كشف المدير العام للديوان الجزائري المهني للحبوب، السيد محمد بلعبدي، في الحوار الذي خص به جريدة "المساء" أن المجهودات التي بذلها الفلاحون خلال الموسم الفلاحي السابق جعلتنا نتجنب "الكارثة" بعد أن انخفض إنتاج القمح الصلب إلى 34 مليون قنطار، حيث سجلنا خلال الموسم الفلاحي السابق جمع 49 مليون قنطار، بالمقابل طمأن بلعبدي المواطنين وأصحاب المطاحن بتوفر المنتوج بعد أن قام الديوان باستيراد مخزون استراتيجي رفض الإفصاح عن قيمته، مكتفيا بالتأكيد بأن حصص المطاحن الشهرية والمقدرة ب7 ملايين طن شهريا سيتم توفيرها بشكل عادي لضمان تزويد السوق بمنتوج "الفرينة" و"السميد". س: ما هي الأسباب الحقيقية وراء انخفاض إنتاج القمح الصلب بالنسبة للموسم الفلاحي السابق (2013 / 2014)؟. الجواب: نحن في الديوان الجزائري المهني للحبوب، لا نرى أن انخفاض إنتاج القمح هذا الموسم كارثي بالنظر إلى أسباب الانخفاض التي مردها نقص المياه في مراحل حساسة في سلسلة نمو السنابل وهي التي تخص شهري مارس وأفريل، ففي هذه الفترة تكون البذرة في حاجة لكميات كبيرة من المياه، في الوقت الذي سجلنا جفافا لمدة 54 يوما، وما زاد من تعقد الأمر هو ارتفاع درجات الحرارة لأكثر من 36 درجة شهر أفريل، وهي الحرارة التي أدت إلى جفاف القمح. لكن نحمد الله أن الفلاحين اجتهدوا في هذه الفترة وضاعفوا من عمليات السقي التكميلي، وهو ما يعني أننا بلغنا نسبة من المهنية لدى الفلاحين المختصين في هذا الإنتاج، خاصة وأنهم قاموا باقتناء عدة تجهيزات وعتاد عصري في مجال البذر والحصاد، ناهيك عن عمليات تحليل التربة لتحديد نوعية الأسمدة التي يمكن استغلالها للحصول على إنتاج من نوعية جيدة. كما لا يخفى على أحد أن نفس الظروف المناخية التي ميزت الموسم الفلاحي السابق سجلت خلال السنوات الفارطة، وحينها بلغ إنتاج القمح 16 مليون قنطار، وعليه يمكن أن نقول أننا حققنا "المعجزة"، علما أن معدل إنتاج القمح من 2009 إلى يومنا هذا بلغ 45 مليون دج مقابل 27 مليون قنطار خلال العشريات السابقة. لكن هذا الانخفاض لا يجب أن ينقص من عزيمتنا خاصة ونحن على أبواب موسم الحرث والبذر للموسم الفلاحي الجديد، خاصة وأن العمل الذي يقوم به الديوان بالتنسيق مع التعاونيات الفلاحية، سمح لنا بتحديد مشاكل الفلاحين ونحن نعمل على حلّها و اقتراح العديد من التحفيزات لتسهيل عملهم. س: هل هذا يعني أنكم ستجمدون نادي ال"50" للفلاحين الذين حققوا أكثر من 50 قنطارا في الهكتار؟ ج: لا، بالعكس سنقوم بتشجيع الفلاحين الذي بذلوا مجهودات كبيرة خلال الموسم الفلاحي السابق، كما أن انخفاض الإنتاج لا يعني انخفاضا في المردود، علما أننا سجلنا عددا من الفلاحين الذين حققوا بين 73 و75 قنطارا في الهكتار، وسيتم إدخالهم نادي "50" مثل كل سنة. "الظروف المناخية للجزائر تتماشي وإنتاج القمح الصلب وسنعمل على العودة للعادات الاستهلاكية القديمة" س: معظم إنتاج القمح بالجزائر يتمثل في القمح الصلب فقط، في حين أن الطلب مرتفع بالنسبة للقمح اللين، لماذا لا يتم توجيه الفلاحين لهذا النوع من الإنتاج لتخفيض فاتورة الاستيراد؟. ج: من درس تاريخ الجزائر يعرف أن القمح اللين دخل التراب الوطني خلال الفترة الاستعمارية من طرف المعمرين بالنظر إلى ثقافتهم الاستهلاكية، في حين كانت الجزائر لعدة سنوات مختصة في زراعة القمح الصلب بالنظر إلى الظروف المناخية المواتية. ولا أنكر أننا قمنا في السابق بمحاولات للرفع من طاقات إنتاج القمح اللين عبر مساحات صغيرة، لكن ظاهرة الجفاف جعلت المردود جد ضعيف من جهة، بالإضافة إلى صعوبة تسويقه لدى المطاحن التي تطالب بمواصفات خاصة تماشيا وطلب الخبازين، وذلك بسبب تلف المنتوج بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة وصلابة حبة القمح التي يتم حصدها تحت درجات حرارة تزيد عن 40 درجة، وعليه قررنا التركيز على تكثيف إنتاج القمح الصلب الذي يبقي الأغلى ثمنا في البورصة العالمية ب200 دولار. من جهة أخرى سنعمل على تشجيع المستهلك الجزائري على تغيير نمطه الاستهلاكي من "الفرينة" إلى "السميد" للحفاظ على صحته بالدرجة الأولي، وتخفيض فاتورة الاستيراد. س: ونحن نتحدث عن فاتورة الاستيراد التي بلغت 970 مليون دولار، ما هي الشروط المطلوبة من الممونين، وما هي نوعية القمح الذي يستهلكه المواطن؟ ج: الجزائري يدرك جيدا ما يريده، وعليه فقد تم تشديد بنود دفاتر الشروط الخاصة بالديوان الجزائري المهني للحبوب حتى يتم تلبية طلبات السوق الوطنيةّ بمنتوج ذي نوعية، وهي البنود التي جعلت الفلاحين الأوروبيين يحسنون من نوعية القمح الموجه للسوق الجزائرية، علما أنه في بداية عمليات الاستيراد كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الوحيدة التي تستوفى كل الشروط قبل أن يتفطن الأوروبيون ويدخلون تعديلات على إنتاجهم. س: هل هذا يعني أن الجزائر تستورد قمحا معدلا جينيا؟ ج: طبعا لا، لأن البحوث العلمية في مجال التعديل الجيني مست بذور الذرة فقط ولا يمكن تعديل بذور القمح الصلب واللين. س: تركز وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، منذ مدة على ضرورة عصرنة قطاع الفلاحة وإدخال "المكننة" العصرية للرفع من قدرات الإنتاج، ما هو واقع إنتاج القمح أمام التطور الحاصل في تقنيات وأساليب البذر والحصاد؟ ج: ما يمكن أن أشير له اليوم وبكل افتخار، أن التعاونيات ساهمت في فتح 42 وحدة لإنتاج العتاد الفلاحي وهو ما دعم الفلاحين ب5 آلاف عتاد يخص الحرث والبذر وتبسيط الأرض بعد البذر، وهي آلة جديدة تم عرضها على الفلاحين لتبسيط المساحات المزروعة بعد البذر لضمان عدم إتلاف البذور. س: وما هو عدد التعاونيات الفلاحية التابعة للديوان الجزائري المهني للحبوب؟ ج: بلغ عدد التعاونيات عبر التراب الوطني 41 تعاونية تنشط بالتنسيق مع ستة اتحادات للفلاحين المتخصصين في مجال زراعة القمح والحبوب الجافة، علما أن عدد المهنيين في شعبة القمح بلغ 600 فلاح. س: الحديث يدور حول الرفع من طاقات الإنتاج ومضاعفة المردود، ماهي المشاكل الحقيقية في الواقع؟ ج: المشكلة الكبرى التي تخص شعبة إنتاج القمح تخص تقلص المساحات المزروعة من سنة إلى أخرى، وهو يعتبر عائقا أمام الفلاح الذي يود استغلال العتاد الحديث في مجال البذر وخاصة السقي التكميلي، وعليه نعمل على تشجيع الفلاحين على الرفع من هذه المساحات حتى تصل إلى 300 و400 هكتار لكل مستثمرة متخصصة في القمح، وهو ما يسمح لنا بمساعدة الفلاح على تحليل نوعية التربة وتحديد أنواع المزروعات التي يمكن استغلالها في فترات راحة الأرض. كما يسعى الديوان إلى دفع الفلاحين للعمل في شكل تعاونيات من خلال جمع المستثمرات الفلاحية القريبة من بعضها لخلق مستثمرة واحدة من الحجم الكبير، مشيرا إلى أن نظام العمل في شكل تعاونيات هو الذي جعل أوروبا رائدة في الإنتاج الفلاحي، علما أن أول ما ظهر هذا النظام كان في الجزائر سنة 1925 وتم نقله إلى أوروبا سنة 1936. تقلص المساحات المخصصة لزراعة القمح وراء انخفاض مردود الإنتاج س: حديثنا عن المناخ شبه الجاف للجزائر ومطالبة الفلاح بتكثيف الإنتاج يجعلنا نركز على تعميم تقنية السقي التكميلي، ما الذي تم تحقيقه على أرض الواقع؟. ج: نحن نعمل بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية للرفع من عدد المحيطات المسقية، وغالبا ما نطلب من الوكالة الوطنية للسدود والتحويلات الكبرى مضاعفة عدد حالات تفريغ السدود في الأودية الممونة لأحواض السقي، على أن يكون ذلك في أوقات محددة بالتنسيق مع الغرف الفلاحية. أما فيما يخص مشاكل السقي التكميلي فهي مرتبطة ببعد مصادر المياه من المستثمرات الفلاحية مما يتطلب وجوب إنجاز قنوات تمتد لعدة كيلومترات. وفيما يخص المناطق الصحراوية فقد سجلنا عدة عراقيل لتجهيز المستثمرات بسبب عدم تحصل الفلاحين على عقود الامتياز مما يعني أنه لا يمكنهم الحصول على بطاقة الفلاح ولا على دعم الدولة، وهو الإشكال الذي يتم حلّه حاليا بالتنسيق مع المصالح الفلاحية و مديرية أملاك الدولة. من جهة أخرى طلبنا من مديري الفلاحة تنظيم لقاءات شهرية مع لجان الإرشاد الفلاحي بهدف توجيه أعوان الإرشاد الفلاحي إلى المستثمرات الفلاحية البعيدة، وشرح آليات الدعم المقترحة من طرف الدولة خاصة بالنسبة لاقتناء تجهيزات السقي التكميلي، وسيقوم الأعوان بتحديد مصادر المياه لكل مستثمرة ومساعدة الفلاحين على عصرنة نشاطهم الفلاحي. س: وماذا عن توزيع الأسمدة والبذور المحسّنة على الفلاحين؟ ج: يعمل الديوان على مسايرة التطور الحاصل في مجال زراعة القمح. وعليه، فقد رفعنا من حصص كل الأسمدة الموزعة على الفلاحين من 400 قنطار إلى 2,2 مليون قنطار في السنة، أما فيما يخص البذور المحسّنة فهي وسيلة نعتمد عليها لضمان النوعية في الإنتاج، وعليه يتم في كل سنة الرجوع إلى المخبر الوطني للمحاصيل الزراعية، لاعتماد كل البذور، سواء المستوردة أو التي يتم جمعها من عند الفلاحين. ولمحاربة السوق الموازية قررت الإدارة ابتداء من هذه السنة تخصيص شاحنات لتسويق البذور عبر كل الأسواق الخاصة بالمعدات الفلاحية و السماح للفلاح باقتناء بين قنطار و نصف قنطار من خلال إظهار بطاقة التعريف الوطنية لتحرير فاتورة البيع ومن هنا يمكن أن نصل إلى أكبر عدد من الفلاحين. وبالنسبة للموسم الفلاحي الجاري "2014/2015" خصصنا 3 ملايين قنطار من الحبوب المحسنة. س: رفع عدد من الفلاحين إشكالية تأخر دفع مستحقات بيع الحبوب وطول انتظار الشاحنات أمام مخازن التعاونيات مما يعرض المنتوج للتلف، هل تم اتخاذ إجراءات لتسهيل عملية بيع وتخزين المنتوج؟ ج: مشكل تأخر دفع المستحقات قضينا عليه نهائيا، أما فيما يخص طوابير الشاحنات أمام المخازن فسيتم حل الإشكال السنة المقبلة مع استلام 24 مخزنا عصريا موزعا عبر 22 ولاية يتم حاليا إنجازه في إطار مشروع يضم 39 مخزنا، وهي المخازن التي تستوعب 8,2 مليون قنطار ستضاف إلى مخازن الديوان التي تبلغ طاقتها 27 مليون قنطار. استيراد أكثر من 10 ملايين قنطار من الشعير، عزوف الفلاحين عن تخزين إنتاج هذا الموسم بسبب ارتفاع أسعار السوق السوداء س: وماذا عن إنتاج الشعير؟ ج: الظاهرة التي سجلناها هذه السنة هي أن الفلاحين لم يسلموا مادة الشعير لمخازن الديوان بسبب ارتفاع أسعار المنتوج في السوق السوداء، فلا يخفى على أحد أن المربين يقومون بتسمين الخرفان بمادة الشعير تلبية لطلبات المستهلك، وهو ما جعل الطلب على هذه المادة يرتفع بشكل كبير خاصة خلال فترة غلق أسواق بيع المواشي. ولضمان مخزون استراتيجي لمادة الشعير قمنا باستيراد أكثر من 10 ملايين قنطار، كما شرعنا في توزيعها على المربين، ونظرا لنقص السيولة المالية لدى عدد من الموالين قررنا بالتنسيق مع التعاونيات بيع المنتوج بالتقسيط بالنسبة للموالين المتعودين على الديوان. س: لكن مثل هذه التصرفات وسعت ظاهرة تسويق المنتوج في السوق الموازية من طرف مربين لا يحملون بطاقة موال؟. ج: الديوان الوطني للحبوب ليس مراقبا، فالقوائم تأتي من الغرف الفلاحية ومديرية المصالح الفلاحية ويتم إعدادها من القاعدة بعد تقديم الموالين لملفاتهم للمصالح المختصة، نحن لا يمكننا الخروج ومراقبة ما إذا كان للموال قطيع غنم أو لا، كما طلبنا من الموالين إعلام مصالح الديوان بهؤلاء "البزناسية" لوضع حد للسوق الموازية، علما أن سعر القنطار عند الديوان بلغ 1500 دج وفي السوق السوداء 2500 و4000 ألف دج س: وماذا عن إنتاج الحبوب الجافة؟ ج: قمنا بإعداد برنامج مع التعاونيات لجمع الإنتاج الوطني، لكننا وجدنا أنفسنا أمام إشكال يخص عدم تنظيف المنتوج من الشوائب والأتربة بسبب عدم توفر اليد العاملة مما جعل الفلاحين يستغلون الحاصدات الخاصة بالقمح، وهو ما يتطلب منا تنظيف المنتوج وتعبئته في أكياس قبل البيع. كما سجلنا عجزا في تسويق المنتوج يخص عزوف المستهلك عن اقتناء مادة الحمص المحلية بسبب العيار الصغير الذي لا يزيد عن 7 مليمترات، في الوقت الذي يصل فيه عيار الحمص المستوردة 12 مليمترا، ورغم جودة المنتوج المحلي الذي لا يزيد سعره عن 50 دج للكيلوغرام الواحد يفضل المستهلك الجزائر الإنتاج الأجنبي بسعر 150 دج، وهو نفس الإشكال المسجل بالنسبة لمنتوج العدس. س: ما هي التسهيلات المقترحة على الفلاحين للرفع من مردود إنتاج القمح بالنسبة للموسم الفلاحي الجديد؟. ج: أول مبادرة قمنا بها شهر أوت الفارط، هي فتح شباك موحد على مستوى كل التعاونيات بهدف تسهيل كل الإجراءات الإدارية للاستفادة من قرض الرفيق، كما تمت مراسلة كل مسيري التعاونيات لتسليم الفلاحين البذور المحسّنة والأسمدة المطلوبة قبل حتى الانتهاء من دراسة ملفاتهم من طرف بنك الفلاحة والتنمية الريفية، في انتظار فتح شبابيك للبنوك التي يتعامل معها الفلاح داخل التعاونيات حتى لا يضطر للتنقل إلى الوكالات البنكية التي غالبا ما تكون بعيدة عنه، وهي المبادرة التي قمنا بها لتحسين ظروف عمل الفلاح. س: كل هذه المجهودات المبذولة من طرف الديوان والفلاح للرفع من إنتاج القمح تقابلها ظاهرة التبذير خاصة بالنسبة للخبز، هل من إجراءات للحد من هذه الظاهرة؟. ج: لا أنكر أنني أقف مذهولا أمام المفرغات العمومية أو مداخل العمارات عندا أرى أكواما من الخبز تخلص منها المواطن وكأنها "فضلات"، وأتذكر حينها العمل الدؤوب الذي يقوم به الفلاح وعمال التعاونيات 24 ساعة على 24، وهو ما جعلنا نفكر في بث ومضة تحسيسية عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية لتحسيس المواطنين بضرورة العقلنة في اقتناء مستلزماته من خبز وعجائن.