مرت سنة كاملة على تنصيب حكومة الوزير الأول، عبد العزيز جراد، دون أن تدرس هذه الأخيرة أي ملف خاص بالاستثمارات، سواء أتعلق الأمر بالوطنية منها أو الأجنبية. وما يؤكد ذلك؛ الاستمرار في تجميد مهام المجلس الوطني للاستثمارات "سي أن اي"، وهو المخول الوحيد قانونيا بالمصادقة على الاستثمارات الهامة التي تفوق قيمتها 5 ملايير دينار. تتأخر الحكومة في الفصل في ملف قانون الاستثمار، في وقت يكثف وزير الصناعة، فرحات أيت علي، من إطلاق وعود لم تتجسد إلى غاية الآن. فبعد أن كان الإفراج عن قانون الاستثمار الجديد مبرمجا قبل نهاية سنة 2020، ثم لشهر جانفي الفارط، لا تزال الحكومة لم تصادق عليه إلى يومنا هذا، رغم أهميته في وضع ورقة الطريق المستقبلية للعودة إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي، بعد عزوف دام لعدة سنوات. ولم تحص الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمارات "أندي" خلال السنتين الأخيرتين، أي حتى قبل فيروس كورونا لدول العالم، أي استثمار أجنبي، ما مرده إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي شهدته الجزائر بعد الحراك الشعبي لفيفري 2019. ومن المنتظر أن يفصل قانون الاستثمار المعدل في المهام الجديدة للمجلس الوطني للاستثمار، التي من المرجح أن تحول بالنسبة لأغلبيتها إلى الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمارات استنادا لتصريحات سابقة لوزير الصناعة، الذي ذهب في إعلاناته إلى أبعد من ذلك بالحديث عن استغناء كلي عن "سي أن أي" وتوزيع مهامه على هيئات وطنية أخرى، بعد أن كان السبب خلال السنوات الماضية في تبديد أموال طائلة من الخزينة العمومية على مشاريع المقربين من محيط الرئاسة السابق من رجال أعمال ممن هم الآن مدانون بأحكام قضائية ثقيلة. من جهته، دافع الوزير عن ضرورة تحويل مهام المجلس الوطني للاستثمار إلى المجلس الوطني الاجتماعي والاقتصادي، بعد إعادة تفعيل نشاط هذه الهيئة.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي أحمد علوان، في تصريح ل"الخبر"، أن "مشكل الاستثمارات في الجزائر، وخاصة الأجنبية منها، يرجع بالدرجة الأولى إلى تعفن المناخ الاستثماري وأن التغيير من صلاحيات الهيئات المسئولة عن القطاع أو إلغاءها لن يساهم في استقطاب رؤوس أموال جديدة في ظل الضبابية التي تخيم على الاقتصاد الوطني". وحسب الخبير الاقتصادي، فإن الحكومة الحالية عجزت عن وضع ورقة طريقة جدية للانطلاق في تجسيد استثمارات وطنية حقيقية، بالقضاء على الأسباب الهيكلية التي انجر عنها عزوف المستثمرين الأجانب، خاصة فيما يتعلق بالجانب التشريعي والقانوني غير المستقر. وفي الإطار ذاته، أكد المتحدث ذاته غياب نظرة اقتصادية استشرافية بدليل المشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها المؤسسات الوطنية خلال الآونة الأخيرة، التي زادت تأزما بعد الأزمة الصحية العالمية لوباء كورونا. من جهة أخرى، يرى حميد علوان أنه لا يمكن الحديث حاليا عن استثمارات وطنية بالنظر إلى العجز المتفاقم في الميزانية، الذي أصبح يفوق 13 مليار دولار.
منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية تؤكد تراجع الاستثمارات المباشرة
وفي سجل تقديرات الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتدفقات من الخارج، كشفت منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية عن مؤشرات انكماش للاستثمارات في دول منها الجزائر برسم عام 2020، وقدر التقرير الأخير الصادر عن المنظمة الأممية على أن مصر ورغم تسجيلها تراجعا محسوسا في التدفقات برسم الاستثمارات الأجنبية المباشرة ب 39 بالمائة، إلا أنها أهم دولة مستقطبة ومستقبلة للاستثمارات عام 2020 في منطقة شمال إفريقيا بقيمة 5.5 مليار دولار، مضيفة بأنه بالنسبة لدول شمال إفريقيا التي تشمل الجزائر والمغرب وتونس ومصر والسودان، فإن نسبة الانخفاض قدر ب32 بالمائة ببلوغها 9.4 مليار دولار مقابل 14 مليار دولار في سنة 2019، مع بلوغ قيمة الاستثمارات بالنسبة للمغرب ب1.6 مليار دولار، علما أن تقدير الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر بلغت سنة 2019 نحو 1.382 مليار دولار مقابل 1.466 مليار دولار في 2018، وأنها شهدت بدورها انخفاضا محسوسا سنة 2020 بالنسبة للجزائر.