يشكل الوسط الذي نعيش فيه هوية الفرد وانتماءه ، لأنه الفضاء الذي يتواجد فيه، لذا نجد أنه يتفاعل معه، فيؤثر فيه ويتأثر به، وكلما كان التأثير إيجابيا، عكس مدى اهتمام الفرد بمحيطه، ولعل العمل الذي قام به الشباب المتفاعل مع بيئته بهدف الحفاظ على نظافتها وجمالها، من خلال انتشار ظاهرة دهن السلالم التي اجتاحت بعض أحياء العاصمة وانتقلت إلى باقي ولايات الوطن، إنما تدل على أن الشباب الجزائري يجسد أسمى درجات الانتماء بالنظر إلى السلوك الإيجابي الذي تبنوه بصورة تطوعية، الذي يتماشى والطبيعة البشرية التي تتطلب التحضر. تعتبر المختصة النفسانية مونية دراحي لجوء الشباب إلى دهن السلالم والجدران يعكس ما يسمى في علم النفس ب«ميكانيزم التسامي» الذي يقصد به تحويل السلوكات السلبية إلى طاقة إبداعية فنية ناجمة عن الرغبة في التغيير ويجسد هوية الفرد، ومنه فإن مثل هذه المبادرة تنم عن وعي بيئي وحس مدني. يعتبر استعمال الألوان حسب المختصة النفسانية من أحسن الأساليب المعتمدة في علاج مختلف الأمراض النفسية، لأنها تعطي الانطباع بالارتياح والطمأنينة والهدوء والسكينة، كما أثبتت العديد من الأبحاث التي طبقت على حقيقة تأثير الألوان مدى نجاعتها في علاج بعض حالات الاكتتاب والقلق، دون أن ننسى تضيف المتحدثة، بأن الألوان جاء ذكرها في القرآن الكريم، نظرا لأهميتها في حياة الفرد، علاوة على حكمة الله في اختلاف ألوان البشر، والتنوع الكبير في ألوان الكائنات الحيوانية والنباتية. وفي ردها على سؤالنا حول المعاني التي تحملها بعض الألوان التي تعمد الشباب استعمالها في عملية الدهن لإعطاء الأحياء وجها جديدا، جاء على لسان المختصة النفسانية «بأن الاعتماد على التنويع في الألوان، حتى وإن كان غير مقصود، يلعب دورا كبيرا في تغيير النفسيات، وإذا أخذنا اللون الأصفر، مثلا، في التحليل يمكن القول بأن له قدرة كبيرة على تنشيط خلايا المخ، وبعث السرور، كما أنه مرتبط بغدة البنكرياس والكبد، ويستخدم عادة في علاج الأمراض العقلية. أما بالنسبة لاستخدام اللون الأحمر، فهو مرتبط بغدة الأدريالين المحفز للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والخمول، بالتالي يستحسن أن يشاهد الفرد مثل هذه الألوان في الصباح، مثلا، ليتحسن مزاجه، أما بالنسبة لاعتماد اللون البرتقالي، فهو بحسب الدراسات العلمية مرتبط بمناعة الجسم، ومحفز للناس الذين يعانون من نقص في الشهية، بالتالي يمكن القول أن هؤلاء الشباب حتى وإن لم يدركوا معاني هذه الألوان، إلا أنهم حققوا في الواقع هدفين؛ الأول جمالي والثاني علاجي». ويعتبر إدراج اللون البني مفيدا أيضا على الجدران والسلالم، حسب المتحدثة، لأنه دائما يعكس العلاقة بين الفرد والتراب، ويعطي الشعور بالاستقرار والثبات، كما يمتص الطاقة السلبية، لذا ينصح المختصون بالمشي بأقدام حافية على كل ماله لون بني كالتراب، أما بالنسبة للون الأخضر الذي يعتبر من أوفر الألوان حظا، بالنظر إلى عدد المرات التي ذكر فيها في القرآن، حيث قدرت بحوالي 8 مرات، فإن له العديد من الفوائد العلاجية، يكفي القول بأنه لون الأشجار، ومنه يساعد على تحسين آلية التنفس لما له من قدرة على جعل الفرد يشعر بالارتياح والاسترخاء، أما بالنسبة للون البنفسجي الذي يعتبر من الألوان القوية فقد أحسن الشباب استخدامه في مختلف لوحاتهم الفنية، لأنه يساعد على امتصاص طاقة الغضب لارتباطه بالغدة الصنوبرية، كما ثبت أنه علاج فعال في مختلف الاضطرابات العاطفية، وهو حقيقة ما يحتاج إليه الشباب في مجتمعنا. قد يرفض البعض اللون الأسود، لكن الشباب المبادر بهذه الخطوة الإيجابية أحسن إشراك كل الألوان في أعماله الإبداعية، يكفي القول فقط بأن اللون الأسود يعكس الوقار، ورغم أنه يبعث الشعور بالاكتئاب، إلا أن إرفاقه باللون الأبيض من شأنه أن يضفي لمسة من النقاء والصفاء.