أجمع أخصائيون في التنمية البشرية وممثلو حكومات ومنظمات عربية، على أهمية تغيير سياسات الحكومات العربية تجاه الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة من المجتمع، بالانتقال من سياسات الدعم والإعانات الاجتماعية إلى سياسات استثمارية منتجة، توفر مناصب الشغل؛ لتمكين الفئات الفقيرة من الاعتماد على نفسها والمشاركة في التنمية، وحماية الطبقة المتوسطة من الفقر الذي بات يهددها مع تراجع القطاع العمومي في عدة دول عربية. أكدت السيدة مونية مسلم وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، على إلزامية إيجاد آليات موضوعية لمحاربة الفقر ووضع سياسات تشاركية ترقى بالمواطن العربي إلى مستوى الحياة الكريمة؛ بجعله يشارك في التنمية، وذلك من خلال جمع كل التصورات ودراستها للخروج بحلول يمكن تجسيدها لمواجهة الفقر. وأشارت السيدة مسلم في كلمة ألقتها خلال ورشة العمل الخاصة بتدريب المدربين على إعداد خرائط الفقر في الدول العربية التي انطلقت أمس بفندق الأوراسي بالجزائر، إلى أنه بالرغم من الجهود المبذولة من طرف الدول العربية لمحاربة الفقر إلا أن التقارير تؤكد وجود تحديات أكبر واستمرار هذه المأساة، مما يستدعي مضاعفة هذه الجهود للتكفل بحاجيات المواطن التي تختلف من منطقة إلى أخرى، وتزيد كلما اتجهنا من المدن نحو الأرياف والمناطق النائية المعزولة. كما توقفت الوزيرة عند أهمية وضع خرائط تحدد مناطق الفقر ومؤشراتها في هذه الدول، التي من شأنها – كما قالت – إيجاد السبل الكفيلة بإخراج هذه الفئة من دائرة العزلة والتهميش، مذكرة بجهود الجزائر في هذا المجال، والتي تتجه لتحقيق أهداف الألفية من خلال سياسة اجتماعية مبنية على أسس متكاملة ومتناسقة موجهة للفئات الهشة، وإطلاق برامج لفائدة عالم الريف وغيرها من الورشات الكبرى؛ لبعث الاقتصاد الوطني بدون التخلي عن "مبادئ الدولة الاجتماعية بامتياز". وأوضح الباحثون وممثلو الهيئات المشاركة في هذا اللقاء، أن نسبة الفقر في الدول العربية تتراوح ما بين 10 و12 بالمائة، وبالرغم من أن هذا الرقم غير مرعب فإنه يستدعي اتخاذ الإجراءات الضرورية للتقليص منه. وفي هذا السياق، اقترح السيد نصر الدين حمودة رئيس قسم التنمية البشرية والاقتصاد الاجتماعي بمركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية على الحكومات العربية، بلورة استراتجيات فعالة لحماية الطبقة الفقيرة، خاصة الشباب والفئات القادرة على العمل، وذلك بخلق استثمارات منتجة توفر مناصب شغل لهذه الفئة، لإخراجها من الفقر والحرمان بدل الاعتماد على سياسات الدعم والإعانات الاجتماعية فقط التي تقدمها الدولة للعائلات المعوزة بدون التخلي عن هذا الدعم والإعانات نهائيا، والتي لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة لكبار السن والمعاقين والعاجزين عن العمل، يضيف المتحدث. وأرجع السيد حمودة مشكل الفقر في الدول العربية بما فيها الجزائر في أغلب الأحيان، إلى عدم تكافؤ الفرص في التوظيف واللامساواة، مشيرا إلى أن نسبة الفقر في الجزائر ليست مرتفعة كثيرا مقارنة بالعديد من الدول العربية، غير أن الوقت حان للتفكير في تعويض سياسات الدعم والإعانات بسياسات دائمة من شأنها ضمان مصدر رزق وحماية كرامة الأشخاص. كما أكد المتحدث على أهمية القيام بدراسات مسحية شاملة لتقييم سياسات الدعم الموجهة للفئات المعوزة، لمعرفة إن كانت تحقق أهدافها وتصل إلى أصحابها، خاصة أن الميزانيات المخصصة لها كبيرة جدا. وألح المتحدث على أهمية إيجاد حلول ناجعة في إطار هذه الاستراتجيات لحماية الطبقة المتوسطة من المجتمع وذوي الدخل المتوسط التي تمثل نسبة 35 بالمائة من المجتمع في العالم العربي، وتتجاوز هذا الرقم قليلا بالجزائر، مشيرا إلى أن هذه النسبة عرفت تراجعا في الدول التي عاشت ثورات عربية بسبب تراجع اقتصادها؛ مما جعل بعض العائلات التي كانت تصنَّف في خانة ذوي الدخل المتوسط، تتعرض للفقر، مشيرا إلى أن الأوضاع الحالية تستدعي اتخاذ تدابير استعجالية لحماية هذه الطبقة المهددة بالفقر؛ بسبب تراجع الاقتصاد العمومي وتسريح العمال. وأجمع المتدخلون في اللقاء على أن العقد الاجتماعي القديم في الدول العربية، وصل إلى حده الأقصى، في الوقت الذي زادت الفجوة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، مما يستدعي الإسراع في إيجاد حلول لتوفير الوظائف اللائقة للطبقة الوسطى عوض هيئات الدعم التقليدي؛ حفاظا على الاستقرار، في الوقت الذي بيّنت التحقيقات والدراسات أن أغلب الفئات المشاركة في الثورات العربية، كانت من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. وتدوم هذه الورشة التي انطلقت أمس، مدة أربعة أيام، بمشاركة 150 ممثلا عن مختلف الدول الأعضاء بالجامعة العربية؛ من أخصائيين وخبراء في مجال التنمية الاجتماعية ومكافحة الفقر. وتهدف إلى عرض وتطوير منهجيات إعداد خرائط الفقر في الدول العربية لفائدة العاملين في مجال مكافحة الفقر، لتبادل التجارب بين دول المنطقة في هذا المجال، كما ترمي إلى تكوين المدربين والعاملين المتخصصين في مجال إعداد خرائط الفقر في المنطقة.