ما تعيشه كرة القدم الجزائرية اليوم، بسبب إصرار رئيس اتحاديتها على البقاء عنوة رغم "أنف" السلطة، يُصنّف في خانة "الانزلاق"، الذي يعتبر الأكبر والأخطر وغير المسبوق منذ استقلال الجزائر في الخامس جويلية 1962. على غرار ذلك "المخطط" الذي نفذه رئيس "الفاف" خير الدين زطشي، في جوان من سنة 2020، بهدف الضغط على السلطة العمومية وتهديدها ب"الفيفا" لإرغامها على تمرير القانون الأساسي الجديد "غير الديمقراطي"، فإن ذات السيناريو عاد ليطفو على السطح، في الأمتار الأخيرة التي تفصل زطشي وجماعته، عن وضع حدّ لأسوأ فترة على الإطلاق في تاريخ الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، على الأقل، من حيث ذلك "التطاول" على السلطة العمومية والإصرار على الدوس على قوانين الجمهورية والتفكير في تعريض حتى المنتخبات الوطنية لعقوبات لتحقيق تلك الرغبة المَرضية للبقاء في المنصب. من الغريب أن تصل، أمس، مراسلة تهديد جديدة من "الفيفا" إلى السلطة العمومية عن طريق "الفاف"، بعد ستة أيام فقط على صدور بيان اللجنة الوطنية الوزارية المشتركة (يوم 9 فيفري 2021) التي ترأّسها وزير الشباب والرياضة سيد علي خالدي بحضور ممثلين من وزارة الشباب والرياضة ووزارة الداخلية والجماعات المحلية والمديرية العامة للأمين الوطني، وهو بيان حمل تأكيدا صريحا جديدا لموقف الدولة الجزائرية برفض طرح "الفاف" أو "الفيفا" بعدم احترام قوانين الجمهورية، حين تم التأكيد على أن كل الاتحادات الرياضية الوطنية مطالبة بتأجيل فرض عقوبات أو تعديل القوانين إلى ما بعد إجراء الجمعيات العامة الانتخابية، بما يضمن منافسة نزيهة بين كل المتنافسين، كون "موظف" الاتحادية الدولية لكرة القدم، فيرون موسانغو أومبا، تحوّل حقا إلى "كاتب عمومي" لاتحادية زطشي، واختار جعل ختمه كمدير لقسم الجمعيات صاحبة العضوية في "الففا" وإمضائه تحت "طلب" الهيئة الكروية الجزائرية. وما يؤكد هذا الطرح ويقطع الشك باليقين بأن ثمة "وشاية" من بيت "الفاف" إلى موظف "الفيفا"، أو بالأحرى "استعماله" للضغط على السلطة العمومية، المفارقة الغريبة في توقيت صدور البيانات "المزعومة" من الهيئة الكروية الدولية، كون هذا فيرون، سبق له التأكيد، في مراسلة تهديده الأخيرة بتاريخ 16 أكتوبر 2020، بأنه أرسل يوم 15 جوان 2020 رسالة أولى "تهديدية" للسلطة العمومية، عن طريق "الفاف"، ومن الغريب أن يتزامن توقيت المراسلة الأولى محل الجدل مع إيداع "الفاف" لمشروع القانون الأساسي على مستوى الوزارة يوم 11 جوان 2020، أي ثلاثة أيام فقط عن صدور مذكرة وزير الشباب والرياضة سيد علي خالدي (يوم 8 جوان 2020) الذي يعلن فيها منع الاتحادات من اتخاذ إجراءات عقابية أو تغيير أو تعديل القوانين "في السنة الانتخابية". "الفاف" تستعمل موظفا ب"الفيفا" للدوس على قوانين الجمهورية بيان "الفيفا" الجديد يؤكد قطعا بأن "جماعة زطشي" وراء هذا "التحريك" غير البريء لموظف "الفيفا"، خاصة وأن المسمى فيرون موسانغو أومبا، الذي سبق له زيارة الجزائر قبل سنتين بدعوة من زطشي وعاد إلى زوريخ ليس مثلما جاء منها، لديه تحت مسؤوليته 211 اتحادية رياضية منضوية تحت لواء "الفيفا"، ومع ذلك، يجد كامل الوقت والجهد لمتابعة بيانات السلطة العمومية الجزائرية، ثم يُصدر، مباشرة بعدها، بيانات مضادة، لا تخدم سوى مصلحة الرئيس الحالي ل"الفاف" خير الدين زطشي و"جماعته"، منهم الأمين العام محمد ساعد، الذي حاد عن صلاحياته المنصوص عليها في القانون الأساسي، وتحوّل إلى ناطق رسمي للاتحادية ومحام الرئيس زطشي، بل نصّب نفسه، من حيث لا يدري، "وسيط" الهيئة الكروية الدولية، بدعوته السلطة العمومية، صاحبة السيادة، للجلوس إلى طاولة واحدة مع موظف "الفيفا" من أجل التفاوض حول نقاط تتعلق أصلا بالسيادة الوطنية في تطبيق قوانين الجمهورية التي تعترف بها "الفيفا" وهي لا تتعارض أيضا مع قوانينها ومبادئها وفلسفتها. ما يحدث أمر أخطر مما يتصوره العقل، فخير الدين زطشي و"جماعته" اختاروا "إعلان الحرب" على السلطة العمومية، بل والإصرار على ليّ ذراعها بتهديدات مزعومة "تحت الطلب" من مجرد موظف ب"الفيفا" قبل توقيت مدروس، وهو الثاني والعشرين من شهر فيفري، وهي حقيقة، لا تضع مصداقية السلطة العمومية فحسب على المحك، إنما جمهورية بأكملها، وقد اختار زطشي، الذي نصبته "السلطة السابقة" عنوة رئيسا ل"الفاف" ضد إرادة الجمعية العامة وضد قوانين الجمهورية ودون برنامج، توظيف ورقة "الفيفا" المزعومة لإهانة السلطة العمومية وتحريض موظف بها على فرض عقوبات رياضية على الجزائر من أجل البقاء في المنصب، رغم أن معارضيه، قبل أربع سنوات، رفضوا إقحام "الفيفا" في قضية انتخابات زطشي و"جماعته" لتجنيب الجزائر عقوبات محتملة، على الرغم من أن تلك الانتخابات كانت تقدّم أدلة قاطعة عن تدخل السلطة العمومية في تعيين رئيس "الفاف" زطشي وأعضاء مكتبه الفدرالي، رغم إمضاء المدير العام للرياضات وقتها، عبد المجيد جبّاب، على محضر الجمعية العامة الانتخابية ليوم 20 مارس 2017، ثم مراسلة وزير القطاع آنذاك، الهادي ولد علي، رسميا، لرئيس لجنة الترشيحات علي بعمر يأمره فيها بالعودة لعقد أشغال الجمعية العامة الانتخابية. سيد علي خالدي على خطى الراحل يحيى ڤيدوم القضية اليوم، بالشكل الذي يطرحها زطشي للرأي العام المحلي والأجنبي، تتعدى الجانب الرياضي، فالرجل رفع أخطر تحدّ للسلطة العمومية، ردّا على إصرار الوزير الشاب، سيد علي خالدي، على الحفاظ على هيبة وسيادة الدولة والتصدي لمَن يسعى لإهانتها والإساءة إليها، ما يحوّل "القضية" إلى "مسألة سيادة" يتحدد الحلّ فيها في نقطتين: الأولى، بثبات السلطة على موقفها بعدم تعديل قوانين الاتحادية، والثانية بالإبقاء على الوزير سيد علي خالدي في منصبه، لغلق الباب أمام أي تأويلات محتملة جراء تنحيته ومنحه حقيبة وزارية أخرى، كون هذا الإصرار "الوزاري" على فرض هيبة الدولة أمام من يريد الإساءة إليها، يجعل خالدي يطرق أبواب التاريخ، فهو يسير على نهج الوزير الراحل، الدكتور يحيى ڤيدوم، من حيث المستوى وقوة الشخصية والثبات على نفس الموقف، بوقوفه في وجه خير الدين زطشي بنفس الحزم الذي وقف فيه الراحل ڤيدوم في وجه محمد روراوة، رئيس "الفاف" السابق، رغم كل قوته، وفرض منطق وإرادة السلطة العمومية في تحديد عدد العهدات بواحدة لا غير. وإذا ما تم تنحية الوزير أو تكليفه بحمل حقيبة أخرى، فالأكيد أن أول قراءة ستسقط على المشهد هي رضوخ السلطات العمومية لرئيس الفاف وتهديداته عبر الفيفا للجزائر.