تنام الجزائر على ثروة وقفية هائلة، منها ما تم استرجاعه ومنها ما لا يزال مجهولا أو مطموسا أو مسلوبا بحجّة الإرث أو الملك المشاع.. ومن هذا المنطلق فكرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، في استرداد أوقاف الجزائر على كثرتها واستغلالها في المشاريع ذات المنفعة العامة. وحسب وزير القطاع فإن القوانين الجزائرية في هذا المجال لم تعد كافية لإعادة الأوقاف والتعرّف عليها، الأمر الذي تطلب تحيين ما هو موجود من قوانين بالاستعانة بالتجارب العربية الرائدة ومنها القانون الاسترشادي للوقف الذي من شأنه الإسهام في تطوير قانون الوقف الجزائري. ولدى إشرافه أمس، على افتتاح ندوة علمية دولية حول "القانون الاسترشادي للوقف"، أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، أن قطاعه بصدد إصلاح منظومة الأوقاف ومراجعتها بهدف تحيينها وإعادة بعث فكرة الوقف لدى المجتمع الجزائري لما لها من أهمية في تنمية الاقتصاد والمجتمع، مضيفا أن هذا اللقاء يعد بداية مشروع إصلاح الأوقاف الجزائرية من خلال إدخال جملة من التعديلات على بعض مواده وعصرنتها بما يتماشى وواقع الحال، وما هو متعامل به في الدول التي تتعامل مع مبدأ الوقف. وفي هذا السياق، دعا وزير القطاع إلى الاستفادة من التجارب الدولية في مجال تسيير الأوقاف ومنها الاسترشاد بالقانون المرجعي في مجال الأوقاف والمعروف بالقانون الاسترشادي للوقف الذي تمت صياغته من طرف دول العالم الإسلامي ومن بينها الجزائر، إلى جانب الاستلهام والاستفادة من تجارب المؤسسات الإسلامية الناشطة في مجال الأوقاف. وتطرق الوزير في افتتاحيته إلى تجربة الجزائر القوية في موضوع الوقف، مشيرا إلى أول وقفة حصلت على أرضها وهي للصحابي عقبة بن نافع الفهري، الذي أوقف أرض الجزائر لله وهو ما دفع بالعلماء إلى اعتبار أن كل من سقط فيها شهيد في سبيل الله. ولأهمية وحساسية هذا الملف، طالب الوزير بفتح نقاش موسع مع مختلف الفاعلين، وكذا استشارة القطاعات الوزارية المنتمية للجنة الوطنية للأوقاف والتي تضم 15 وزارة للخروج بإطار قانوني وتشريعي جديد للوقف يتماشى وخصوصياتنا الوطنية والدينية، ويتم تمريرها عبر وسائل دستورية للمصادقة عليها قبل الذهاب إلى إنشاء مؤسسة مستقلة للأوقاف تستند لأفكار عملية علمية، وتعمل وفق آليات تجعل الأوقاف معاصرة ومحافظة على الميراث الوقفي الجزائري العريق. وفي معرض حديثة عن الأوقاف، تحدث الوزير عن المراحل التي مرت بها عملية استرجاع الأوقاف، وحصرها في ثلاث اعتمدت أولاها على طرق كلاسيكية في الاسترجاع كشهادة شاهدين، بالاضافة إلى الوثيقة التاريخية الموثقة بمركز الأرشيف إلى جانب الاعتراف، أما المرحلة الثانية التي تمت فيها الاستفادة من قرض حسن مرتجع بدون فوائد من البنك الإسلامي للتنمية، فمكّن من التعرّف على مجموعة كبيرة من الأوقاف. وتخص المرحلة الأخيرة، الميزانية الكبيرة التي رصدتها الدولة للوقف والمقدرة ب140 مليون دج والتي بفضلها سيتم التعاقد مع مكاتب دراسات وأبحاث تقوم بالبحث عن الأملاك الوقفية، وحسب الوزير فإن الجانب المتعلق بالاستغلال سيخضع لعملية تعديل واسعة بعد أن "لاحظنا"-يقول محمد عيسى- أن الكثير من الأوقاف تؤجر بمبالغ دون قيمتها، وهنا يتم الرجوع إلى الخبرة الوطنية من خلال مؤسسة رسمية خاصة تقوم بالتقييم وتعطي القيمة الحقيقية للإيجار، ويتم الرجوع إليها ولاية بولاية حتى تتم مراجعة قيمة الإيجار، وحمل مستغلي الأوقاف على دفع الإيجار الحقيقية التي تقرها هذه المؤسسة. وبلغ عدد الأوقاف 10.104 وحدات على المستوى الوطني، في حين قدرت مداخيل الأوقاف 220 مليون دج سنويا، وهو ما أكده مدير الأوقاف والزكاة والحج والعمرة، السيد برتيمة عبد الوهاب، الذي أشار إلى أن الوزارة لجأت للعدالة لاسترجاع الأملاك الوقفية، حيث تم تسجيل 600 قضية على المستوى الوطني، علما أن الخارطة الوطنية للمشاريع الوقفية تضم 68 مشروعا موزعة عبر 30 ولاية، منها مشروع "طاكسي الوقف" إلى جانب مشاريع في عدة مجالات أخرى منها الفندقة.