تشرف سنة 2020 على إسدال ستارها والانتهاء دون أن تستورد الجزائر أي سيارة، لتتحوّل إلى سنة بيضاء أخرى تضاف إلى السنوات "العجاف" التي عاشها القطاع في الفترة الأخيرة، والتي أدت إلى عدم تعويض الحظيرة الوطنية ودفع أسعار السيارات المستعملة إلى الالتهاب وتسجيل مستويات عالية جدا في ظل انعدام "المنافسة" والتوازن الذي كان إنتاج المصانع المحلية والاستيراد يفرضه. رغم صدور دفتر الشروط الخاص بنشاط الوكلاء والمصانع المحلية في الجريدة الرسمية منذ عدة أسابيع، بعد سنوات من الانتظار من قبل المتعاملين الفاعلين في الميدان والمواطنين على السواء، إلا أن غياب النصوص التطبيقية للقانون والبيروقراطية التي فرضته هذا النظام، جعل من غير الممكن ترجمة ما جاء في دفاتر الشروط، لتتحول السنة الحالية المشرفة على الانتهاء إلى سنة بيضاء جديدة، في انتظار ما ستكشف عنه بداية السنة المقبلة في هذا المجال. وأدت الوضعية الحالية إلى ارتفاع جنوني في أسعار السيارات المستعملة في السوق الوطنية، بما يفوق 30 في المائة، بينما تراجعت معاملات البيع والشراء في السوق الوطنية بمعدلات كبيرة، بالنظر إلى عدم وجود العرض وعزوف المواطنين عن بيع سياراتهم على الرغم من ارتفاع الأسعار، من منطلق أن السيارات البديلة غير موجودة، في ظل توقف إنتاج ما أطلق عليها ب"مصانع التركيب" المحلية وتعليق معاملات الاستيراد للسيارات الجديدة، وتجميد استيراد السيارات المستعملة أقل من 3 سنوات. تجدر الإشارة إلى أن دفتر الشروط الجديد يفرض على طالبي اعتمادات الاستيراد تقديم العديد من الوثائق التي يقدر عددها بخمسة بالنسبة للاعتماد المؤقت وعشرة وثائق أخرى بالنسبة للاعتماد النهائي، كما اشترط على الوكلاء الجدد تسويق علامتين تجاريتين فقط، الأمر الذي انتقدته العديد من الأطراف المحسوبة على المتعاملين، كونه سيضاعف عدد الوكلاء المتعاملين مع كل مصنّع أجنبي للسيارات، ما سيتسبب في رفع فاتورة استيراد قطع غيار السيارات. وعلى هذا الأساس، رشّحت ذات المصادر أن تكون أسعار السيارات الجديدة المستوردة مرتفعة بالنظر إلى التكاليف الإضافية التي سيتحملها وكلاء السيارات الجدد، وهو ما سيهدر أموالا طائلة من العملة الصعبة ويتنافى مع توجهات الحكومة التي دعت إلى التسيير الراشد والعقلاني إلى ما تبقى من احتياطيات الصرف الجزائرية، بعد أن هوت إلى أقل من 60 مليار دولار، نتيجة الأزمة المالية الحادة التي خلفتها جائحة كورونا. وفي هذا الشأن، كان رئيس جمعية وكلاء السيارات متعددي العلامات، يوسف نباش، قد انتقد جملة الإجراءات التي تضمنها دفتر الشروط الخاص باستيراد السيارات، على اعتبار أنها تؤدي في نهاية المطاف إلى التوقف الفعلي لنشاط استيراد وتجارة السيارات الجديدة، بالنظر إلى عدم القدرة على الالتزام بها وبالتالي اختفاء هذا النشاط وتواصل فترة السنوات البيضاء على القطاع. وقال المتحدث في تصريحه ل"الخبر" إن دفتر الشروط المعلن من قبل وزارة الصناعة للعمل به من أجل تنظيم القطاع، يتضمن العديد من الشروط التعجيزية التي لا يمكن استيفاؤها من قبل المتعاملين المحليين الذين قال بأنّهم تفاجأوا مما جاء في عدد الجريدة الرسمية المتضمن للمرسوم المتعلّق بدفتر الشروط، على الرغم من أن هؤلاء المتعاملين لطالما انتظروا التنظيم الجديد لرفع الظلم الذي تعرضوا له على مدار السنوات الماضية على حساب فئة معينة من الأطراف النافذة. وتساءل رئيس جمعية وكلاء السيارات متعددي العلامات، في سياق التعليل، عن المغزى من وراء فرض شراء العقار الصناعي من قبل الوكلاء، بدل استئجاره، وهي الطريقة التي يتعامل على أساسها كل دول العالم، وقال "لا يعقل فرض شراء العقار على المتعاملين الذين يسعون للاستثمار من أجل خلق الثروة ومناصب العمل والإسهام في تنشيط الاقتصاد وتحريك عجلة التنمية". وذهب نباش إلى أبعد من هذا عندما أشار إلى أنّ هذا الشرط تعجيزي في حق المتعاملين والوكلاء. وهو نفس الوصف الذي أطلقه يوسف نباش على الشروط والبنود الأخرى الواردة في دفتر الشروط، كما هو الشأن بالنسبة لفرض تمثيل كل وكيل لعلامتين فحسب، اعتبره بندا يصطدم مع حرية المبادرة وطبيعة العمل التجاري والاقتصادي عموما، المبني على التنافسية بين المتعاملين، وليس للجهات المسؤولة سوى التحقق من المراقبة والالتزام بالمعايير المعمول بها، بالإضافة إلى فرض توظيف العمال ذوي خبرة 5 سنوات و"هذا غير مقبول"، لاسيما في سياق فتح المجال لتقليص نسبة البطالة وامتصاصها في أوساط المتخرجين الجدد من الجامعات ومعاهد التكوين، بينما كان من الممكن التحكم وضمان احترام المعايير عبر آليات أخرى كثيرة. وبناء على كل هذه المؤشرات، توقع المتحدث أن تعرف أسعار السيارات في السوق الوطنية، التهابا تاريخيا، بالنظر إلى التطبيق الميداني لما ورد في دفتر الشروط سيخلق حالة من الندرة تؤثر مباشرة على الأسعار، لتتحول السيارة إلى حلم صعب المنال بالنسبة للأسر الجزائرية، على الرغم من جميع التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية على مدار السنوات الماضية.