لا يزال الجمهور الجزائري يتذكر إلى يومنا صوت الراحل محمد بوزيدي المدوي، الذي اخترق به الوجدان وأوصل من خلاله رسائل ذات معان إنسانية راقية مستمدة من الثقافة والتراث الجزائري. جمع الراحل بين الشعر والكتابة والتمثيل والنضال من أجل القضية الوطنية، مقتنعا برسالة الفن ودورها في خدمة مجتمعه وظل بهذه القناعة الى أن رحل.،، بدأ محمد بوزيدي دراسته بالمدرسة القرآنية التي كان يشرف عليها الشيخ نعيجي، فتمكن من حفظ القرآن كله.. واصل دراسته طوال ثلاث سنوات بمدرسة الشبيبة الجزائرية تحت إدارة الشيخ محمد العيد آل خليفة، ولما بلغ بوزيدي ال13 سنة من عمره، انضم الى فرقة الإذاعة الصبيانية التي كان يشرف عليها آنذاك رضا فلكي الى جانب زهير عبد اللطيف، وهي الفرقة الأولى من نوعها التي كانت تنتج وتذيع الحصص الإذاعية الخاصة بالأطفال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (عام 1946)، في هذا السن المبكر تميز محمد بوزيدي بالأداء الجيد والمعرفة الحسنة للغة العربية واستعداده المميز لفن التمثيل. اشتغل الراحل ضمن هذه الفرقة طيلة عشر سنوات حتى سنة 1957، ليلقى عليه القبض وزج به في السجون الاستعمارية، غير أنه تمكن من الفرار بطريقة تثير الدهشة والإعجاب. استقر بوزيدي في فرنسا ليواصل كفاحه، إذ كان يجمع الأموال وغيرها من النشاطات التي أداها الراحل بجهد دون كلل أو ملل، في هذه الأثناء جادت قريحة بوزيدي بعدة قصائد تمجد الجزائر الغالية. ساهم بوزيدي في تأسيس فرقة جبهة التحرير الفنية عام 1958 وعمل كمنشط وجال رفقتها عبر عدد من دول العالم، إضافة الى تنشيطه لبرنامج إذاعي في "صوت الجزائر" الحرة، الى جانب عيسى مسعودي ولاقى هذا البرنامج نجاحا منقطع النظير. كتب الفنان بوزيدي عدة أناشيد منها "أنا لاجئ" و "يا أمي ما تخافيش" لأحمد وهبي، تلتها "صرخة الثوار" و"الجزائر ثارت" للهادي رجب (كان عمره لا يتجاوز ال14سنة) وكتب أيضا أغنية "الربيع" لوراد بومدين. بعد الاستقلال بقي الراحل وفيّا لمبادئه، فاتجه الى نضال آخر حارب فيه الجهل والشعوذة السائدة في المجتمع، لذلك تقمص بصورة رائعة شخصية "الشيخ النوري الساحر" في عمل تلفزيوني جميل. التفت بوزيدي إلى العلم فقرر مواصلة تعليمه فسجل نفسه في كلية الآداب بجامعة الجزائر، واعترافا بكفاءته الأدبية تحصل على الجائزة الكبرى للكتاب العرب في بغداد عام 1965، ليصبح بعدها صحفيا متخصصا في الافتتاحيات بالإذاعة والتلفزة الوطنية حتى سنة 1970، خلال هذه الفترة أنتج وقدم بوزيدي حصة تلفزيونية عنوانها "حديث المساء"، الذي تطرق فيه الى المشاكل الكبرى التي كانت تثقل كاهل مجتمعنا. كتب ثلاثة سيناريوهات أفلام وهي "الهزّي" الذي أخرجه بورتيمة عام 1969 و"السحّار" في نفس السنة، من اخراج مصطفى بديع و"الغراب الأسود" لنفس المخرج سنة 1970، كما كتب رائعة "القدس" التي أدتها الراحلة صليحة الصغيرة. بمناسبة الأسبوع الثقافي الجزائري بالسعودية في ديسمبر سنة 1987، نظم بوزيدي قصيدة شعرية بعنوان "يا ملك السعودية" غناها محمد العماري أمام الملك أثناء حفل الافتتاح. بمبادرة من وزير الاتصال والثقافة السابق السيد أبو بكر بلقايد، واعترافا منه بما قدمه بوزيدي للجزائر، تم منحه وسام الاستحقاق الوطني "الأثير" وذلك سنة 1992 وهو بالمستشفى طريح فراش المرض. توفي محمد بوزيدي رحمه الله يوم 10 أوت 1994 عن عمر يناهز 60 سنة، تاركا 3 أبناء وإنتاجا أدبيا غزيرا.