هل ستجد الدعوة التي أطلقها وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي للاستثمار في الثقافة آذانا صاغية لدى رجال الأعمال الجزائريين؟، وكيف يمكن أن نستثمر في الثقافة في خضم التغيرات التي تشهدها الجزائر على كافة الأصعدة، مدعومة بالأزمة النفطية التي تستوجب التقشف. هذه الدعوة خطوة جميلة تحسب للوزير لكنها جاءت نوعا ما متأخرة، بالنظر إلى الحركية الإبداعية الثقافية والفنية التي عرفتها الجزائر في السنوات القليلة الفارطة تحت لواء شتى التظاهرات الكبرى التي كانت الجزائر مسرحا لها، وكانت فيها فرص زجّ رجال الأعمال في غمار العمل الثقافي والفني متاحة أكثر (دون التركيز على تمتّعهم بالحس الثقافي من عدمه). يرى المهتمون أنّ "الاستثمار الثقافي لا يقاس بالمادة أو الربح دائماً، بل بما تؤثّره الثقافة في مناحي الحياة، وحين تدخل الثقافة كلّ بيت، حين تدخل كلّ مدرسة، كلّ معهد، كل جامعة، كل مؤسّسة، يرتفع المجتمع وينهض.."، لكن لابدّ من عدم إغفال آراء الفاعلين الثقافيين المنقسمين بين الخائفين على حرية الإبداع والمرحبين بمواكبة الاقتصاد للثقافة ولما لا الترويج للمعارف والفنون وتحقيق المكاسب المادية في آن واحد. إنّ هذه الخطوة لا بدّ أن لا تبقى مبادرة في أجندة الوزير وفقط، ولكن لا بدّ أن تجسّد على أرض الواقع وتقطف ثمارها، وأن يلي القول الفعل، فلا يكفي أن ندعوا أرباب المؤسسات الاقتصادية وأصحاب رؤوس الأموال للقاء والحديث، علينا أن نضع استراتيجية ناجعة تجعل من الاستثمار الثقافي الشغل الشاغل للجميع ونضع المحفّزات وننشر الوعي بأهمية المسألة للوصول إلى استثمار ثقافي فاعل وفعّال، خاصة في ظلّ ربط النهوض الاقتصادي بالانتعاش الثقافي وبالتالي بالاستثمار الثقافي، وفي هذا السياق كتبت الخبيرة بولين لابورت "الأزمان المقبلة ستشهد منافسة شديدة بين المدن الكبيرة لاستقطاب السياح والمستثمرين والأدمغة، الاقتصاد بالطبع يبقى مهما، لكن الانتعاش الثقافي سيكون الفاصل الذي سيميز بعضها عن بعضه".. كما ظهرت آراء تدعم فكرة أنّ الاستثمار في القطاع الثقافي قد يكون أنجع الحلول للنهوض بالاقتصاد والخروج به من الأزمة. ومثل هذه القناعات، تعزّزت بعد ظهور دراسات كثيرة ربطت بين زخم الحركة الثقافية في بلد ما وانتعاشه الاقتصادي، ليس فقط ما يخصّ الصناعات الثقافية الرائجة كصناعة الأفلام والموسيقى والكتب، لكن أيضا ما يخص التراث الشعبي والمعالم الأثرية والبنى التحتية الثقافية كالمسارح والمتاحف والمكتبات ودور العرض، فالصين مثلا تدعم بصفة خاصة صناعاتها الثقافية، حيث كشف وزير ثقافتها، كاي يو أنّ الصناعات الثقافية ستمثل عام 2016 ما يعادل 420 مليار دولار، أي 5 في المائة من الناتج القومي الخام، في الوقت الذي مثلت فيه عام 2010 نسبة 2 في المائة من الدخل القومي.