الجسم على الأقل لسنة واحدة.
برأيك، هل نجحت الجزائر في مواجهة كورونا من خلال التدابير المتخذة؟ وبما تنصحون في هذا المجال؟ لا توجد أية دولة نجحت في مواجهة الجائحة بما في ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية كأكبر دولة في العالم. أتوقع أن تلجأ الكثير من الدول إلى الغلق مجددا بسبب الارتفاع الكبير في عدد الإصابات ب"كورونا فيروس". وبالنسبة للجزائر، نجحنا في علاج المرض واستطعنا محاصرة الفيروس بنفس الطريقة التي اعتمدتها باقي دول العالم كالحجر الصحي. لذلك أنصح الجزائريين بالتلقيح ضد الفيروس والالتزام بالتدابير الوقائية حتى بعد التطعيم.
هل هناك برنامج تعاون بين مستشفى ليون ومستشفيات جزائرية؟ وكيف ترى دور النخبة الجزائرية في تطوير التعاون في سياق التوأمة؟ هناك تعاون كبير بين الأطباء في المهجر وإخوانهم الجزائريين سواء عن طريق المستشفيات أو الجمعيات الخيرية. وبصفتي أمينا عاما بجمعية الصحة والإنسانية والإبداع العلمي الفرنسي الجزائري التي يترأسها الدكتور وأخصائي أمراض النساء والتوليد عبد المالك خباب، ونائبه جابر بليل الذي هو رئيس قسم أمراض الحنجرة بمستشفى ليون وعدد كبير من الأطباء، نزور الجزائر كل شهرين بطاقم طبي ذي اختصاصات كبيرة ومتنوعة ونتبادل الخبرات والتقنيات مع إخواننا الأطباء في بلدنا الأصل وقد أجرينا حوالي ثلاث آلاف عملية جراحية. أما في إطار مكافحة "كوفيد-19"، قدمت الجمعية 12 طنا من المساعدات الطبية ل28 ولاية، منها مستشفى الدويرة بالجزائر العاصمة، ومستشفيات تيبازة، جيجلوهران، واد سوف، تقرت، باتنة وغيرها.