معرض الفنانة آمال بن غزالة يملأ العين، لتتفتق فيه متعة الألوان والأنوار؛ الأمر الذي يخلق في وجدان زائره البهجة وحب الحياة، حيث تملك هذه الفنانة المحترفة قدرة خارقة على اللعب بالبصر، معتمدة في ذلك على اللون كأداة إغراء تشدّ الناظر وتوجهه أنّى شاءت، ربما ذلك راجع أيضا إلى تخصصها في الاتّصال البصري، كما يدرك الزائر في حينه مدى التشابه بين هذه الفنانة والراحلة باية في الأسلوب الفني "الساذج" المعبّأ بالأحاسيس والانفعالات. تعرض الفنانة آمال لوحاتها ال28 برواق "حسين عسلة" إلى غاية 16 أفريل الداخل، تحت شعار "انفجار"، وهي تقصد به أساسا انفجار الألوان التي لا تستثني منها لونا، مع تسليط الأضواء عليها قدر المستطاع لتبعد عنها العتمة والدكانة، التي تُسقطها بشكل متعمد من ملامح الحياة؛ لأنّها قرينة دائما بكلّ ما هو مبهم وحزين ومتألم وغاضب. اختارت آمال بن غزالة الألوان المائية على القماش، مستعملة جميعها بدون استثناء، باعتبارها تعكس حب الحياة، وتعكس أيضا جانبا من شخصيتها المنطلقة المحبة للتفاؤل، لذلك تتحدّث لوحاتها عن الطبيعة وعلاقتها بالإنسان والحرية، ولم تعط الفنانة عناوين للوحاتها، بل اكتفت بترقيمها، تاركة الفرصة للجمهور كي يقرأها وفق اجتهاده وإحساسه من دون توجيه أو تدخّل مباشر منها. تزهو الألوان وتزهر نتيجة الإضاءة القوية في اللوحات، وغالبيتها من الألوان الزاهية والطبيعية، وأحيانا الفاقعة مثل الأصفر والأحمر والأخضر، كما تعتمد آمال على التواصل مع العين، وتحاول إيجاد حيّز مهم للتفاصيل وللرموز والإيحاءات التي تبدو عفوية في غالبيتها، منبثقة من عالم خيالي وعجيب آت من الأساطير القديمة، السيادة المطلقة فيه للسذاجة كدليل على النقاء وصفاء النفس التي لم تلوَّث بعد بالعتمة والظلامية. ما يلاحَظ في معرض "انفجار" أنّ هناك بطلا رئيسا مشتركا بين جميع اللوحات، يتمثّل في كائن يشبه النبات، ويتّخذ صفة حيوان أو إنسان من خلال العيون والتعابير التي تختلف من لوحة إلى أخرى. ففي اللوحة "رقم 7" مثلا، ينتشر اللون الأزرق السماوي، تشقّه الخطوط الخضراء المزهرة وراء هذا الكائن العجيب المتحرّك، ليبحلق في المشاهد بعينيه الدائريتين وكأنّه يراقبه. يطغى اللون البنفسجي على اللوحة "5" مع تواجد محتشم لألوان أخرى كثيرة وعودة للكائن العجيب الذي يتّخذ شكل إنسان يمتد بأطرافه التي تشبه النبات، ليكتسح اللوحة وحده. وتزركش الفنانة اللوحة بدوائر ملوّنة مرصّعة بالزخارف والرموز. أما اللوحة "25" فهي عمودية ضخمة مقسّمة إلى ثلاث لوحات، بها فضاءات مشكّلة من دوائر كبيرة مملوءة بدورها بدوائر مجهرية ورموز مختلفة، تتكامل في انسجام وانسياب لتعطي نموذجا فنيا فاتنا لا تناقض فيه. وتمتدّ عبر المعرض أيضا اللوحات الضخمة التي تشبه الجداريات، وتعكس تمكّن هذه الفنانة في استغلال المساحات بالألوان والأشكال بدون أن يكون ذلك بشكل ارتجالي أو من خلال سياسة ملء الفراغات، بل للمساحة دور في استعراض المعاني والأفكار بشكل مكبّر، يعطي لكلّ عنصر حقه في الظهور. كُلّل المعرض بتجارب الفنانة التي صقلت مواهبها بالتكوين الأكاديمي والبحث في أدوات فنية أبلغ على الإيصال. وتسعى هذه الفنانة للخرافية التي تمثّل ذاكرة المجتمع، كما ترى الأشياء بلون فاتح متفائل، وبحرارة تثير الدهشة، وتتصارع وترفض كل ما هو عنيف وقبيح لتصل إلى مكنونات عالم جميل وراق. للتذكير، الفنانة من مواليد سنة 1969 بالعاصمة، ومتخرّجة من المدرسة العليا للفنون الجميلة. تكوّنت في بعض التخصصات، منها الاتصال المرئي وفي الطباعة والتصميم المطبعي، كما أقامت العديد من المعارض داخل وخارج الوطن، وهي دوما تبحث عن مكانة مرموقة للفن التشكيلي النسوي في بلادنا لا يقل عن تراث الراحلة باية، التي فتحت للجزائريات هذا الباب واسعا. ويلاحَظ أيضا أنّ الفنانة مرتبطة كثيرا بالألوان الأنثوية كرمز لوجود المرأة الجزائرية خاصة في العالم التشكيلي، وأيضا الأزرق اللون الأندلسي ولون العاصمة المرتبطة دوما بالماء والزرقة والصفاء والأنوار الربانية. وتواصل آمال دربها في البحث عن التفاصيل والأشكال الضخمة في آن واحد، لتعطيها نفس الحظوظ والحضور؛ فاللوحة لا تقبل التهميش ولا تقبل أن يطغى الكبير على الصغير، وهي فلسفة عامة لحياة أكثر أمنا وأكثر جمالا وعدلا.