في الوقت الذي تحملت وتتحمل فيه بعض الدول الاستعمارية مسؤولياتها عما سببته للشعوب التي استعمرتها على المستويات الإنسانية والإقتصادية والمعنوية نجد فرنسا تسوف في هذا الملف بل وتعمد إلى اتخاذ إجراءات استفزازية من خلال قانون تمجيد الاستعمار وإعادة الاعتبار لمجرمي المنظمة السرية المسلحة التي حصدت أرواح الجزائريين غداة الاستقلال وعاثت فسادا في الهيئات والمؤسسات وعلى رأسها حرق مكتبة الجامعة المركزية. إنّ مآسي الاستعمار لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الشعوب التي قاستها، كما لا يمكن أن تنسى الدول المستعمرة (بكسر الميم) ما تسببت فيه من جرائم ضد الإنسانية واغتصابات لحقوق الشعوب وتدمير لبنياتها واقتصادياتها لذلك نرى بعض الدول تسارع اليوم إلى الاعتراف بمسؤولياتها على ماضيها الاستعماري إما طواعية أو تحت ضغط شعبي أو فكري أو سياسي أو اقتصادي كما هو حال ألمانيا مع فرنسا وحالها تجاه اليهود الذين يبتزونها أبشع ابتزاز مادي وسياسي وتاريخي ومعها الغرب كلّه الذي يقف اليوم وقفة استعمارية في مناصرته للصهيونية على حساب القضية العربية، ألا وهي القضية الفلسطينية. وهاهي إيطاليا في هذه الأيام تتحمل هي الأخرى مسؤوليتها التاريخية وتعترف للشعب الليبي الشقيق بالأضرار التي أوقعتها على ليبيا إبّان فترة الاحتلال والتزمت بتعويضها عن هذه الأضرار ووضع حد لما يقارب نصف القرن من الاحتقان السياسي والدبلوماسي بين البلدين والشعبين نتيجة هذا الإرث التاريخي السلبي الذي يشعر الأحرار في أي دولة استعمارية بالذنب، خاصة في عصر العولمة الذي يتطلب تصفية الأجواء بين الشعوب خاصة المستعمرة والمستعمرة. وواقع الحال بين الشعبين الجزائري والفرنسي لا يختلف عن هذه النماذج الاستعمارية بل ويزيد عنها أنها كانت أشرس استعمار عرفه التاريخ بالنظر إلى إلى طول فترة الاحتلال وإلى أسبابه الواهية، مرورا بحجم الدمار المادي التي خلّفه هذا الاستعمار الاستيطاني وكذلك حجم الضحايا الذي زاد عددهم عن سبعة ملايين شهيد منذ بداية الاحتلال، وما تبعه من تشريد للسكان وتدمير للقرى واغتصاب للآراضي الفلاحية لصالح المعمرين الذين كانوا يؤمِنون الغذاء لأوروبا وغير أوروبا على حساب الجزائريين، وتسخيرهم لهذه الأعمال الشاقة وفي ظروف لا يرضاها المعمرون حتى للحيوانات. واذا كان استقلال الجزائر من براثن الاستعمار الفرنسي قد جاء بتضحيات جسام فإن مخلّفاته وتداعياته لم تنته إلى اليوم بدءا من القنابل التي تفاجئنا على مدار السنة بأخبار مؤلمة عندما تنفجر عند مرور المزارعين والرعاة مطيلة عمر مآسي الاستعمار إلى ما بعد الاسقلال، وهل يجب أن نذكِّر فرنسا بداعيات التجارب النووية بصحرائنا وما تسببت فيه من أضرار للعباد والبيئة ما تزال أخطارها ظاهرة وفاعلة إلى اليوم. هذه كلها ملفات سوداء على المسؤولين في فرنسا اليوم تسييرها بمنطق احترام حقوق الشعوب وحقوق الإنسان والإعتراف بالخطأ والاعتذار عليه والتعويض عن الخسائرالناجمة عن هذا الفعل الشنيع الذي يسمى الاستعمار. وليت الاستعمار الفرنسي وقف عند هذا الحد ثم رحل بحد السيف وتحت ضربات المجاهدين ومقاطعة الفئات الشعبية التي أخذت أشكالا تكيفت مع الممارسات الاستعمارية التي استهدفت هوية الأمة بعد أن احتلت الأرض واستعبدت العباد، فأعلنت الجزائر مقاطعة فرنسية وراحت بكل ما أوتيت من حيلة ووسائل لطمس هوية الشعب الجزائري والقضاء على أبعادها العربية والأمازيغية والإسلامية ومحو مقوماته الثقافية والاجتماعية علاوة على لغته لاستبدالها بالفرنسية.