إحياء للذكرى الواحدة والستين لاندلاع الثورة التحريرية، حلت "المساء" ضيفة بقرية ايقرسافن، قرية ال«99" شهيدا التابعة لبلدية ايجر، الواقعة شرق ولاية تيزي وزو، قرية أعطت الكثير للثورة، حيث أنجبت رجالا ونساء جاهدوا وصنعوا مجد الثورة ومسبلين دعموها وحرروها من أغلال الظلم، المعاناة والتعذيب الممارس على الشعب، نضالها وتنظيمها القائم واحتواؤها على عدد كبير من الملاجئ، جعلها منطقة آمنة وقبلة للمجاهدين، حيث كانت قلعة لعدة معارك أهمها اشتباك قنيش، التي هي معبر لجلب ونقل المؤونة للمجاهدين، انطلاقا من اقمون بادكار ببجاية نحو اقرسفن، التي كانت مركز عبور، ولما بلغ مسامع فرنسا نشاط سكان المنطقة قامت بتوقيف المناضل أكلي محند امزيان لأنه كان يحوز على مسدس، حيث تعرض للتعذيب، وجندت فرنسا قواتها وحاصرت القرية بعتاد حربي وجنود، حيث وقع مجموعة من المجاهدين الذين قصدوا القرية تحت قبضة الجيش الفرنسي وهم زريول محند، شلح محند، زريول عمر وماحي أعمارة اوسعيد، حيث وقعت معركة سقط فيها أول جندي فرنسي، ما أثار غضب فرنسا لتقوم بجمع السكان بمدرسة "الما" وكانت تنوي حرقهم لولا وصول ضابط فرنسي على متن طائرة مروحية ومنع ذلك، ولمعاقبة القرية قامت باعتقال 65 رجلا، حيث أعدمت في اليوم الموالي مزيان رابح، مان رابح وشلاح احمد لأن لهم أقارب بالجبل، فيما أطلقت سراح لهوازي محند وفرحاح محند لكونهما قاصرين. وفي 4 ديسمبر 1957 حاصرت القوات الفرنسية القرية بواسطة عتاد حربي كبير إلى جانب الجنود والحركى، وقامت بإخراج السكان وإضرام النيران بالمنازل، حيث لم تسلم حتى الحيوانات منها ما خرجت وأخرى احترقت، وشرعت في قصف القرية وتدميرها كليا وحولتها إلى رماد، أحداث كثيرة توالت على المنطقة دفاعا عن العدالة والحرية، فيما تقاسم الحركى ممتلكات السكان، لتشرع النساء في جمع ما يمكن جمعه والانطلاق في رحلة نحو المجهول قاصدات قرى أخرى كلاجئات. فقرية ايقرسفن قدمت خلال حرب التحرير مناضلين انخرطوا ضمن أحزاب وطنية والبعض الأخر التحقوا بالجبل والذين أطلق عليهم اسم "امنفان" "الخارجون عن القانون"، ومنهم رعاب محند السعيد، بوكفوس وغيرهم، حيث القائمة طويلة من أبناء القرية الذين جاهدوا واستشهدوا والبالغ عددهم 99 شهيدا، حيث 9 منهم قبورهم مجهولة، منهم مسبلون ومنخرطون ضمن جيش التحرير الوطني، وقامت لجنة قرية اقرسفن بوضع أسمائهم بمتحف صغير بمقبرة الشهداء يسمح للزائرين بالاطلاع على تاريخ القرية وتضحياتهم. تضحيات امتد خلالها نشاط المجاهدين بين اث جناد واث واغيلاس، حيث كان الشهيد زنين علي المدعو "جنرال" من قرية اقرسفن، احد أبطال ثورة نوفمبر الذين حاولت فرنسا بشتى الوسائل قمع نشاطهم ونضالهم لكنها لم تستطع لان حب الوطن الذي كان يسري في عروق المجاهدين أقوى من أي جرح أو ألم، ولقد كان كل من مان أعراب، كاسروي مقران المدعو الصغير وكانس عمر من بين الأعضاء المشكلين لخلية جيش التحرير الوطني بالقرية والتي كان من مهامها ضمان المداومة ليلا ونهارا، جمع المعلومات والتحري، القيام بعمليات التحسيس، استقبال وحماية المناضلين المحليين والفرق العابرة، توفير الإمكانيات اللوجيستكية وغيرها وكان يقوم بهذا العمل 21 مجاهدا من بينهم مسعودان ارزقي، مزين لونيس، حماش طاهر وغيرهم. محند كسوار (84 سنة) مسبل: المسبل خدم الثورة ودعمها وحررها من الاستعمار الغاشم بدأ المسبل محند كسوار البالغ من العمر 84 سنة، شهادته عن الثورة وهو يتذكر مرحلة بمرحلة مختلف الأحداث التي لا تزال عالقة في ذاكرته والتي تركت في نفسيته آثار جرح عميق لما شاهده من تعذيب وقهر مارسته فرنسا من جهة، والنضال والتضامن الذي ساد الشعب من أجل أن يتحرر في ظل ظروف جد قاسية ميزها الجوع والمعاناة والخوف خاصة أمام قوة عسكرية مثل فرنسا التي كانت تملك أسلحة ثقيلة وإمكانيات، وقال المسبل صعدت إلى الجبل في يوم 12 أكتوبر 1955 وكنت ضمن فريق يقوده المجاهد زنين علي وتم تنظيم الشٌعب ووضع القوانين التي تسير عليها، حيث تحصل كل مسبل رفقة مجموعة من المجاهدين على 40 قطعة سلاح، موضحا أنه من صعد الجبل استعان بسلاحه ومن لم يستطع سلم سلاحه للمجاهدين. وأضاف المتحدث كنا 40 مسبلا وكنا نتكفل بالمجاهدين الجرحى، ويواصل لا أزال أتذكر اليوم الذي قمنا فيه بقطع الطريق الذي يؤدي إلى قرية ايقرسفن، وذلك بعدما أمنا كل ما نحتاجه خاصة القمح وهذا من أجل منع القوات الفرنسية من الدخول إلى القرية، حيث جلبنا 250 قنطارا من القمح من قرية أسيف الحمام ببجاية تحسبا لما سيقع فيما بعد ولكي نضمن توفير المؤونة للمجاهدين، قمنا بتوزيع ما بين قنطارين إلى ثلاثة على كل منزل وكانت النساء تحضر الأكل للمجاهدين ونحن المسبلين نقوم بنقله إلى الجبل، حيث ونحن في الطريق يقول المجاهد كان معنا شاب ولما شاهده الجنود الفرنسيون رمى بسلاحه، وأخذوه معهم إلى بلدية اعكوران حيث عذبوه وبعد أيام استشهد، فيما تمكنا نحن من الفرار. ويواصل السرد قائلا إن القوات الفرنسية بعدما وجدت الطريق مقطوعا جن جنونها وقامت بمحاصرة القرية وتم إخراج السكان إلى المكان المسمى"الما" وهو الآن الموقع الذي توجد به مقبرة الشهداء، حيث يقول اغتنم المجاهدان كسوار محند بن الطاهر ومان أعراب الفرصة للهروب من قبضة المستعمر الغاشم ليلتحقا بالمجاهدين بالجبل كونهما كانا محل بحث من طرف القوات الفرنسية لكونهما عنصرين نشيطين، فيما توجه المجاهدون إلى مأوى اللاجئين، رعاب يوسف، ووقع هناك اشتباك مع القوات الفرنسية، حيث سقط يومها أول جندي فرنسي بالمكان المسمى "قنيش"، حيث تعتبر هذه المعركة إحدى أهم المعارك بالمنطقة. يقول لا أزال أتذكر اليوم الذي حفرت فيه فرنسا حفرة كبيرة وطلبت منا إما أن نحمل السلاح ونعمل معها وننسى فكرة الجهاد أو ندفن أحياء، وأضاف لما سمع المجاهدون من قرية مقنيعة بالأمر، ردوا علينا قائلين "يا سكان ايقرسفن احملوا السلاح ولا تخافوا ولخبار يجيبوه التوالى"، ومن ثمة وبإذن من المجاهدين قام 42 مجاهدا بحمل السلاح ودعموا الحرب وساعدوا المجاهدين وكانوا ينتظرون الفرصة للقيام بعملية ضد القوات الفرنسية، كما كانوا يوفرون كل ما يريده المجاهدون. وذكر المتحدث أنه لما دخل "الكابتان عبد الله" إلى القرية أعجب بالنظام الذي يسودها والذي يسير أمور سكانها، ويقول لقد أرسلني العقيد سي عبد الله إلى القائد سي موح بقرية اغراين ولما هممت بقطع واد يقع بين قرية اغراين وايت عيسى وخوفا من الوقوع في كمين حيث كانت هناك قاعدة عسكرية للقوات الفرنسية "الكة" وقعت في الوادي وتبللت ثيابي كلها ولما عدت إلى سي عبد الله طلب مني الذهاب لأرتاح، ويضيف كانت قريتنا عبارة عن محكمة تحل بها جميع القضايا، حيث مهما كان النزاع القائم يفصل فيها بمعية مسيري القرية دون اللجوء إلى المحكمة الفرنسية لحلها. ويقول المسبل فرنسا لم تترك شيئا لم تقم به، فلقد أحرقت القرية إلى أن مسحتها من وجه الأرض، حيث لم يبق أي أثر للمنازل، واختفت من الخريطة إلى ما بعد الاستقلال، حيث بدأ السكان في العودة إلى القرية ليعمروها من جديد، حيث يضيف لقد قامت فرنسا بوضعنا بأحد أقسام إحدى المدارس من أجل حرقنا أحياء، لكن جاءهم أمر من قادتهم بعدم حرقنا واختيار الأقوياء منا وزجنا بالسجن وكان عددنا، يقول عمي محند، 65 شخصا، ولما وصلنا إلى اعزازقة قررت القوات الفرنسية إعادة 5 منا كون أن 2 من المجموعة كانا قاصرين ولم يبلغا السن المطلوب، و3 تم تحويلهم إلى"الكة" وهي ثكنة عسكرية بضواحي قرية تيفريث، وهم ميزين رابح، مان رابح وشلاح احمد، حيث كان هذا الأخير يتقن الفرنسية ولما سمع أنهم سيقتلوننا اخبر رفاقه بالأمر وطلب منهم الهروب، ففيما تمكن شلاح احمد من الفرار، قتلت فرنسا كلا من ميزين رابح وامن رابح ذبحا. ويضيف بقينا نحن ال60 سجناء بسجن اعزازقة ليتم بعدها تحويلنا إلى تيزي وزو ثم إلى البرواقية وبعدما خرجنا قامت فرنسا بأخذنا إلى ثكنة عسكرية، حيث مارست ضدنا القهر والتعذيب وكنا نتعب ونشقى ليلا ونهارا فأوصلنا شكوانا للمجاهدين، لنخبرهم أننا لا يمكن أن نبقى هناك وأننا نريد الصعود إلى الجبل، حيث وفي 4 ديسمبر1957 نزل المجاهدون وهاجموا الثكنة العسكرية الفرنسية في منتصف الليل، وتم تحريرنا، حيث بلغ عددنا، يقول المجاهد، 75 شخصا، وصلنا إلى قرية اوزالقن وجدنا اعميروش وأعطى لي صورا لا أزال احتفظ بها، كما أمرنا بالذهاب إلى تونس لجب السلاح، ووجدنا هناك مجاهدين خرجوا قبلنا إلى الجبل، مؤكدا على أن قريتنا أمضت تقرير المصير بنضالها، حيث أن اعميروش اندهش من قوة رجالها وشجاعتهم وقال للمجاهدين إن "قرية ايقرسفن هي التي تجلب لكم الاستقلال" بفضل عدد المجاهدين الذين خرجوا من القرية للنضال، مضيفا وبعد وصول فرنسا إلى القرية وجدت أننا خرجنا للكفاح، فأضرمت النار بكل مكان في القرية إلى أن دمرت كلية، حيث مسحتها من الخريطة ولم تعد موجودة إلى غاية ما بعد الاستقلال. سعيد رعاب (71 سنة) مسبل: أكلنا الحشيش وذقنا مرارة التعذيب «بدأت النضال في سنة 1957 وكان عمري 14 سنة، عندما التحقت بصفوف المجاهدين، حيث عملت مسبلا"، وشرع المتحدث في سرد الأحداث التي عاشها وقال "قامت فرنسا بإخراجنا من القرية، حيث خرجنا بأيد فارغة، حيث استولت فرنسا على كل شيء، حيث لا أزال أتذكر ذلك اليوم الذي استولت فيه على أكثر من 500 رأس من الغنم والبقر التي تعب وسهر الفلاحون على تربيتها ليأني الجنود الفرنسون ويستولوا عليها بسهولة، وقال كان لجدي ثوران يعتمد عليهما في حرث الأرض، وقد جردوه منها، لكن رجعنا إلى قرية ايقرسفن، ويضيف المسبل ذلك اليوم لن أنساه، لقد حدثت بلبلة كبيرة اختلطت مشاهد الخوف، الهرولة، النساء يجرين والأطفال يبكون، حيث كل واحد يحاول جمع ما استطاع للفرار من الموت القادم، لنغادر القرية حينها نحو قرى أخرى، حيث اختار كل واحد وجهته منهم من توجه إلى قرية تازورت اث ايجر وآخرين قصدوا ايت اسعاد وغيرها من القرى التي أوى إليها القرويون. وأضاف المسبل رعاب، "توجهت مع عائلتي إلى قرية تازورت، واستطعنا أن نأخذ معنا أربعة رؤوس من الأغنام من بين القطيع الذي كنا نملك، لكن لم نستطع الاحتفاظ بها كثيرا، حيث في صباح اليوم الموالي جاءت القوات الفرنسية واستولت عليها، مشيرا إلى أن كل اللاجئين من قرية ايقرشفن أضحوا بدون مؤونة ولا يمكنا ممارسة الفلاحة لنسترزق منها لأنه ليس لدينا مكان نستقر فيه، كنا ننتقل من قرية لأخرى كما أن فرنسا كانت تخرب وتدمر كل ما تجده أمامها خلال خروجها إلى القرى لأنها تدرك أن القرى تعد أول مصدر لإيواء وإطعام المجاهدين، حيث يقول لقد أكلنا الحشيش من شدة الجوع وبقينا هناك بقرية تازروت حوالي سنة ثم تحولنا إلى ابكاران، حيث بقينا هناك إلى غاية عام 1960، وقد بدأت العمل النضالي كمسبل، وأضاف "الذين بقوا بقرية ابكاران قتلتهم فرنسا ومن بينهم عمي رعاب طاهر بن عمارة وابن عمتي رعاب امحند لقد كانا عنصرين ناشطين زعزعا فرنسا بنشاطهما، وكانت فرنسا تعذبهما كل مرة تأتي إلى القرية فتوقفهما وتنقلهما إلى الثكنة، كما أن ذلك لم يحد من عملهما في تمويل المجاهدين بالمؤونة رغم المخاطر، حيث يجلبون الأكل من اث زلال، اث هشام، عين الحمام للمجاهدين بمنطقة بوزقان. وأشار المسبل إلى أنه خلال عملية "جومال"، قامت القوات الفرنسة بمحاصرة قرية ابكاران وأخذت معها المجاهدين وزوجة عمي وأربع نساء من ابكاران الذين تعرضوا للتعذيب، وقال إنه "بحلول عام 1960 بدأت العمل كمسبل، حيث كنت أساعد المجاهدين في توفير الأكل والتكفل بالحراسة عند دخولهم القرية، وفي الليل كي يستريحوا قليلا، كما كنا نتكفل بتوزيع المواد الغذائية على المنازل لتحضير الأكل للمجاهدين، كما كنا نضع أقمشة في زاوية مرتفعة بالقرى والتي تعد كلمة السر بين المجاهدين وسكان القرى، حيث توجد بألوان مختلفة حتى لا تثير انتباه القوات الفرنسية، والتي تبدوا كأنها أفرشة وأغطية، عندما تكون القوات الفرنسية بالقرى نضع الأغطية حتى إذا رآها المجاهدون لا يدخلون إلى القرى وإن تم نزعهما فهذا يدل على أن المكان آمن وهكذا إلى أن نالت الجزائر استقلالها. أعمر كاسوري (77 سنة): فرنسا مارست ضد الشعب الجزائري كل أنواع التعذيب أكد المسبل كاسوري أعمر، البالغ من العمر 77 سنة، أن قرية ايقرسفن قدمت الكثير للثورة، التي أخرجت الجزائر من حلقة مظلمة سادها سواد من الحقرة، الحرمان والمعاناة وشتى أنواع التعذيب وأساليب جهنمية، وشرع في السرد وقال، "كنت إبان الحرب مسبلا، حيث كنت أرعى الغنم لكن من أجل أن أنقل المؤونة للمجاهدين بالجبل، ولقد قدمت قريتنا أربعة رجال، ولما أدركت فرنسا أرادت وقف أي محاولة للالتحاق بالجبل وقادتنا إلى ثكنة عسكرية واقعة باث عيشة، حيث كان سجناء فرنسا الذين كانت تستغلهم في رعي نحو 250 ماشية و4 أبقار، مضيفا كنت رفقة أبي ورعاب مخلوف وأبيه وكانس أعراب وأبيه، الكبار منا كانوا يعملون مع "الوات" وكنا نرعى للقوات الفرنسية المواشي لمدة شهرين إلى أن تم استهلاكها كلية وأطلقوا بعدها سراحنا، حيث عدنا إلى القرى وبدأنا نقوم رفقة مجموعة من شباب القرية بأشغال الطرق لصالح فرنسا وبدون مقابل، حيث كان ذلك في عام 1956، مشيرا إلى انه في احد الأيام رفضنا العمل، فجاءت القوات الفرنسية وأخرجتنا بالقوة من البيت، حيث كانت توجد ثكنة عسكرية بقرية تيفريث، وجاء جندي فرنسي وطلب منا حمل «القرمود" على ظهورنا عقابا لنا لرفضنا العمل، حيث كان يحمل كل واحد منا 5 وحدات إلى غاية قرية تيفريث واشترطوا أن تصل كلها سالمة إلى الثكنة العسكرية وإن انكسرت واحدة فسيكون الحساب عسيرا. ويواصل عمي أعمر الحديث، قطعنا الطريق وكان رفقتنا حمرواي محند أعراب الذي عينته فرنسا قائدا للمجموعة، ولما بلغنا القرية وأنزلنا ما حملنها طلب منا ملازم فرنسي البقاء هناك إلى غاية الليل لأن هناك عملا يجب القيام به، حيث وفي حدود الثامنة مساء طلبوا منا العمل إلى غاية منتصف الليل ثم حولنا إلى قرية اغيل بانار حيث كنا وقتها في شهر رمضان فحاصرتنا القوات الفرنسية واستعانت بسلاح المورتي ووضعوه في الوسط موجها نحونا، فسألت قائد فرقتنا محند أعراب حمرواي ماذا سيحدث الآن، قال أحد الجنود الفرنسيين بهذا السلاح أقضي عليكم إن رفضتم أن تقوموا بما تريد فرنسا، سأرمي بثلاثة نحو القرية وسنرى بعدها إن كنتم ستخرجون". وقال المسبل كنا نتكفل بجلب المؤونة من اث زيري اث هشام إلى القائد يونيس بساح من تازروت، حيث كان يقدم لنا مبلغا قيمته 100دج لجلب المؤونة وكان يطلب مني أن اشتري خبزة لأكلها وما تبقى من المال اقتني به كل ما أجده من قمح، شعير فول وغيرها من البقول لنعد بها الأكل للمجاهدين، مضيفا أننا كنا نسكن بمنزل عمر مشحاط بقرية تازروت، وكان للمنزل غرفة وكانت الغرفة في موقع يسمح لنا برؤية قرية ابويوسفن والتي تقابل ثكنة بوزقان، حيث كنا نحرس ونراقب كل تحركات القوات الفرنسية، عبر العلم الذي يقوم السكان بوضعه في قمم المنازل، حيث انه يعد كلمة السر، إن رأيناه فهذا يدل على أن المستعمر موجود بالقرى، وان نزع فإن المكان آمن. وتحدث المسبل عن تاريخ لا يزال راسخا في الذاكرة خاصة المجاهدين من أبناء قرية اقرسفن، حيث قامت فرنسا بحرق القرية، وذلك بتاريخ 4 ديسمبر 1957، حيث أخرجت السكان من المنازل بعدما أدركت أن الرجال صعدوا إلى الجبل، مشيرا "أزال أتذكر عندما بقينا بدون أكل لمدة ثلاثة أيام، وفي اليوم الموالي جاءت القوات الفرنسية وألقت القبض علينا وحولتنا إلى سجن اعزازقة، حيث كنا نحو 40 سجينا من بينهم 7 كبار في السن والبقية شباب وبعدها اخلي سبيلنا فتوجهنا إلى اث اسعاد قضينا الليل قم تنقلنا إلى اث ايجار وشرعنا نبحث في القرى عن أهلنا، حيث فقدنا كل ما نملكه بعدما استولت عليه فرنسا، فالكبار والصغار ذاقوا ويلات الحرب، التي تركت في قلب الكبير والصغير آثارا عميقة من الألم. المجاهد محند رعاب من مواليد 1932: حب الوطن كان يسري في عروقنا وتضحياتنا ليس لها ثمن المجاهد رعاب محند من مواليد 1932، كان ككثير من الشاب الجزائري إبان الحرب ينتقل بين فرنساوالجزائر قبل أن يلتحق بالثورة والنضال، حيث يقول كنت أعمل بالباخرة بمرسيليا، ولما سمعت بما يحدث بالجزائر، حيث صعد شباب قريتي إلى الجبل وكان ذلك عام 1956، قررت العودة إلى الوطن للنضال لكن فرنسا وبعد اندلاع الحرب كانت تستعمل كل الطرق لمنع الشباب من الالتحاق بالجبل، حيث اتخذت إجراءات ترمي إلى قطع الطريق ومنع تنقل البواخر، كما أمرت بتوقيف الشباب الذين يدخلون إلى الجزائر والزج ببعضهم في السجن لمنع التحاقهم بالثورة، لذلك قررت السفر عبر الطائرة لكن حتى ذلك غير ممكن نحو الجزائر لذلك قررت السفر إلى تونس ومن ثم إلى الجزائر، ولقد جئت مع المدعو محلبي علي، لما كنت بمرسيليا كنت اعرف المدعو المجاهد الحاج أعمر من اث يخلف الذي أعطى لي عنوانا لشخص بتونس وهو شارع 10 احمد ارميمي، وشرح لي كيفية التنقل للوصول إلى هناك. ويقول المجاهد ولما وصلت إلى تونس، جاءت القوات الفرنسية ولما رأتنا شبابا، قالت على الجزائريين الانحياز جانبا، وأخذتنا وبقينا هناك لمدة يومين ثم أرسلتنا إلى الحدود لكننا عدنا إلى تونس وبعد أن تم اتخاذ الإجراءات الإدارية دخلنا إلى الجزائر ومباشرة إلى الجبل، حيث يضيف كنا نعمل ضمن القيادة الشرقية للحرب إلى غاية 1957، حيث جلبنا السلاح رفقة مجموعة من المجاهدين من تونس ونقلناه إلى تاسلنت ببلدية اقبو ببجاية، كما أمرنا العقيد أعمر بوقلاس قائد المنطقة الشرقية، مشيرا إلى أنه لما وصلوا منطقة الطاهر وجدوا كمينا ونجوا منه، وواصلوا الطريق إلى تاسلنت أين لحق بهم العقيد اعميروش، حيث وضعوا السلاح وقال لهم اعميروش ستقضون الليل هنا، بمنطقة جعفرية ببجاية التي خربت ودمرت، لتسترحوا وتشدوا الرحال في اليوم الموالي، فرفض المجاهدون العودة مجددا إلى تونس، لكن اعميروش رفض بقاءهم لأنهم لا يجوزون على تراخيص البقاء فطلب منهم العودة، خوفا من ان يؤثؤ ذلك على النظام وان يفكر العقيد بوقلاس في أن منطقة القبائل أخلت بهم بعدما تحصلت على السلاح، غير أن المجاهد هطاك سالم أصر على موقفه بالبقاء فضربه العقيد اعميروش ورد عليه المجاهد "لست أنت من ضربتني ياعميروش إنها الجزائر"، فقال له اعميروش نحن نعمل بنظام ولا يجب أن يخل به أيا كان لذلك يجب العودة إلى قائدكم غير انه وبعد رفض المجاهدين وإصرار اعميروش يقول المجاهد، عدنا إلى القاعدة الشرقية الواقعة بسوق أهراس ثم إلى تونس لجلب السلاح مرة أخرى، مشيرا إلى أن اعميروش ندم لأنه ضرب الشاب لكن النظام -يقول- يقتضي ذلك. ويضيف المجاهد عدت إلى القاعدة الشرقية، وأمرنا باقتحام ثكنة عسكرية واقعة بعين الزان وقمنا بإخراج أربعة من الحركى، حيث كانت مهمتنا التحري معهم وجمع معلومات ثم قتلهم، وبعد أن قضينا ثلاثة إلى أربعة أيام توجهنا إلى الثكنة العسكرية "الحمري" القريبة من حدود تونس، حيث تلقينا تعليمات بالهجوم عليها وأن نقضي على كل ثكنة يستغلها الحركى للوشاية بالمجاهدين، يضيف، كنا ثلاثة فرق وقررنا الهجوم مهما كلفنا الثمن، حيث كنت وقتها رئيس فرقة واستعملنا سلاح بازوكا ومورتي ووضعنا خطة انقسمنا إلى ثلاث فرق، الأولى مهمتها ضرب الثكنة ثم المغادرة لتلتحق فرقتان محملتان بعتاد ثقيل، ولما وصلنا بعتاد ثقيل وكان ذلك يوم 27 نوفمبر 1960 هاجمنا ثكنة الحمري كما قمنا بنشاطات عديدة إلى غاية الاستقلال، مؤكدا على أن الحرب كلفت الكثير من الأرواح الكبار، الصغار، والنساء والأطفال.