يحتضن المتحف العمومي الوطني للفن الحديث والمعاصر إلى غاية نهاية الشهر معرضا بعنوان "نشأة" يتضمّن أهم مقتنياته الفنية التي خرجت من المخازن لتعرض نفسها للجمهور المتوافد، الذي لم يسبق له أن رأى بأم عينيه بعض روائع كبار التشكيليين الجزائريين. أثناء جولتها بالمعرض التقت "المساء" بالسيد دحية صلاح الدين المستشار الثقافي بالمتحف، الذي أشار إلى أنّ هذا المعرض عبارة عن مجموعة خاصة سميت ب"النشأة" تتمثّل في مجموعة من اللوحات التي يملكها متحف "الماماك" وأغلبها تمّ الحصول عليها إما شراء أو هبة من فنانين أو أصدقاء أو عائلات. يقول السيد صلاح الدين "بعض اللوحات اشتراها المتحف خلال مهرجانات ثقافية متنوّعة وأخرى قدّمت له كهبات من جهات مختلفة، وفي هذا المعرض انتقينا أكثر من مائة لوحة منها 97 لوحة تعرض في الطابق العلوي و61 لوحة في الطابق السفلي وتعمّدنا اختيارها لأنّها تستحق أن يراها الجمهور الجزائري، علما أنّ هناك الكثير من اللوحات بقيت في المخازن، ومن ضمن ما يعرض لوحتان للراحلين محمد اسياخم"، لزهر حكار وباية، وتضمّن المعرض أيضا عرضا للفيديو خاصا بحياة الراحل اسياخم، وبالمناسبة أكّد محدث "المساء" أنّ الإقبال لا يزال محتشما وأنّ غالبية الجمهور هو جمهور نوعي. عن أسباب غياب دليل في المعرض يقوم بتوجيه وإعلام الجمهور أشار المتحدث صلاح الدين إلى أنّ هذا الأمر من صلاحيات الوزارة الوصية، وهذه المهمة تبقى على عاتق المستشارين الثقافيين، علما أنّ ذلك ليس من اختصاصهم، لكن بالمقابل ثمّن المتحدّث الإمكانيات التي يوظّفها المتحف منها مثلا أنه أول متحف في الجزائر يوّفر تقنية الدليل السمعي للجمهور وهو عبارة عن جهاز سمعي يستعمله الزائر ويضغط فيه على رقم معين دليل اللوحة فيتحصّل على كلّ بياناتها وبيانات الفنان الذي أنجزها وهذه التقنية تتوفّر منذ المعرض الماضي "مجاهداتنا"، يؤكّد السيد صلاح الدين أيضا أنّ المعرض يوفر نشرية يقدّم فيها المعلومات الضرورية للزائر وهو تقليد دأب المتحف على الالتزام به في كل معرض. من ضمن الأعمال المعروضة، لوحة بالأسلوب التجريدي للفنان محمد أكسوس وهو من مواليد الجزائر سنة 1934 بدأ الرسم سنة 1956 تأثّر بوالده فنان الخزف؛ فدرس بدوره الفخار والنحت ثم الفنون التشكيلية ليرحل إلى باريس سنة 1965 ويدخل عالم النقش المعدني ابتداء من سنة 1970 وينجز ميداليتين للعملة بالعاصمة الفرنسية باريس، وهذه اللوحة هي هبة من السيد إينال مصطفى وتحمل الكثير من الرموز والأشكال الإسلامية. وعرضت أيضا لوحة للفنان ألبن وهو من مواليد روان سنة 1973 مبدع في فن التصوير المعاصر، خاصة في اللوحات الكبيرة وكلّ أعماله مستوحاة من فن الشارع والكتابة على الجدران ومن فن البوب الأمريكي، وهو يؤسّس لحميمية وروحية مع المشاهد تجعله مستقلا في مجاله وقدّم أعماله في عواصم العالم منها طوكيو، باريس، نيويورك وموسكو وغيرها وبعض أعماله قّدمت للمعرض كهبة من السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة السابقة. حضرت أعمال الراحلة باية من خلال لوحتين، الأولى بعنوان "امرأة مع الطيور" وأخرى بدون عنوان وهي لوحات اشتراها المتحف، وعرضت بجانبها لوحتان للفنان جاب الله بلاخ جمال (من مواليد 1948) وهو رسّام ونحات طوّر فنه والتزم بالأسلوب التجريدي مستخدما المواد غير التقليدية إضافة للقماش كوعاء رئيسي للعمل وقدّم أعماله في عديد الدول واعتزل الريشة منذ سنوات طويلة وما عرض له في هذا المقام الفني هو هبة من إينال مصطفى. الفنان موسى بوردين (من مواليد 1946) خريج مدرسة الفنون الجميلة سنة 1969 قدّم العديد من الإبداعات، أنجز سنة 1984 أنجز بورتريهات لشهداء الثورة تحت إشراف الراحل اسياخم تعرض بمتحف الجيش ولوحتيه اشتراهما المتحف خلال تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية سنة 2007 "، وتمثّل إحداهما زوجين عجوزين أمام بيتهما ببلاد القبائل ووراءهما علم الجزائر يتذكران ما كان من معاناة، وفي اللوحة الأخرى عجوز من الأوراس مغمضة العينين قبالة الجبال تقرأ في ذاكرتها. حضرت أيضا أعمال سرجيو سيلفا من البيرو المختص في الرسم الجداري والذي يستوحي فنه من الثقافة اللاتينية ومن الآثار وبعض لوحاته موجودة في بعض متاحف العالم، أهدى بالمناسبة "عجائب عبر الزمن" بألوان برازيلية منها الأصفر والأخضر يتراءى منها طيف رجل لاتيني بقبعته وهمته القوية. تعود ذكرى الفنان الراحل لزهر حكار (ابن خنشلة المولود سنة 1945) خريج مدرسة الفنون الجميلة سنة 1966 والمتحصّل على عدّة جوائز وطنية ودولية برع في الجداريات والخزفيات وأعماله محفوظة بمتحف تونسوبالجزائر، واشترى الماماك لوحتي "الثلاثي المغاربي" بمناسبة الذكرى ال50 للاستقلال وتمثّل ثلاثة رجال يرمزون للوطن المغاربي الموحّد ثقافيا من خلال الرموز الثقافية المجسّدة وعرضت أيضا لوحة "الخيال المنسي" وهي شخوص داكنة تعكس الذاكرة المغيبة. تزيّن المعرض أيضا بأعمال العملاق محمد اسياخم المولود سنة 1928 بأزفون، ترعرع في غليزان كان صغيرا عندما عثر سنة 1943 على قنبلة قرب مدرسته وبينما كان يلهو بها انفجرت فقتلت شقيقيه وقريبه وأفقدته ذراعه اليسرى، وجعل منه الألم فنانا عالميا، تتلمذ على يد محمد راسم في بداياته سنة 1951 وحاز على العديد من الجوائز الوطنية والدولية منها جائزة "الأسد الذهبي" بروما، سنة 1980 حضر بلوحتين هما "إحياء ذكرى" وهي هبة من عائلة بن زين إينال وأخرى بدون عنوان وهي هبة من عبد الحميد بن زين تصوّر عجوزا أنهكها الزمن لكنها مصرة على الوقوف واللوحة الأولى تصوّر نصبا معدنيا لشبح إنسان يصرخ بعدما بقيت آلامه تعصره. عرض أيضا الفنان قوند موندور مونسون وهو من مواليد إسلاندا سنة 1932، ويعتبر من أشهر الرسامين العالميين استقر بباريس منذ سنة 1958، تتميّز لوحاته بالأصالة وبحضور الصورة الفكاهية والأساطير يستغلها للتنديد بالعنف والصراع والانحراف وقد أهدى المتحف لوحتين الأولى بعنوان "الجيش الأمريكي يغادر العراق" تشبه رسم الكاريكاتور الملون والثانية بعنوان "يبارك الله بغداد". أمّا جيرارد جوسلان من فرنسا (مواليد 1934) فانتشرت أعماله في كلّ أوروبا، ويتميّز بأسلوب عفوي وفطري يهتم أكثر بتنفيذ اللون وقد عرض "فضاء إفريقي" المكتظة بالألوان الإفريقية المشعة المستمدة من الشمس خاصة الأصفر والبنفسجي.