اعتبر معدو دراسة صدرت عن معهد بروكينغ أن الجزائر مدعوة لإحداث تغيير اقتصادي وسط الرهانات والتحديات التي تواجهها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. وأشارت معدتا الدراسة سايمينة أبو زهور ونجلة بن ميمون إلى أن الجزائر الثرية بثرواتها لا تزال تواجه التحديات الاقتصادية والاجتماعية نفسها التي تعانيها منذ عقد من الزمن، وقد زاد من تعقد الوضعية الاقتصادية للبلاد انتشار جائحة كورونا وتقلبات أسعار النفط، حيث ساهم العامل الأول في تباطؤ مستوى وتيرة الاستثمار وكبح الاستهلاك، أما الثاني فقد قلص إيرادات الصادرات. أبرزت الدراسة تبعات الإغلاق وجائحة كورونا وتراجع أسعار النفط التي ضاعفت من نقاط ضعف الاقتصاد، موازاة مع المعاناة من مشاكل هيكلية ناتجة عن سوء تسيير الموارد ومن دور قطاع خاص محدود والارتهان دوما بقطاع النفط والغاز وتقلبات الأسعار. وأشارت الدراسة إلى أن إيرادات النفط والغاز مثل أكثر من 19 بالمائة من الناتج المحلي الخام في 2018 وحوالي 40 بالمائة من الميزانية، بينما مثلت صادرات المحروقات نسبة 94 بالمائة من صادرات السلع. وعلى هذا الأساس، فإن الحاجة لسعر مرتفع ضروري، حيث أن هنالك حاجة لمتوسط سعر ب118.20 دولار في 2020 و135.20 دولار للوصول إلى حدود المرودية. واعتبرت الدراسة أن الجزائر تسجل عجزا في الموازنة يقدر بنحو 16.5 بالمائة من الناتج المحلي الخام في 2020، و14.8 بالمائة في 2021، نتيجة التراجع في إيرادات صادرات المحروقات، معللة ذلك بالتراجع على الطلب المسجل، فخلال الشهرين الأولين من 2020 مثلا شهد حجم صادرات الخام والمكثفات انخفاضا ب27 نقطة مئوية، بينما تراجع حجم صادرات الغاز ب 26 نقطة مئوية. وقد أثرت جائحة كورونا كثيرا على وضعية أبرز وأهم زبائن الجزائر في المجال الغازي، حيث عرفت صادرات الغاز عبر الأنابيب باتجاه اسبانيا في أفريل 2020 مثلا انخفاضا بنسبة 44 بالمائة. وما يزيد الوضع حدة، هو التراجع في معدلات أسعار النفط التي انخفضت في أفريل 2020 إلى مستويات قياسية قدرت ما بين 16 و17 دولارا للبرميل، مع توقع أن تستقر الأسعار إلى 2021 في حدود 45 دولارا للبرميل. ومن شأن هذه العوامل، حسب الدراسة، أن تؤثر سلبا على مستويات احتياطي الصرف التي يتوقع بلوغها 44 مليار دولار نهاية السنة الحالية 2020، مواصلة منحى تنازلي مسجل منذ 2014، أين كانت احتياطات الصرف الجزائرية تقدر ب195 مليار دولار. واستنادا إلى توقعات وإسقاطات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الجزائري مرشح لأن يعرف انكماشا في حدود 5.5 بالمائة في 2020. ودفعت منحنيات التراجع في الإيرادات إلى مراجعة سياسة الموازنة المعتمدة، مع توقع تخفيض بنسبة 50 بالمائة للنفقات العمومية وتأجيل مشاريع اقتصادية واجتماعية، ولاحظت الدراسة وجود تفاوت على عدة مستويات وإن سجل استقرار نسبي لنسب البطالة عند مستوى 10 بالمائة، ولكن النسب لدى الشباب يصل إلى 26 بالمائة. ولاحظت الدراسة أن السلطات العمومية سعت إلى تحسين الإطار التنظيمي والتشريعي المتعلق بالمؤسسات، لاسيما الخاص بالنساء لتحسين فرص وصولهم إلى فرص اقتصادية، حيث سجل مؤشر الأعمال بالنسبة للنساء ارتفاعا ب 17 نقطة خلال العقدين الماضيين، ولكنه لا يزال بعيدا عن مستوى دول الجوار. كما شهد مستوى التفاوت وعدم المساواة في الدخل تقلصا، حيث أضحت الجزائر أفضل من مستويات دول الجوار، إذ يمثل 10 بالمائة من أغنى الفئات 23 بالمائة من العائدات مقابل 4 بالمائة ل10 بالمائة من أفقر الفئات. لكن بالمقابل، وفي مجال فوارق الاستهلاك، فإن الفارق بين الأغنياء والفقراء قدر ب28 بالمائة. وخلصت الدراسة إلى أهمية تنويع الاقتصاد الجزائري، إذ أن الدولة مجبرة في ظل الظروف الصعبة على تقليص نفقاتها مقابل ارتفاع المديونية الداخلية الممولة من البنك المركزي، مع استبعاد لجوء الجزائر إلى المديونية الخارجية، لذا فإن الأولوية يجب أن تمنح إلى إصلاحات عميقة تعيد هيكلة الاقتصاد بعيدا عن التبعية للنفط والغاز وتحفيز الصادرات خارج نطاق المحروقات التي تمثل فعليا 2 بالمائة من إجمالي الصادرات، الذي يجعل من الجزائر إحدى البلدان الأكثر تبعية للمحروقات، ويبدو الرهان ملحا، خاصة مع توقعات الهيئات المالية الدولية، على غرار صندوق النقد الدولي التي تشير إلى إمكانية نضوب احتياطي النفط بصورة كبيرة في آفاق 2030، وبالنسبة للغاز منتصف سنوات 2050، وهو ما يدفع الجزائر إلى ضرورة التحضير لمخطط تنويع واسع النطاق ومكثف، على غرار ما قامت به دول غنية بموارد في صورة إندونيسيا وماليزيا، ويمكن الشروع - حسب الدراسة - في ذلك عبر إبطاء نمو الاستهلاك الداخلي وتخفيض الدعم على المحروقات وتشجيع تطوير قطاعات مثل السياحة كأحد المصادر البديلة على أساس القدرات المتاحة، ويتم ذلك عبر تطوير وترقية الصورة والسمعة وإعادة النظر في القواعد الصارمة المطبقة على التأشيرات، فضلا عن ترقية نموذج نمو معتمد على القطاع الخاص وتنويع مصادر الدخل وإعادة توجيه النفقات غير الضرورية.