يعتبر الشاعر طاهر جودي سعد المعروف أدبيا باسم "أسامة سعد الظاهري"، أحد الوجوه الأدبية المألوفة بالباهية، وهو من الرعيل الأوّل للشعراء الذين اعتادوا حضور السجالات والمقاهي الأدبية، برز في لون الشعر الفصيح متأثّرا بعمالقة الشعر الجاهلي والحديث، يقتفي آثار جمالية لغة الضاد ليصنع من كل حرف من حروفها نجما يرصّع به جيد قصائده المخملية.. التقته "المساء" من خلال حوار صريح وممتع تناول شؤون الشعر والأدب. - كيف تقيم المشهد الثقافي الحالي بوهران؟ — أرى أنّ المشهد يبشر بالخير وأنا متفائل دوما، خاصة بالأسماء الأدبية الجديدة التي تحاول شقّ طريقها، كذلك الحال مع الأسماء التي عادت إلى الساحة بعد غياب طويل. - من خلال مشاركاتك الأخيرة في المهرجانات الأدبية بوهران، هل لامست تباينا بين مستوى الأدباء المحليين والضيوف؟ — أعتقد أن أدباء وهران كانوا دوما في المستوى، لهذا نفهم سبب نجاح ملتقى "شموع لا تنطفئ" مثلا واستمراره، لكن مشكلتنا أننا في وهران لا نعطي الاهتمام الكافي لما يمكننا أن نصنعه ونحقّقه، عكس الآخرين.. -هناك من يقول عكس ذلك، وطعن في الملتقى ونجاحه، ما ردك؟ — هذا دليل آخر على نجاحنا، الطاعنون فاشلون وعاطلون دوما عن المحبة والنظرة البعيدة. - قيل بأن من نالوا الجوائز لا مستوى لهم؟ — لجنة التحكيم كانت مشكلة من أساتذة جامعيين وأكاديميين لهم تجربة كبيرة لا يستهان بها، والفائزون كلهم أسماء لها وزنها في الساحة الأدبية، أذكر من بينهم الشاعر مية مفتاح ياسين الحاصل على المرتبة الأولى في الوادي، والشاعر السايح بغداد الحاصل على أكثر من جائزة، والشاعرة سمية محنش المحامية وغيرهم.. وإن كان هؤلاء الأحبة لا مستوى لهم، فلنستورد أسماء من الصين علها تحلّ المشكلة... أشير إلى أنّ محمد صلاي مثلا، هذا الأستاذ الشاعر يكتب بطريقة لا يمكن تصوّرها، كذلك دهناش مختار الصحفي والشاعر الرائع، وهذا بإجماع الكلّ تقريبا.. - أنت تمارس جنون الشعر منذ أمد بعيد، لماذا لم نر لك إنتاجا منشورا إلى حد الساعة؟ — ربّما هذا من الجنون أيضا.. لا عذر لي، أعترف بأنني مقصر في حق أحبابي وعشّاق حرفي المجنون، أو ربما هي مسألة وقت، أعد كلّ أحبتي أنني سأقوم بنشر بعض ما تبقى من قصائدي إن سمح القلب طبعا. -وقوفا عند مسألة النشر التي تعتبر عائقا أمام كثير من المبدعين، كيف ترى كشاعر تأثيرها؟ — لا أعتقد ذلك، النشر بات متاحا أكثر من ذي قبل، والدليل على ذلك أنّ المطابع تنشر الغث والسمين.. أصل المشكلة في نظري هي الإجراءات المتبعة في النشر، هذا هو العائق الأكبر، الناشرون يتعاملون مع الكتاب كما يتعامل الخضار مع كيس الخضر، في حين من المفترض أن تكون هناك خصوصية للكتاب. -لكن هناك من الأدباء من يرجعها إلى العائق المادي؟ — أي عائق مادي يا صديقتي؟ هذه أغنية قديمة الكل يغنيها، لكن الواقع شيء آخر، لقد اعتدنا على الاتكال على مؤسسات الدولة فقط، في حين أن مصروف الواحد منا في ما لا حاجة لنا به يمكنه أن يغطي طبع عدة كتب وليس كتابا واحدا.. الصناديق موجودة منذ زمن طويل لكن طريقة عملها لا ترقى إلى مستوى الفكرة التي وجدت من أجلها، ثم إنها موجودة كلها في العاصمة، كأن العاصمة هي الجزائر كلها، أعتقد أنّه يفترض أن يكون هناك صندوق على مستوى كل ولاية من ولايات الوطن. -يلوم بعض المثقفين ويتهمون مسيري الشأن الثقافي بالتسبب في برودة المشهد في "الباهية"، ما تعليقك؟ —حتى ولو كان مسيرو الشأن الثقافي يتسمون بالبرودة، فهذا لا ينفي مسؤولية المثقف الذي يتّكل دوما على الآخرين، في حين أن ثورة المعلومات أتاحت له الخروج من هذه الإشكالية، فلن أنتظر مسؤولا مهما كان وزنه أن يحد من نشاطي، ويقيّد إبداعي، نجاحاتي كلّها أنا من صنعتها ولا يهمني لا برودة ولا سخونة المسؤولين عن القطاع. -انتشرت مؤخرا ظاهرة النشر الإلكتروني كبديل عن النشر الورقي ومنغصاته، هل ترى أن هذا سيخلق تيارا أدبيا مغايرا؟ — أعتقد أن هذا حل لجزء من المشكلة، أمّا أن يخلق تيارا أو ثورة، فأرى أن النص وحده هو من يستطيع ذلك وليس النشر، والدليل على ذلك أنّه على الرغم من الكمّ الهائل للكتب الإليكترونية والورقية، فإنّنا قليلا ما نجد نصا يستحق القراءة. -هل تختار أنت القصيدة أم هي التي تختارك؟ — لا هذا ولا ذاك... اللغة هي التي تختار أن تجمع بيني وبين القصيدة. -أسامة يبدع شعرا فقط أم جربت نواحي أخرى من الأدب؟ — أنا أكتب الشعر فقط ولا أحب أن أكتب شيئا آخر سواه، لكنني مع ذلك متفتّح على كلّ الفنون والأجناس الأدبية الأخرى بلا تمييز. - متى يتحرك ذراعك ليخط قصيدة وعن أي شيء تكتب؟ — ليس لي خرائط طريق في الكتابة، حطّمت منذ زمن بعيد بوصلتي كي لا ترشدني إلى أيّ اتجاه، فلسفتي أنني أحاول أن أحيا كثيرا وأكتب قليلا، أكتب عني وفقط حتى وإن كتبت عن سواي فإياي أعني، أحبني في الكل وفي داخلي وطن رائع شاسع لا حدود له، ربما هذا جنون لكنني سعيد به. - للشاعر دوما قصيدة يعشقها، من هي معشوقتك؟ —كل القصائد التي كتبتها حبيباتي ولست أفضل واحدة بعينها... كل واحدة منهن تحمّلت جزءا من جنوني ونزفي،فمن الوفاء أن أحب الجميع دون انحياز. -يوضع حاليا حجر أساس فرع لاتحاد الكتاب الجزائريينبوهران، فهل سينجح في تحريك دواليب الثقافة ولملمة شمل المبدعين بها؟ — أعترف أنّ الدعوة وجهت لي للانضمام إلى هذا الفرع، لكنني رفضت ذلك، ربما لأنني أرفض أن أحصر نفسي في أيّ تكتل مهما كان، سواء أدبيا أو سياسيا أو غير ذلك، وثانيا، لأنني أرى أنّ هذا الفرع لم ولن يقدم شيئا جديدا ذا قيمة إلى المشهد الأدبي، لأن الأصل لم يفعل ذلك، فكيف يفعله الفرع، وهناك أسباب أخرى أحتفظ بها لنفسي. - هل ترغب في قول كلمة أخيرة في نهاية هذا الحوار؟ — لا أعتقد أنّ الأديب أو الشاعر لديه كلمة أخيرة، لكن يمكنني أن أقول بأن الشعر سيبقى حيا ما دام في الزهر عطر وفي القلوب نبض، وأقول لكل الذين يحبون كتاباتي وقصائدي؛ إنني أحبكم جدا وموعدنا لن يكون سوى قصيدة، هي الوطن كله.