ما يحتاجه العالم العربي هو الثورة الفكرية وليس الثورة المسلحة، لأن الأمر يحتاج إلى إحداث نقلة نوعية في المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية وليس إلى الإجهاز على ما تبقى للمجتمعات من هذه المكاسب بالعنف والتخريب وإحداث الشروخ في الأنسجة لاجتماعية وتقسيم المجتمع الواحد إلى كيانات عرقية ودينية ومذهبية متناحرة. وما نعيشه مع ما سمي بالربيع العربي يدخل في خانة القضاء على مفهوم المجتمع بأبعاده العرقية والدينية والمذهبية، حيث لم نجد مجتمعا واحدا من المجتمعات التي مستها عدوى الثورة حقق المفاهيم الإيجابية للثورة المتمثلة في إشاعة الحرية والديمقراطية والمشاركة في بناء المجتمع المنشود، وفي المقابل رأينا الإلغاء والتضييق والاستئثار، وكأننا انتقلنا من التهميش الممنهج إلى الإلغاء العشوائي والتلقائي. والمجتمعات العربية أو جلها تحتاج فيما نعتقد إلى التغيير لأنه سنة الحياة ولأنه نقيض الركود المنافي أصلا لمبدأ الحياة، وقد تأسس بهذا المفهوم مذهب فلسفي قائم بذاته يسمى ''مذهب التغيير'' وحجة أصحابه أنك لا تستطيع أن تستحم في النهر الواحد مرتين لأن مياهه جارية ومتدفقة. وما يمكن التأكيد عليه في مسألتي الثورة والتغيير هو أن الأولى يسهل إطلاقها ولكن تصعب السيطرة عليها أو التنبؤ بنتائجها، في حين أن الثانية تكون غالبا مبنية على معرفة الواقع الذي يتوجب تغييره وبالتالي يمكن تحديد وسائل التغيير وتجديد النتائج المطلوبة من هذا التغيير الذي يشرك الجميع ولا يقصي أحدا. والتغيير بهذا المفهوم يزيد من تعزيز اللحمة الاجتماعية ويقوي الإحساس بالمواطنة وقبول الآخر عند الاختلاف الذي يصبح خلاف مناهج ومقاربات وليس خلاف تناقض أو إلغاء.