يعتبر محمد وضاحي من بين الأسماء التي صنعت لأنفسها مكانة مميزة في محيط الإعلام الرياضي خاصة منه العربي بعد مشوار طويل وثري تحدى خلاله ابن الجزائر العميقة كل الصعاب وشق طريق النجاح بثقة كبيرة، وقد اخترنا أن يكون مراسل قنوات «بي إن سبورت» في فرنسا ضيفا لنا في عدد اليوم من خلال هذا اللقاء الذي تطرق فيه لأهم محطات مشواره وأيضا واقع الكرة الفرنسية ونادي «البي.اس.جي» وأمور أخرى تخص حياته الشخصية. سعداء بتواجدنا معك من خلال هذا الحوار وأنا سعيد كذلك بلقائكم، خاصة أن الأمر متعلق بحوار مع جريدة «الخبر الرياضي». تكلم لنا في البداية ولو باختصار عن أهم محطاتك في ميدان الإعلام.. المشوار بدأ منذ 20 سنة في الجزائر مع صحيفة يومية كان اسمها «الحياة العربية»، بعد ذلك انتقلت إلى فرنسا فاشتغلت في القناة متعددة اللغات «يورو نيوز» ثم وكالة الصحافة الفرنسية في قبرص وبعدها عدت إلى فرنسا وبالضبط في إذاعة الشرق في باريس ثم «أبوظبي الرياضية» وصولا إلى «الجزيرة الرياضية» التي مازلت معها إلى يومنا هذا ولو أن تسميتها تغيرت الآن. تنحدر من أي منطقة.. وهل كنت تتوقع تحقيق هذه النجاحات في حياتك المهنية؟ أنحدر من منطقة اسمها أولاد سيدي إبراهيم وهي تبعد بحوالي عشرة كيلومترات عن وسط مدينة بوسعادة. أكيد أن المشوار كان طويلا ومتعبا.. فأي الفترات كانت الأصعب بالنسبة لك؟ نعم، لقد كان ممتعا ومتعبا في نفس الوقت، كما يعلم الجميع أنه في بداية سنوات التسعينيات مجال الإعلام في الجزائر كان منغلقا بحيث لم تكن هناك صحافة خاصة مفتوحة مثلما هو عليه الحال اليوم، وحتى لما سافرت إلى فرنسا كان هناك إما القسم العربي في قناة «يورو نيوز» وإما القسم العربي في «إذاعة فرنسا الدولية»، وصراحة من كان يظفر بمكان له ضمن أي أسرة تحريرية أو وسيلة إعلامية فإنه حقا محظوظ جدا، وأعتقد أنني كنت أول جزائري يشتغل في «إذاعة الشرق» بباريس، لأنه لم يكن هناك سوى اللبنانيين، وعندما انفتح السمعي البصري في الوطن العربي أصبحت الأمور أكثر تنافسية، وبعدما كنا نركض بحثا عن الوظيفة أصبحت هذه هي التي تأتي نحونا من خلال العروض التي تصلنا، كما أن المنافسة تجعل محبي وعشاق المهنة في راحة ويستطيعون إثباث الذات، وثانيا هذه الوسائل الإعلامية لم يعد فيها احتكار للوظائف كما كان عليه الحال، إذ كثيرا ما كنا نجد الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب. هل أنت من اختار المجال الرياضي أم أنه وقع مصادفة؟ أول كلمة كتبتها في الصحافة كانت في الميدان الرياضي، كما قلت لك بدايتي كانت مع صحيفة «الحياة العربية» وكنت لا أزال وقتها طالبا جامعيا في كلية الإعلام ومتعاونا قبل أن أصبح معتمدا حتى قبل تخرجي في الجامعة. تتذكر حتما الموضوع الأول الذي قمت بكتابته؟ (يفكر قليلا)، أعدتني لزمن بعيد، لقد كان ذلك سنة 1994 حيث قمت بكتابة أول مقال عن أحد اللاعبين الشباب من المنطقة التي كنت أعيش فيها واسمه حسان بن عروس، لقد كان ذلك المقال على شكل بروفايل أعجب كثيرا مسؤولي الجريدة، ومنذ ذلك اليوم أصبحت موظفا معهم لمدة سنتين، أي إلى غاية إنهائي الدراسة الجامعية. بما أنك تكلمت عن العرض والطلب في مجال الشغل هل تعتقد أنك ظلمت في الحصول على فرصة العمل خلال بداية مشوارك بالجزائر؟ للأمانة لم يكن لي قط هذا المشكل خلال بدايتي في الجزائر، كما أن الهجرة كانت من مخططاتي حتى قبل إنهاء دراساتي الجامعية نظرا لأسباب عائلية بما أن أهلي كلهم مستقرون في فرنسا وأيضا نظرا للأوضاع السياسية الصعبة التي كانت تشهدها البلاد آنذاك، لكن عموما لم يكن لي أي مشكل في الجزائر سواء تعلق الأمر بالتوظيف وحتى بأشياء أخرى. بعد عشرين سنة في مهنة المتاعب.. أي الفترات كانت أصعب بالنسبة لك؟ أعتقد أن الفترة الأصعب هي الفترة الحالية لأن المسؤوليات أصبحت أكبر والهاجس أن تكون على قدر هذه المسؤوليات الملقاة على عاتقك، إذ ليس من السهل أبدا تحمل ذلك مقارنة بفترة بداية المشوار التي لها متعتها الخاصة أنك تسعى دوما للوصول إلى القمة لكن لما تصل إلى مرحلة معينة فإن التطور يصبح أصعب وأصعب. هل هناك أشخاص ساعدوك في التغلب على الصعاب؟ أكيد أن هناك العديد من الاشخاص الذين ساعدوني للوصول إلى هذا المستوى، على ذكر نورالدين بوزيان الذي كان سببا في طرح اسمي لقناة أبوظبي الرياضية، إضافة إلى زياد أبورعد بوكالة الأنباء الفرنسية وحتى محمد عمور في الجزيرة الرياضية، لكنّ هناك شخصا أدين له بكل ما أنا عليه اليوم وهو ناصر الخليفي الرجل الذي منحني هذه المساحة من الحركية في هذه الفترة، أما في البداية فالأشخاص الذين ذكرهم. نقطة انطلاقك كانت من منطقة داخلية في الجزائر العميقة.. فماذا يمثل لك هذا؟ بصراحة الأضواء لم تكن قط هدفي ولا هاجسي، لا بالأمس ولا حتى اليوم، فقط أن اختياري هذه المهنة بسبب شغفي بالرياضة، أن أكون معروفا أو غير معروف فأقولها من أعماق قلبي أن هذا ليس هدفي والشاشة لا تعني لي الكثير، المهم بالنسبة لي أنني أعمل في مجال أحبه وأعتقد أنني أمارس أفضل وأروع مهنة في العالم. من كان مثلك من بين الإعلاميين الجزائريين وأنت صغير في السن؟ وأنا شاب كنت أذهب صباح كل يوم خميس إلى مركز سوق الفلاح للوقوف في الطابور بغرض شراء جريدة الشعب من أجل قراءة المقال التحليلي الأسبوعي لنورالدين بوكردوس في الصفحة الأخيرة من الجريدة، حيث كنت حقا مدمنا عليه، وقد ساعدني ذلك في إثراء لغتي كثيرا، كما كنت أطالع أعمدة سعد بوعقبة وأحاول أن أقلده كثيرا خاصة خلال امتحاناتي المدرسية، إذ كنت أتحرر من الدروس وأكتب بطريقتي الخاصة، فكان بعض الأساتذة يلومون علي ابتعادي عن اللغة المدرسية، أما البعض الآخر فكانوا يرون في ذلك شيئا جميلا ويشجعونني على الاجتهاد أكثر. وما لك أن تقول عن الانفتاح الذي حصل على مستوى الإعلام السمعي البصري في الجزائر؟ أعتقد أننا تأخرنا كثيرا في مجال السمعي البصري نظرا للطاقات البشرية الرهيبة الموجودة عندنا، البداية كان فيها نوع من الارتباك والفوضى، لكن لكل بداية عوائق ومشاكل، وأعتقد أن المشكل الحالي هو أنه يتوجب علينا وضع ميثاق للقنوات الخاصة بضوابط محدودة، أي إلى حد معين تصل فيه حرية هذه الوسائل، نعلم أن حريتك تنتهي عند الخط الذي تبدأ فيه حريتي، الحرية المطلقة ليست جيدة والتوجيه ليس جيدا كذلك، لذا فإن الوقوف بينهما هو الحل الأفضل، الجزائر بحاجة ماسة إلى مجلس أعلى للسمعي البصري ينظم حتى المنافسة بين هذه القنوات، لأنه حتى الآن لاتزال هذه فتية بوسائل متواضعة في غياب قانون يحكمها ويؤطرها، لكن عموما هي فوضى البداية وستتحسن الأمور مع مرور السنوات. هل تهمك العودة يوما ما لتولي منصب في الجزائر؟ أعيش يوما بيوم ولست أفكر في هذا الموضوع في الوقت الراهن، الجزائر ستبقى دوما بلادي التي أحن إليها وأعود إلى صحرائها وترابها أحيانا حتى أشم فقط رائحة هذا الوطن وأجلس على أرض تلك المنطقة البسيطة التي جئت منها والتي مازلت أعشقها ولا يمكن لي أبدا أن أظل بعيدا عنها لفترة طويلة، أما من ناحية الترتيبات فقد يحدث ما لا نفكر فيه وما لا نخطط له، يبقى كل شيء ممكنا لكن في الفترة الراهنة أنا مرتاح في المكان الذي أنا فيه. وصلت إلى مستوى معين من النضج في الميدان الإعلامي فما هي أهدافك المستقبلية الآن؟ صحيح أن الصحفي يصل بعد مرور وقت معين إلى درجة من النضج والفكر، لكن الإعلام ميدان واسع وشاسع، إذ يمكن لك أن تكتشف في كل لحظة شيئا جديدا، وأنا شخصيا أتعلم أحيانا من أشخاص يبدون بسطاء لكن بمجرد الحديث إليهم تعرف أنك لاتزال في طور التعلم والتكوين، أما بالنسبة للأهداف فأنا رجل أعيش يوما بيوم ولا أفكر أبدا فيما سيحدث غدا، خصوصا على المستوى المهني، ومثلما ذكرت من قبل فإن الأضواء لا تعني لي شيئا والمناصب أيضا وإنما كل من يهمني هو أنني موجود في هذا الميدان وعندما أكون على رأس عملي فإنني أقوم بذلك بكل إخلاص. لنعرج على الكرة الفرنسية التي تتواجد قريبا منها منذ عشريتين من الزمن.. فما هي المتغيرات بعد قدوم الاستثمارات القطرية؟ الاستثمارات القطرية قلبت الخارطة الكروية الفرنسية رأسا على عقب، نادي باريس سان جيرمان كان في الظل يعاني أزمات داخلية كبيرة ومشاكل نتائج مع جماهيره، لكنه تحول في ظرف قياسي جدا إلى ناد مستقر ينافس أكبر الأندية على المستوى الأوروبي، إذ تمكنت الاستثمارات القطرية وعلى رأسها السيد ناصر الخليفي من جلب أسماء كبيرة إلى الساحة الكروية الفرنسية لم يكن يحلم بها أكثر المتفائلين من عشاق المستديرة هناك، فانتداب اللاعب باستوري كان فكرة ذكية إلى أبعد الحدود من أجل لفت الانتباه وفتح الطريق للاعبين كبار آخرين، وقد أصبح الآن اللاعبون هم من يبعثون بسيرهم الذاتية ويتصلون بالنادي عن طريق وكلائهم ووصل الحديث عن أسماء كبيرة كميسي، وإن كان هذا مجرد حديث شائعات إلا أنه أمر مشرف جدا. بعيدا عن «البي.أس.جي» ماذا تغير في الدوري الفرنسي بشكل عام؟ لقد كان الجميع يقولون بأن الدوري الفرنسي هو الأفضل من حيث المواهب، لكن الآن أضحى من بين الأفضل على المستوى الاوروبي وحتى العالمي بفضل كل من باريس سان جيرمان وأيضا موناكو، إذ أصبحت كل مباريات البياسجي تجلب الكثير من الأنظار ولم تعد منصة الإعلاميين تسع مختلف وسائل الإعلام التي تحضر من مختلف دول أوروبا، كما ألزم بريق البي.اس.جي قنوات عالمية على تخصيص مراسلين دائمين لها في فرنسا من أجل الحصول على أدق الأخبار الخاصة بالنادي، وتعد المغامرة القطرية للاستثمار في دوري متواضع هامة جدا كذلك، حيث شجعت الروس على الاستثمار هم كذلك في نادي موناكو، وقد نشاهد مستثمرين آخرين في أندية أخرى مستقبلا، ولو أن هناك بعض القواعد والأسس القانونية الاقتصادية في فرنسا التي تدعو للتردد من جانب المستثمرين، لكن الأكيد أن الأمور ستتغير تدريجيا مع مرور الوقت. كيف ترى أنت كإعلامي حظوظ الخضر في مونديال البرازيل؟ هي المشاركة الرابعة لمنتخبنا في المونديال ولا يمكن أن نطلب منه أكثر من طاقته، من حقنا أن نتفائل لكن أن نفرض آمالا واهية فهو أكبر خطأ، أعتقد بأن التأهل للمرة الثانية على التوالي في حذ ذاته إنجاز لذا علينا أن نبعد اللاعبين عن الضغط وتجنب إلزامهم بأهداف، ما نريده هو مشاركة جيدة مع السعي للتأهل إلى الدور الثاني ولو لم نقم بذلك فإننا سنخرج بنفس النتائج التي تحصلنا عليها في مونديال جنوب إفريقيا. هل لك أن تقصص علينا حادثة غريبة وقعت لك وكانت ربما سببا في تغيير حياتك أو مشوارك المهني بصفة خاصة؟ حصل ذلك سنة 1989، إذ كانت المرة الأولى التي يقوم فيها الطلبة المتفوقون في شهادة البكالوريا بالجزائر باختيار الاختصاصات التي يرغبون فيها وقد تزامن ذلك ونجاحي في البكالوريا، حيث اخترت شعبة الإعلام ولكن كلنا يعرف كيف تتم الأمور عندنا في الجزائر، إذ تم توجيهي إلى معهد التاريخ الذي درست فيه سنة ونجحت فيها إلا أنني لم اكن أرى في ذلك الميدان مستقبلي، ومن حسن حظي أن رجلا من منطقتنا يدعى عبدالقادر مام الذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس تحرير مركزي في التلفزيون الجزائري حيث قام بالاتصال بشخص ثان اسمه عبدالقادر ساعدني في التسجيل بمعهد الإعلام حتى أكون أمينا مع نفسي، ومع ذلك الشخص العزيز علي لكنه غادرنا في فترة الجمر، لذا فأدعو له بالرحمة وأن يكون مقامه عاليا في الجنة مع المؤمنين والصديقين لأنه غيّر حقا مسار حياتي. هل تريد أن تضيف شيئا في النهاية؟ تحية لكل المهتمين بالرياضة وكل قراء جريدة «الخبر الرياضي» وعشاق المنتخب الوطني، وكلمتي الأخيرة ستكون نصيحة لهؤلاء ألا يضغطوا على منتخبهم ويكفينا شرفا أننا نمثل كامل الأمة العربية في المونديال للمرة الثانية على التوالي.