أعطى 499 نائبا أمس الضوء الأخضر لعبور الدستور الجديد، فيما امتنع "عمال حنون" عن التصويت (16 نائبا) رغم إشادة رئيس كتلة الحزب في المجلس الشعبي بالإيجابيات التي جاء بها دستور 2016. وصوّت 2 (نائبان) ضد التعديل. من حق الذي صوّت بنعم القيام بهذا الاختيار. ومن حق الذي حضر وامتنع عن التصويت من منطلق "نعم.. ولكن"، اتخاذ مثل ذلك الموقف. ومن حق النائبين اللذين صوّتا ب "لا" أن يصوّتا ب "لا"؛ فهذه هي أبجديات العمل والممارسة السياسية. ولا أريد أن أعلّق على المقاطعين؛ فهذا، في نظرهم، موقف سياسي أيضا وإن كان المثل الفرنسي يقول إن الغائبين دائما على خطإ. لكن جوهر الديمقراطية بعد ذلك هو أن تلتزم الأقليات بما أسفر عنه حكم الأغلبية واختيارها؛ أي أن الالتزام بالدستور وتفاصيله يصبح فرض عين على الجميع؛ أي أنه ابتداء من نشر الدستور كوثيقة في الجريدة الرسمية، يمكن القول بأن مرحلة الإثراء والنقاش قد أُغلقت، ولن يُقبل النقاش بعد صفارة الحكم بالتعبير الرياضي، أو كما يقول سكان الشرق الجزائري: "نهاية التلغبيب". المصادقة على الدستور لا يجب أن تكون النهاية، بل العكس هو الأصح والمطلوب؛ أي يجب أن تكون المصادقة على الدستور فعلا بداية لعهد جديد، كما يقول سلال، ومنطلقا لتغيير فعلي في جميع ما جاء به هذا الدستور. أول هذه المتغيرات أن يدرك الجميع وبالملموس، أن ما قبل الدستور هو مرحلة، وأنه منذ الأمس وجب أن يحس كل الجزائريين بأن التغيير قادم، وعلى السلوكات والممارسات أن تتغير. الدستور الجديد يجب أن يؤرخ لمرحلة جديدة بكل تفاصيلها وتحولاتها السياسية والاقتصادية وحتى البشرية. بالمختصر المفيد، يجب أن ترتبط مرحلة تطبيق الدستور الجديد بمفهوم جديد للممارسة الديمقراطية وللحكم والتسيير. نحن بحاجة إلى كفاءات أكثر جرأة وتحملا للمسؤوليات ومجابهة لكل الطوارئ والظروف. رجال ونساء اختاروا التموقع الواضح في مواقفهم وقراراتهم، وليس لأولئك الذين يتخندقون في بغداد إن حوصرت حلب (كما يقول الشاعر الكبير نزار قباني). إن من أكبر متاعب الجزائر ومعوقاتها أولئك الذين يستعملون منبّه الدوران إلى اليمين، في حين أنهم سيدورون إلى اليسار، هؤلاء هم الذين عليهم أن يختاروا مواقفهم وأماكنهم بوضوح وقناعة.