لم يكن الكثير من الجزائريين يتوقعون أن يتوج العداء الجزائري، توفيق مخلوفي، بالميدالية الذهبية للألعاب الأولمبية، المقامة حاليا بالعاصمة البريطانية لندن، ليس تشكيكا في قدرات هذا العداء البطل، وإنما جهلا به، وعدم دراية بإمكاناته وموهبته، فابن مدينة سوق اهراس، لم يكن يعرفه أحد قبل تاريخ 7 أوت 2012، وحتى وسائل الإعلام لم تعره كثير اهتمام، اللهم إلا إذا استثنينا قضيته التي طفت على السطح قبل يومين، حينما انسحب من سباق 800 متر، وكاد يحرم من المشاركة في نهائي 1500 متر، ومع ذلك عرف هذا العداء البالغ من العمر 24 سنة، كيف يخطف الأضواء من الجميع، ويتوج بالذهب في أكبر محفل رياضي عالمي، وأكثر من هذا، يرفع الراية الوطنية عاليا، ويعزف النشيد الوطني، في قلب مدينة كانت قبل أيام مهد التحامل عليه، والتجريح فيه. “الخبر الرياضي” زارت بيت البطل الجزائري بمدينة سوق اهراس، فتحدث مع والديه وإخوته وجيرانه وأصدقائه، وحتى مع مدربيه الأوائل، فكانت تفاصيل هذه الزيارة الخاصة والمتميزة. كل الطرق مؤدية إلى منزل مخلوفي عند الدخول إلى ولاية سوق أهراس، لم نجد صعوبة في معرفة بيت البطل الأولمبي، باعتبار أن كل الطرق مؤدية إلى حي قويسم عبد الحق المعروف ب”دلاس”، أين يسكن مخلوفي، فوجدنا تسهيلات بالجملة للوصول إلى هناك، ثم لاقينا في استقبالنا الوالد “عمي يونس”، الذي رحب بنا بحرارة تعكس تواضع المعني، رغم إحساسه بالتعب الذي كان باديا عليه، جراء الإقبال الكبير لمن تابع سباق 1500 متر، واحتفالهم إلى ساعة متأخرة أمام منزل العائلة. “وان، ثو، ثري ..فيفا مخلوفي” أهمية الحدث برزت بوضوح عند صغار السن من أبناء الحي، الذين اصطفوا في الصباح لاستقبال أي سيارة متوجهة إلى مسكن مخلوفي، بترديد شعار”وان تو ثري..فيفا مخلوفي”، التي قالوا لنا أنها لم تتوقف ودوت حي “دلاس” المعروف بهدوئه، لكن أصبح مثل مدرجات الملاعب الكبيرة نظرا للعدد القياسي ممن حضر سهرة أول أمس، وشارك عائلة مخلوفي أفراحها بالصعود إلى منصة التتويج. سوق أهراس لم تنم وقضت ليلة بيضاء ولاقى سباق 1500متر متابعة قياسية من أهل سوق أهراس، الذين كانوا واثقين من نجاح ابنهم في الظفر بالمعدن النفيس، وأطلقوا العنان لأفراحهم بعد انتهاء السباق هاتفين بحياة مخلوفي، الذي نجح فيما عجز عنه الآخرون، أمام أقوى العدائين المعروفين على الساحة العالمية، على غرار الأمريكي، ليونيل مانزانو، الذي حل في المرتبة الثانية، بعد أن كان المرشح الأول لحصد الذهب. مظاهر “أم درمان” عادت إلى الواجهة الداخل إلى حي “دلاس”، سيشاهد حتما عودة اللافتات والشعارات الوطنية، التي تم تعلقيها وإخراجها فوق العمارات والشرفات، ذكرت الجميع بملحمة “أم درمان” قبل أكثر من سنتين، التي صنعها أشبال سعدان هناك في السودان، في حين هذه المرة كان بطلها شخص واحد، هو مخلوفي، وفي العاصمة البريطانية أمام أرمادة من العدائين العالميين، وفي بلد لم يعط قيمة للنشيد الوطني في جرائده المكتوبة. السلطات المحلية ستخصص له استقبالا مميزا أشار مصدر مقرب ل”الخبر الرياضي”، أن السلطات المحلية ستخصص استقبالا مميزا لبطلها مخلوفي، عقب رجوعه إلى بيته العائلي، باعتباره رمزا من رموز الولاية، التي طالما تحدث عنها في مختلف تصريحاته لوسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، ومن المنتظر أن يتم تكريم العداء بهدايا قيمة، نظير رفعه لقيمة سوق أهراس في أكبر المحافل الدولية، وتتويجه بالميدالية الذهبية التي أعادت للمدينة بريقها المفقود. هكذا عاشت العائلة سباق النهائي وفي حديث مع أفراد عائلة البطل الأولمبي حول سهرة أول أمس، كانت الإجابة واحدة، أن لا الوالد ولا الوالدة أو الأخوات، تجرؤوا على متابعة السباق، ففضلوا البقاء بعيدا عن الشاشة، وليست هذه المرة الأولى التي يقومون بهذا التصرف، لعدم قدرتهم على مشاهدة ابنهم يصارع بين أقوى العدائين، قبل أن يأتي الخبر السعيد من قبل أصدقائه المتواجدين في قاعة الاستقبال، الذين فجروا العنان لهتافاتهم التي تنادي بحياة توفيق الذي أعاد الروح للرياضة الجزائرية. ليلة سوداء بعد صدور خبر الإقصاء كانت عائلة العداء الجزائري قد قضت ليلة سوداء بعد صدور قرار الاتحادية الدولية لألعاب القوى، بإقصائه من سباق 1500 متر، بحجة ادعائه الإصابة في سباق 800 متر، وأشارت لنا الوالدة الكريمة، أن مائدة الإفطار لم توضع وعزف كل أفراد العائلة عن تذوق أي شيء حزنا على ضياع حلم توفيق، بل وراح “عمي يونس” يبكي بشدة، واكتفى بالدعاء الذي استجاب له الله في صبيحة الغد بتسجيل ابنه في منافسات سباق 1500 متر.