ترى لويزة آيت حمادوش، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن الانتخابات التشريعية المقبلة، ستجري في ظروف يميزها التناقض بين خطاب السلطة الذي يدافع عن فكرة التغيير والانفتاح والديمقراطية، والواقع الذي تسوده المضايقات والاعتقالات والانغلاق. وتقول الباحثة في حوارها مع "الخبر"، إن من بين أسباب إقحام المجتمع المدني في الانتخابات، محاولة تعويض المقاطعين. كيف تقيّمين الأجواء العامة التي ستجرى فيها الانتخابات التشريعية؟ غريبة وغير معقولة. لأن المنطق يقتضي أنه عندما تدافع سلطة سياسية ما عن فكرة التغيير والانفتاح والديمقراطية، تخلق الأجواء التي توحي بذلك، فتفتح الإعلام للآراء المتناقضة وتسمح بالنشاطات السياسية وتوسع هوامش الحريات وفي الأخير تتصرف هذه السلطة مع ما تفرزه الانتخابات بعد توفير ظروف تنظيمها، بالشكل الذي يخدم مصالحها. هذه استراتيجية الأنظمة التي تسمى أنظمة هجينة (الأنظمة الهجينة هي تلك التي تسمح بالعديد من مظاهر الديمقراطية بما فيها الانتخابات، بما يحسن شكل النظام السياسي دون أن يفضي ذلك إلى ديمقراطية كاملة أو تداول على السلطة). حاليا، نلاحظ عكس ذلك تماما. خطاب الجزائر الجديدة يتناقض كليا مع الواقع الذي يسوده المضايقات، والاعتقالات والانغلاق والأحكام القضائية القاسية.
كيف يمكن النظر من وجهة نظر أكاديمية إلى مبررات المشاركين والمقاطعين لهذه الانتخابات؟ لم تتغير هذه المبررات. المشاركون قسمان: أولا: الذين يريدون المشاركة في وهم السلطة، وأقول وهم لأن البرلمان لا يمثل سلطة كاملة الاستقلالية، فيقبلون قوانين لعبة سياسية قائمة على توزيع المناصب بدلا من الفوز بها من أجل الاندراج في الفائدة الاجتماعية للسلطة. ثانيا: الذين يؤمنون بفكرة التغيير التدريجي من الداخل، وهي فكرة تطبق منذ بداية التعددية الحزبية في الجزائر ولم تجن ثمارها. أما المقاطعون، فهم كذلك قسمان: أولا: المقاطعون الذين سبق وأن شاركوا في الماضي وهم يعتبرون أن الوضع السياسي الحالي المتميز بوجود حراك شعبي يمثل فرصة للتغيير الحقيقي، ثانيا: المقاطعون الدائمون الذين رفضوا باستمرار المشاركة في شبه انتخابات تساهم دائما في إعادة إنتاج النسق السياسي بأوجه مختلفة.
يلاحظ تشجيع من أعلى السلطات لتكوين الجمعيات واقتحامها غمار الانتخابات.. هل سنكون في رأيك أمام تجربة شبيهة بما فعله ماكرون في فرنسا مثلا كما يتم التسويق لذلك؟ التشابه سطحي. ما وقع في فرنسا نتاج أزمة الديمقراطية التمثيلية التي أصبحت فيها الأحزاب السياسية التقليدية عاجزة عن توفير ما ينتظره منها المجتمع. في الجزائر، يهدف المسعى إلى تحريف معنى الفعل الانتخابي وتجريده من طابعه السياسي من خلال تعويض الأحزاب السياسية بمنظمات المجتمع المدني التي تدخل هنا في ميدان نشاط ليس ميدانها الطبيعي.
قررت أحزاب ما يعرف بالتيار الديمقراطي في الجزائر مقاطعة الانتخابات التشريعية.. هل سيكون لهذا انعكاس على البرلمان المقبل؟ مقاطعة جزء من الطبقة السياسية للانتخابات له انعكاسات على الحياة السياسية عامة وعلى البرلمان خاصة. تشجيع المجتمع المدني على أداء مهمة ليس بمهمته له عدة أسباب ومن بينها محاولة تعويض المقاطعين. النتيجة المرتقبة هي برلمان أكثر ضعفا من سابقيه بسبب سلطاته الدستورية وتكوينه البشري. سيكون من الصعب تكوين أغلبية برلمانية في ظل وجود كبير للقوائم المستقلة ما سيطرح مسألة تبرير تعيين هوية الوزير الأول. من جهة أخرى، ستعزز المقاطعة الفجوة وأزمة الثقة بين جزء هام من المجتمع والسلطة ما يجعل حل الأزمة أكثر صعوبة مما عليها الآن.
استعاد الحراك الشعبي مسيراته الأسبوعية بعد فترة طويلة من التوقف.. كيف تنظرين لهذه العودة؟ سابقة. لم يحدث حسب علمي أن توقفت حركة احتجاجية شعبية بطريقة إرادية ثم عادت بقرار جماعي إلى الاحتجاج بنفس العزيمة ونفس المطالب. استئناف المسيرات له عدة دلالات: أولا أن مطالب الشعب لم تحقق بعد، ثانيا تبقى المسيرات الوسيلة الوحيدة التي وجدها الجزائريون من أجل التعبير عن رفضهم للوضع القائم وتمسكهم بضرورة التغيير السياسي الحقيقي، ثالثا احتفاظ الجزائريين بالسلمية والوحدة دليل على استيعابهم لدروس الماضي ورفضهم لكل محاولات التقسيم والتعنيف.
ينتقد البعض غياب مشروع جامع للحراك الشعبي.. هل حان الوقت برأيك للتنظيم والهيكلة؟ السؤال ليس في هل حان وقت التنظيم بقدر ما هو هل يمكن التنظيم؟ التنظيم يقتضي جوا ملائما لذلك. يشترط إمكانية الاجتماع، النقاش، الاتصال، والتعبير. يشترط أن يكون الإعلام مفتوحا للآراء المختلفة. لكن كل هذه العراقيل تكبح وتؤجل التنظيم ولن تمنعه. الحركات الاجتماعية تتبع مسارا تاريخيا طبيعيا وتولد ميكانيزماتها للوصول إلى أهدافها. من المعقول أن يفرز الحراك تنظيمات ومناضلين وطبقة سياسية. وهذا شيء إيجابي لمستقبل الدولة كلها، لأن في الحراك الشعبي قيما بناءة.