بناء الاتحاد الأوروبي بالرغم من أهمية الخطوة، وأهمية الهدف الذي بني من أجل تحقيقة ألا وهو مواجهة الهيمنة الأمريكية اقتصاديا، ظهر أنه لم يكن بالتماسك الذي أبهر العالم وأبهر بلدانا إقليمية كثيرة كانت تحاول بناء مثل هذا الاتحاد خاصة في الوطن العربي. فالاتحاد لازمته منذ تأسيسه تحفظات من بعض الأعضاء المؤسسين كبريطانياوالدانمارك، وتحفظ المؤسسين من بعض أعضائه الجدد من الدول خاصة تلك التي كانت تابعة لأوروبا الشرقية، والرافضة كذلك لانضمام تركيا لاعتبارات عرقية ودينية وإرث تاريخي سلبي مع الغرب. وازدادت خلافات الاتحاد الأوربي حول المقاربات التي يواجه بها الأحداث التي تجري داخله إن كانت أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية، هذه المقاربات التي زادها المهاجرون من المشرق العربي بسبب الحرب في العراق وسوريا حدة، لأنها تتطلب فاتورة اجتماعية كبيرة وتجندا أكبر لضبط الحدود التي تدفق منها هذه الجموع وضرورة التكفل بهم اجتماعيا تحت ضغط الرأي العام الدولي لأن بعض دول الاتحاد كانت رأس الحربة في الأزمة السورية، ولوحت بالتدخل العسكري للإطاحة بنظام بشار الأسد لولا الفيتو الأمريكي والصيني. وبالتالي، لا يمكن لهذه الدول أن تشن حربا في المنطقة بحجة تحرير الشعوب من "الاستبداد" ونشر الحرية، وفرض احترام حقوق الانسان ثم لا ترفض استقبال هؤلاء الفارين من جحيم الحرب والأعمال الإرهابية التي فاقت وحشيتها كل تصور. وها هي الدانمارك ترفض في استفتاء شعبي توسيع التكامل مع الاتحاد الأوروبي في مجال القضاء والشرطة بحجة الحرص على التمسك بسيادتها، ومثل هذه الخلافات دفعت بالمفوضية الأوربية إلى التفكير في اقتراح المقاربات التي من شأنها أن تحافظ على عقد الاتحاد الأوروبي من الانفراط الذي قد تقطعه بريطانيا باستفتاء 2017، وهي التي رفضت وترفض إلى اليوم الدخول في وحدة النقد المشتركة. فهل ستؤثر أزمات الشرق المنقسم على الاتحاد الهش فتقسمه وقد تعود به إلى ما كان عليه في القرون الوسطى من تناحر وتقاتل مذهبي وعرقي؟