بقلم عبدالوهاب العمراني منذ اندلاع شرارة الثورات العربية قبل أكثر من ثلاث سنوات والنظام الإقليمي العربي المتداعي أصلا في حالة عدم استقرار لم تشهده المنطقة منذ عقود، حيث يشهد حالة من الارتباك والتفكك، وثمة من يعتقد أن الثورات العربية مستوردة من الخارج، حيث يرون أن المجموعة الدولية لإدارة الأزمات في بلدان الربيع العربي، هي التي أدارت تلك الثورات البرتقالية في أوكرانيا، بغرض إشغال الدب الروسي لدعمه الأسد السوري، والثورة الخضراء في إيران في 2009 والاحتجاجات التي سادت تركيا في الصيف خلال الشهور المنصرمة. أما في بلدان المشرق العربي فالمشهد أكثر ضبابية، وذلك يوحي بمخاطر الانزلاق لحروب أهلية تهدد بانقسامات وتشرذم في أكثر من بؤرة، فبينما كانت مصر وبعض بلدان المغرب العربي يقتصر الصراع فيها بين أصحاب الاتجاه الديني والليبرالي، نراه في بلدان المشرق أكثر حدة، فالإسلاميون منقسمون مذهبيا، وهو الأمر الذي زاد الأمور تعقيدا، حيث تعاني تلك البلدان من حالة تخبط، تتراوح بين وهم التحول والإحباطات، ولا يقتصر هذا فقط على بلدان ما عُرف بالربيع العربي، بل شملت أماكن أخرى كالعراق والبحرين، وحتى العلاقات بين بلدان مجلس التعاون الخليجي ذاتها التي بدأت فيها بوادر تصدع ملحوظ. ومن هنا لم يعد الأمر يتعلق فقط بتداعيات الثورات العربية ضد أنظمة الاستبداد، التي تعاقبت على تلك البلدان لأجيال، بل أصبحت تلك التوترات تتعلق بقرار الغرب والولايات المتحدة تحديدا، في إعادة توزيع اهتماماتها بالعالم ورسم أولوياتها، بالنظر للتحول اللافت في سياسة واشنطن تجاه عدد من قضايا المنطقة، الأمر الذي يثير جملة من التساؤلات حول بوادر التراخي في التزاماتها تجاه حلفائها المفترضين، ولاسيما بعد التحولات التي شهدتها المنطقة بوصول روحاني بنهجة المعتدل التصالحي مع الغرب، الذي أسفر عن تفاهمات بين إيران والغرب، وفي سياق الدور الروسي المتصاعد الذي يبدو وكأنه يقف بصرامة مع موجة التحولات في بلدان الربيع العربي، في حين تبدو واشنطن هي الراعية لتطورات كهذه بما فيها وصول الإسلام السياسي لسدة الحكم في أكثر من بلد عربي، في هذه التقاطعات والتحالفات التي أدت لتبدل ملحوظ في المشهد الإقليمي، بحيث تحوّلت الصداقات لعداوات والعكس صحيح، متزامنا بتغير أبعاد التمذهب الطائفي في أكثر من بؤرة، وهذا بحد ذاته مؤشر لتداخل قضايا المنطقة بأجندة إقليمية ودولية. ويتزامن ذلك مع انهيار السلطة وتحللها في تلك البلدان ولو بنسب متفاوتة، حتى في ظل وجود سلطة اسمية تتداعى هيبتها يوما بعد يوم. ولعل الملاحظ في حالة التفكك تماهي خطوط الانقسامات المجتمعية إثنيا كان أو مذهبيا أو حتى جهويا، وهو أمر لم يعد خافيا بل واضحا جلياً لدرجة مطالبة تلك الجهات بحلول فيدرالية في أغلب تلك البلدان، وهذا ما يؤكد فرضية نظرية المؤامرة إقليميا ودوليا على تلك البلدان، التي ثارت أصلا على خلفية من الظلم والاستبداد والمتطلعة لحضور دولة مدنية قوية، فاستغلت تلك الثورات واحتوت داخليا وإقليميا ودوليا، فالخلاف كان بين الحاكم والمحكوم وليس بين المحكومين والأرض، حتى تقسم بناء على رغبات وأهواء البعض بغض النظر عن أهدافهم ونياتهم. من ضمن التحولات تنامي الإسلام السياسي في تلك البلدان، ولكنه يواجه بمعارضة شديدة داخلية وإقليمية ودولية، ونود أن نشير إلى أن بلدان المشرق العربي يعصف بها ليس فقط الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، بل إن الإسلام السياسي نفسه منقسم مذهبيا، بينما نجده في مصر والمغرب العربي ليبيا وتونس وحتى الجزائر والمغرب، محصورا في التيار الإسلامي والليبرالي. حتى أن الإسلاميين في تونس والمغرب لهم مشارب أوروبية، فالغنوشي عاش في لندن ولذا فهو مرن وقدم حزب النهضة تنازلات من أجل إبقاء مكاسب تعتبر إنجازا خلال عقود مضت، وهو الأمر نفسه في المغرب، فحكومة حزب العدالة والتنمية متناغمة نسبيا مع بقية الطيف السياسي، بعكس ما هو موجود في مصر وبلدان المشرق العربي الأخرى. شكل الإرهاب العامل المشترك بين تلك الدول التي شهدت تحولات ما بعد الربيع العربي، الأمر الذي زعزع الأمن والاستقرار في تلك البلدان وفي تلك البلدان، اليمن وليبيا والعراق، وامتزجت تطلعات قوى قبلية ومناطقية لدور مستقبلي أكبر في السلطة الجديدة، مع نمو التنظيمات الأصولية والعمليات الإرهابية، فضاعت حقيقة الصراعات في المشهد السياسي وتماهت تلك التنظيمات الإرهابية مع تلك الجهات التي تدعي المظلومية، والفارق بين اليمن وتلك البلدان أن القبيلة كانت تحكم قبل الربيع العربي بتحالفها مع المؤسسة العسكرية، وعندما اختلفت المصالح في اليمن برغبة الرئيس المخلوع صالح لتوريث الحكم، تفككت المؤسسة العسكرية ذاتها واختلفت مع القبيلة وكلا المؤسستين العسكرية والقبلية امتطت حصان الثورة وركبت الموجة، وهو الأمر الذي أجهض تطلعات اليمنيين في التغيير.