يشكل تبنّي الاتحاد الإفريقي مبادرة الجزائر حول التنمية في الساحل عقب دورته ال449 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمثابة تأكيد على نجاعة المقاربة الجزائرية ورؤيتها الاستشرافية في التعاطي مع قضايا المنطقة، التي دخلت مرحلة صعبة في ظل التطورات الجيواستراتيجية التي عرفتها بعض الدول؛ حيث وجد الإرهاب في الظروف التنموية الصعبة التي تعيشها أغلب دول المنطقة، مرتعا خصبا لتنفيذ مخططاته. وأمام هذه التحديات الخطيرة لم تجد الدبلوماسية بدّا من تكثيف عملياتها التحسيسية طيلة سنوات، لدعوة دول المنطقة إلى الانخراط في استراتيجية تعزيز التنسيق الأمني عن طريق تشجيع البعد التنموي، وهو ما يفسر الحركية المكثفة للدبلوماسية الجزائرية باتجاه الوسط الجغرافي المحيط بها من تونس إلى المغرب ومن النيجر إلى موريتانيا، مرورا بمالي والساحل الإفريقي. فالتزاحم الدولي في المنطقة والتقارير التي تصف منطقة الساحل بأنها "أفغانستان ثانية"، يُبرزان بوضوح أهمية المنطقة وتأثيرها المباشر على الأمن القومي الوطني، خصوصا مع تنامي المخاطر القادمة وتنامي مشكلة التوارق، التي خلّفت وراءها هجرة مكثفة للاجئين من ماليوالنيجر. وكل هذه المعطيات دفعت الجزائر التي تتميز بالعمق الاستراتيجي في البعد الجغرافي والتاريخي والحضاري، للعمل من أجل تدارك الهشاشة الأمنية في الجنوب، خاصة مع تنامي ظاهرة تهريب الأسلحة، لا سيما أن أولويات سياستها الخارجية ترتكز على الأمن بمفهومه الموسَّع، والذي سيطر على العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للسياسة الخارجية الجزائرية، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما أمام التحولات الإقليمية والجهوية التي تعرفها مناطق الجوار؛ حيث وجدت نفسها مجبَرة على مسايرتها والتفكير في الأساليب الملائمة للتعاطي معها؛ وعليه فقد حظيت المقاربة الجزائرية في هذا المجال، بالتقدير والاحترام بفضل نجاحها في تمرير الرؤى الخاصة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. كما إن أكثر ما ميّز الحركية الدبلوماسية الجزائرية هو التطورات الخطيرة التي تشهدها مشارف الحدود الجنوبية للبلاد بسبب الأزمة في شمال مالي؛ حيث حرصت على إبعاد الخيار العسكري في التعاطي مع هذه الأزمة في الوقت الذي تعمل على استغلال الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، وإقناع المجموعة الدولية بأن التهديدات وإن اختلفت حدتها من دولة لأخرى، تبقى تهديدات مشتركة، وتقتضي تحركا وعملا مشتركا على ضوء استراتيجيات متعددة الأطراف والأبعاد. فبالنظر إلى ضعف المقدرات الذاتية لدول المنطقة دون الجزائر، فإن الواقع يحتّم تكثيف التعاون اللوجيستيكي لدول المنطقة برمتها، وهنا يبرز دور دول الجوار الأخرى والمجموعة الدولية عموما، وخاصة منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها، لتمكين الدول المعنية من شروط التنمية. ويُستمد التوجه العام للعقيدة الجزائرية من المبادئ العامة المرتكزة على مبادئ عدم التدخل في شؤون الآخرين، وهو ما لوحظ في تحرك الجزائر حيال الأزمة الليبية؛ فبحكم موقعها الاستراتيجي ترى الجزائر أنها أصبحت اليوم مطالَبة بإيلاء أهمية أكبر لتعزيز علاقاتها مع دول الجوار وفق قناعاتها بضرورة حل الأزمات سياسيا بالدرجة الأولى؛ فإذا كانت التهديدات الأمنية في منطقة الساحل تتطلب أحيانا العمل العسكري، فإن الرهان على هذا العمل لوحده، قد لا يكون مفيدا وصالحا في كل الأحوال؛ فلا يمكن القضاء على الفقر والسيدا والفيروسات الأخرى، مثلا، بالدبّابة العسكرية. ورغم وجود أطراف أجنبية تعمل على الرفع من مستوى التهديدات في المنطقة لخدمة أجندتها الجيواستراتيجية، إلا أن الجزائر تبذل مساعي حثيثة من أجل فرض رؤيتها، ولعل ما تقوم به من جهود للمّ شمل فرقاء مالي، أكبر دليل على ذلك. ويمكن القول إن المقاربة الجزائرية بخصوص موضوع تنمية منطقة الساحل، لم تكن وليدة اليوم؛ حيث لم تتوان الجزائر منذ سنوات في إطلاق سلسلة من المبادرات التنموية والأمنية لتعزيز التعاون بين بلدان الساحل والصحراء من أجل مواجهة التطرف، مع دعوة المجموعة الدولية لتحمّل مسؤولياتها بأداء واجبها من خلال تقديم المساعدة اللازمة لتحقيق التنمية. ولطالما راهنت الجزائر على مشاريع تنموية أطلقتها في المناطق الحدودية، لمنع أي تقارب بين القاعدة في المغرب الإسلامي وقبائل التوارق، كما لم تتأخر في تقديم هبات مالية لتنمية منطقة شمال مالي، لمنع استغلال الجماعات الإرهابية من تنفيذ مخططاتها على ضوء الوضع التنموي المتردي، إلى جانب احتضانها لندوات حول الشراكة والأمن والتنمية بين دول الساحل (الجزائر، مالي، موريتانياوالنيجر) والشركاء من خارج الإقليم؛ من أجل تأطير العمل المشترك، وكان ذلك قبل أن تأتي التطورات الأخيرة التي أفرزتها الأزمة الليبية على الجهود المبذولة في هذا المجال.