كان الموعد مميزا وحميميا مساء أوّل أمس، جمع عددا من المثقفين الذين عايشوا سنوات العطاء والزخم الإبداعي التي شهدتها الباهية وهران في شتى أشكال الفنون الأدبية خلال سنوات التسعينيات، وهو المشهد الذي خيّم على الندوة التي نظّمت على هامش فعالية الطبعة السابعة عشر للصالون الوطني للكتاب الذي تحتضن حاليا فعالياته مدينة وهران. اللقاء سافر بالحضور وعانق روح الأديب الراحل بختي بن عودة، ابن الباهية ومثقفها البارز الذي اغتيل قبل عشرين سنة... هو الإعلامي والناقد الأكاديمي بختي بن عودة الذي طالته يد الغدر فرحل دون أن يكمل مشروع حلمه الكبير "الحداثة"، التي ظلّت هاجسا يسكنه ويؤرقه حالما بأن يرى لوهران وجها ثقافيا مشرقا يرسم تعابيره مثقفوها. اللقاء كان عبارة عن شهادات لعدد من أصدقاء بختي بن عودة وهم الأستاذ الجامعي السابق كاظم العبودي، أستاذ الفلسفة منير بهادي، الأستاذ محمد بوزيد والشاعر عبد الله الهامل الذي يشغل مدير المكتبة العمومية لمدينة تندوف وكانت تربطه علاقة صداقة وطيدة بالمرحوم بختي بن عودة، حينما كان يدرس بجامعة وهران قادما إليها من بشار، فاحتضنه بختي بن عودة - كما يقول - أيام التشرّد كأخ لم تلده أمه، مضيفا أنّه لا يجيد التعبير إلاّ عن طريق لغة الشعر، فقدّم قصيدة كانت رسالة إلى صديقه يحكي له فيها التطوّرات التي حدثت بعد رحيله، وكم يفتقده ويحنّ للقاءات التي كانت تجمعهما وبثلة المثقفين بمقاهي وشوارع مدينة وهران، التي كانت تنبض بروح الإبداع والثقافة. أمّا الدكتور كاظم العبودي، فقد اقترح في مداخلته أن يتمّ التأريخ لهذه الندوات واللقاءات الأدبية، وإسهامات المشاركين حتى لا تذهب هباء منثورا، لاسيما تلك التي جرت في فترة التسعينيات، والتي اعتبرها الفترة الذهبية للحركة الثقافية بولاية وهران، وهي الحركة التي قادها الصحفي والناقد والكاتب بختي بن عودة. وأجمع المتدخلون وتوحّدوا حول فكرة واحدة مفادها أنّ شعلة الثقافة انطفأت برحيل هذا الرجل الذي أسّس حسبهم لتقاليد ثقافية ومواعيد جعلت الباهية وهران في صدارة الولايات التي تعيش بها الحركة الثقافية في أوجها، كما اقترح أصدقاء الكاتب الراحل بختي بن عودة، ومن عايشوه أن لا تبقى مثل هذه اللقاءات مجرد تأبينية أو مجلس عزاء، وإنّما يجب أن تكون قيمة إضافية لولاية وهران التي أحبّها بن عودة وعشقها حتى النخاع وفضّل أن يساهم في محاربة الظلام الذي فرضته إيديولوجيات هدّامة خلال سنوات الجمر والتي أرادت أن ترجع الجزائر إلى الوراء عقودا من الزمن، كما اعتبروا أنّ بختي بن عودة يستحق أياما دراسية تناقش فكره الذي سبق جيله. في حين، أشار الأستاذ محمد بوزيد إلى أنّه لا وجود للثقافة في وهران، بل هناك ما وصفه بالخراب حسب تعبيره، فالمشهد باهت لا يعكس صورة الباهية في الواقع، كما تحسّر هو وكثيرون ممن أخذتهم الأنفة والغيرة على وهران على تلك الأيام الجميلة التي كان يصنعها بختي بن عودة مع زملائه من خلال الملتقيات التي كانت تنظم تحت إشراف جمعية "آفاق" الثقافية، والموعد الثقافي الأسبوعي الذي كان لقاء للبوح لمبدعي الولاية من شعراء وروائيين كل مساء أربعاء بقاعة "عمار بلحسن" وسط المدينة التي أصبحت تعيش فراغا ثقافيا حقيقيا عجز أبناء الجيل الجديد عن ملئه.