تنتشر عبر أحياء العاصمة بعض المحلات المختصة في بيع الحلويات المعسلة كالزلابية بأنواعها، المقروط والخفاف، يديرها تجار من أصول تونسية، نجحوا بفضل نوعية حلوياتهم في استقطاب الزبائن على مدار السنة. ويكاد شهر رمضان المعظم لا يختلف عن الأيام الأخرى من حيث نسبة الإقبال، ويكمن السر في خبرة سنوات طويلة في "الصنعة" التي تنتقل من جيل إلى آخر في نفس الأسر. ويرتبط شهر رمضان بالعديد من الأطباق والعادات، لعل أهمها الحلويات الشعبية المسماة ب"الزلابية وقلب اللوز"، والتي تحضر حصريا للشهر الكريم وعادة ما لا تباع في باقي أيام السنة إلا نادرا ومن طرف محلات ل"حلواجيّين" تونسيين. وتتسع رقعة سوق الحلويات المعسلة خلال رمضان، لتصبح هذه التجارة هواية العديد من الشباب ممن يرون فيها تجارة موسمية مربحة، لاسيما وأن الأسر لا تستغني عن تلك الحلويات التقليدية في سهراتها الرمضانية، وهو ما يجعل العديد من المستهلكين ينتقلون أحيانا إلى ولايات أخرى في سبيل اقتناء "زلابية" أو "قلب اللوز" من عند الصانعين المختصين خاصة بعض "التوانسة" الذين استقروا في الجزائر ويعملون في صناعة تلك الحلويات، وبقوا محافظين على الوصفات الأصلية للحلويات. انتقلنا إلى محل من أقدم المحلات لبيع الزلابية بساحة الشهداء، يديره شاب من أصول تونسية، الذين أكد لنا أنه بالرغم من مرور السنين وتغير النمط المعيشي عموما، إلا أن الحلوى التي يصنع متوارثة في أسرته وبقيت محافظة على المذاق ذاته، فقط قام الصانع الشاب بتطوير أشكال الحلويات وابتكار أخرى جديدة.. وبمحل آخر، اقتربنا من محمد الشريف، الذي كان واقفا أمام المقلاة الضخمة منهمكا في تحضير الزلابية، أمام درجة حرارة تصل إلى أكثر من 80 درجة مئوية، علامات التعب كانت بادية على وجهه، ورغم ذلك راح يتفنن في الأشكال الحلزونية للزلابية، التي سرعان ما أخذت اللون البني داخل المقلاة، و بخطوات سلسة وسريعة، كانت حركات محمد تتميز بالليونة مع حرصه على عدم التماطل في تقليب الحلوى واحدة تلو الأخرى خوفا من أن تحترق، وفي ثوان معدودة كان يفرغ الصانع سائل الزلابية من القالب المخروطي "اللمبوط" لتتماسك العجينة مباشرة بعد أن تلامس الزيت الحار، بعدها يحملها ليضعها داخل وعاء كبير من العسل البني الكثيف، ثم يرتبها بشكل دائري على صينية من النحاس.. قال إن هذه الحلويات تحظى باهتمام متزايد في شهر رمضان الكريم، كونه مناسبة يحن فيها المواطن إلى عادات الأجداد وطرقهم في الاحتفاء بالشهر الكريم، وهو ما يترجمه الإقبال المضاعف على إعداد أصناف شتى من الحلويات، رغم ذلك تراجع الإقبال على المحلات التونسية لصنع وبيع الزلابية، والسبب حسبه يعود إلى فتح عدة محلات مناسباتية في نفس الحي خلال رمضان في صورة لتغيير النشاط التجاري من أجل الربح السريع. ويضيف محمد الشريف أن حلوى "الزلابية" تعد مقدسة على الموائد التونسية في الإفطار ليزداد حضورها خلال المناسبات والأعياد بما في ذلك رمضان، موضحا أن الزلابية التونسية باتت تنتشر في العديد من الدول العربية، على غرار ليبيا والجزائر والمغرب، كما أن بعض المغتربين نقلوها إلى الدول الأوروبية، وباتت من الحلويات الشعبية المفضلة، لاسيما لفئة الشباب الذين يعشقون المذاق الحلو لها. ويضيف أن السر في الزلابية التونسية يكمن في خبرة السنين الطويلة في المجال، فهي نوع من الحرف اليدوية التي تنقل من جيل إلى جيل. وفي ذات الموضوع كان لنا لقاء مع السيد مصطفى زبدي، رئيس جمعية حماية المستهلك، الذي قال إن تجارة الزلابية تنتشر خلال شهر رمضان، حتى أن هناك محلات تغير نشاطها التجاري خلال هذا الشهر من أجل الربح. ورغم أن القانون يمنع هذا إلا أن زبدي لا يرى مانعا في ذلك "ما دامت تلك المحلات التي تغير نشاطها كانت تزاول تقريبا نفس النشاط الغذائي مثل محلات الأكل السريع، وهذا يسمح بخلق نوع من المنافسة الشريفة بين محلات بيع الزلابية، حتى يتسنى لروادها الحفاظ على الوصفة الأصلية وعدم جعل هذا النشاط تجارة مربحة فقط" يقول المتحدث مضيفا أن تغيير النشاط التجاري من طرف بعض محلات بيع الحلوى والمطاعم الصغيرة في العاصمة، حل مثالي للقضاء على التجارة الفوضوية من جهة وامتصاص الطلب الكبير من طرف المستهلكين على هذه الحلوى التقليدية من جهة أخرى. وعلى صعيد آخر، نصح السيد مصطفى زبدي المستهلك، بضرورة تحليّه بثقافة استهلاكية سليمة، خصوصا خلال هذا الشهر الفضيل، لأن هذا النوع من الحلويات المشبعة بالدسم والسكريات، قد تكون قنبلة مؤقتة إذا ما تم المبالغة في استهلاكها، خاصة أن الجزائر تحصي اليوم أزيد من 30 ألف مصاب بداء السكري.