''غالبا ما تكون ميزة الفنان الأولى هي الصدق''·· عبارة قالها الراحل محمد إسياخم الذي يعتبر أحد أكثر الفنانين حضورا في الساحة العربية والعالمية ومؤسس الفن التشكيلي الحديث في الجزائر، وانعكست تلك العبارة بكل شفافية في أعماله التي خلدها في لوحاته الفنية التي تعرض هذه الأيام بالمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر بالعاصمة، وذلك في إطار الطبعة الثانية للمهرجان الوطني الدولي للفن المعاصر الذي تتواصل فعالياته إلى أواخر جانفي المقبل بهدف التعريف ب''رائد المدرسة التعبيرية'' في الجزائر· ويضم المعرض الذي يشرف عليه مدير المتحف محمد جحيش والمقام تخليدا ''لروح إسياخم'' بمناسبة مرور 25 سنة عن رحيله، 114 لوحة فنية يعود تاريخها إلى الفترة الممتدة من خمسينيات القرن الماضي إلى ثمانينياته؛ جمعت أشهر لوحات ''إسياخم'' أغلبها لمشاركين خواص ومتاحف وطنية على غرار المتحف الوطني للفنون الجميلة بالعاصمة ومتحف أحمد زبانة بوهران ومتحف ''سيرتا'' بقسنطينة ومتحف ''نصر الدين دينيه'' بوسعادة، إلى جانب ''بيبليوغرافيا جدارية'' خاصة بسيرة هذا الفنان· كما يقرب المتحف زواره أكثر من هذه الشخصية الفذة والمبدعة من خلال عرض لشريط وثائقي يروي مسيرة ''إسياخم'' و''بورتريه'' له قبل وفاته بفترة قصيرة· وتتسم اللوحات المعروضة، وفق ما لاحظناه خلال جولتنا، بقوة تعبيرية خاصة ورؤية أصيلة مستمدة من الذاكرة التراثية الشعبية تسودها لمسة حزينة من خلال الألوان القاتمة المستعملة كالأسود والأزرق والرمادي حتى يكاد يخيل للزائر أنه أمام لوحة واحدة، كونها تعبر في غالبيتها عن والألم والحرقة التي تسكن صاحبها سواء الذاتية لأن صاحبها عاش بعيدا عن أسرته التي رفضته بعدما بتر ذراعه كاللوحة التي تحمل عنوان ''أم غير معروفة'' ولوحة ''كآبة'' من مجموعة المتحف الوطني للفنون الجميلة التي رسمها في 1985 و''المعطوب'' و''الجراح'' من مجموعة ''بوسبسي'' التي رسمها في 1973 وثلاث لوحات أخرى تجسد صورته الذاتية تحمل عنوان ''رسم ذاتي'' واحدة منها تحمل بصمة له من مجموعة ''إينال''، إضافة إلى لوحتي ''المكفوفون'' و''من امرأة إلى طفل'' من مجموعة معزوزي واللتان تعدان من أشهر لوحاته الفنية، أو من خلال حمله لهموم مجتمعه ومعايشته معاناة أبناء وطنه الواحد في ظل الاستعمار، مجسدا بذلك مقولته ''إن لم يعش الفنان مآسي مجتمعه ويكشف عنها فهو ليس فنانا''·ومن بين اللوحات التي رسمت ذلك ''ظل الثورة'' و''البحث عن الحرية'' من مجموعة عمار بن صالح المعروف ب''ناشط''، ولوحة ''الهجرة الجماعية'' من مجموعة متحف ''سيرتا''· كما أخذ موضوع المرأة التي كانت مصدر إلهامه، حيزا كبيرا في لوحاته المعروضة على غرار لوحة ''تأمل امرأة '' و''شمس حزينة'' التي صور فيها امرأة في حالة حزن يغلب عليها اللون الأسود الداكن ولوحة ''الأمومة''، وهي ثلاث لوحات من مجموعة المتحف الوطني للفنون الجميلة، إضافة إلى لوحة ''العذراء السوداء'' والأرملة'' من مجموعة ''كاشا'' و''امرأة بالقرب من طاولة'' التي رسمها في 1985 من مجموعة ''تاغيغت''· وظهرت علاقة ''إسياخم'' بالكتابة وحبه للشعر من خلال لوحتين تحمل الأولى اسم الشاعر الروسي ''مياكوفسكي'' من مجموعة ''بنزن إينال، والثانية تجمع ''إسياخم'' مع كاتب ياسين من خلال بعض أشعاره بالفرنسية والتي تعد من اللوحات النادرة جدا· كما كانت لوحات الفنان الراحل مصدر إلهام لبعض الورشات كلوحة ''متاهة'' و''قصبة'' اللتان جسدتا في شكل نسيج من طرف ورشات ''أبو سون''·