وصلت استراتيجيات الاستقرار في منطقة الساحل التي تدعمها فرنسا إلى نقطة تحول حاسمة.. وأصبح حلفاء فرنسا - تماما مثل بعض المسؤولين الفرنسيين- يدركون بشكل متزايد الحاجة إلى مراجعة هذه الاستراتيجيات بما في ذلك إخضاع عملية "برخان" لخفض الميزانية، موازاة مع صعوبات تواجهها منطقة الساحل والتي أبرزها الطبيعة المتغيرة للصراع وتوسعه الجغرافي. من المعلوم أن السنوات العشر الماضية، شهدت المنطقة عدة مبادرات حسنة النية نجحت بعضها لكن بتكلفة باهظة كبدت خزائن الدول المتورطة في الصراعات في الساحل مليارات الدولارات، مما يشير إلى أنه صار من الصعوبة بمكان الاستمرار وبالتالي حتمية الانتقال إلى بذل جهود لتمتين الاستقرار، بعد بلوغ القناعة القائمة على أنه لا فائدة من تعزيز التواجد العسكري والموارد المالية المعبأة على الأرض، لأنها ببساطة ومرارة أيضا، لن تمنع هذا الوضع من التدهور أكثر. وينصح تقرير مركز "كرايزس غروب" الدولية، بأنه صار من الضروري الآن التركيز على استراتيجيات العمل من أجل تنسيق الجهود لتحقيق الاستقرار والتي تتمحور حول "تحسين الحوكمة والالتزام بالحوار السياسي على مستوى المجتمع"، في الدول التي تحتدم فيها الصراعات. كما ينصح التقرير بأن أي مراجعة لحسابات وأجندات القوى العظمى في الساحل، لا تأخذ في الحسبان دعم مشاريع الأمن والتنمية وإنعاش الروابط بين الدول والسكان في المناطق الريفية، فإن مآلها الفشل الذريع. ويشير التقرير بأصابع الاتهام بالتقصير في إرساء الأمن في منطقة الساحل بما تسبب في تمدد التهديد الإرهابي واستفحال لعبة الاستقطاب والاحتواء التي تمارسها دول أخرى متنافسة، إلى فرنسا بشكل رئيسي، متهما إياها بأنها أصبحت متورطة في سياق يتسم بالعنف المجتمعي وحركات التمرد التي يقودها الجهاديون بالإضافة إلى فقدان ثقة السكان في حكوماتهم في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد. وحسب معدي تقرير "كرايزس غروب" 2021، فإن مبادرات فرنسا ونفقاتها المرهقة، لتعزيز الأمن والتنمية والحكم الراشد في الساحل، لم تخرج عن نطاق عمليات عسكرية كانت تهدف إلى هزيمة الجهاديين عسكريا. ومما زاد من متاعب فرنسا في الساحل، تأثير جائحة كوفيد-19، الذي أدى إلى تفاقم الاتجاه نحو الركود، من خلال إبطاء عمليات قوات حفظ السلام في مالي، وتدريب قوات الأمن الساحلية وأنشطة التنمية. ويبدي التقرير تشاؤما من مستقبل الدور الفرنسي في المنطقة، خاصة بعد أن تسلل القلق والشك إلى صفوف حلفاء فرنسا، وخاصة بعد انقلاب أوت 2020 في مالي، واتساع رقعة الرفض الإفريقي لفرنسا وحضورها في مراكز صناعة القرار في حكومات مستعمراتها السابقة، وهو ما يتطلب حسب التقرير من باريس وشركائها "إعادة ترتيب أولوياتهم من خلال إعطاء الأولوية للحوكمة من خلال تعزيز قدرة الحكومات على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مع تحديد الأولويات لتخفيف التوترات من خلال الحوار مع المجتمعات وفيما بينها والتشجيع على الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ولا سيما من خلال تحسين التحكم في الثروات الوطنية والمالية العامة. ويرى التقرير بأنه بعد سبع سنوات من وصول القوات الفرنسية لقتال الجهاديين في مالي، تمر المنطقة بأزمة عميقة، إذ كان للعمليات الفرنسية الأولى، التي نفذت في عام 2013 ، تأثير كبير في إعاقة تقدم الجهاديين نحو وسط مالي عندما كانوا قد احتلوا جزءًا كبيرًا بالفعل من شمال البلاد، وطرد المقاتلين من القرى الشمالية. لكن منذ أن استأنف المتمردون توسعهم، وخاصة في وسط البلاد، وعبروا الحدود للاستقرار في جنوب غرب النيجر وكذلك في شمال وشرق بوركينا فاسو، اتضح للعيان صعوبة مواكبة القوات الفرنسية لهذه التهديدات التي تقف وراءها بشكل خاص جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، كما استغل الفرع المحلي لتنظيم الدولة "داعش" التوترات داخل المجتمعات الريفية في هذه المناطق وجنّد السكان الساخطين في عملياتهم.