يشخص الناقد السينمائي، أحمد بجاوي، واقع السينما الجزائرية، وإرهاصات تدهورها منذ الاستقلال ويكشف في هذا الحوار ل"المساء" أن كل ما أطلق من مشاريع وأفكار لدعم السينما الجزائرية ما هي إلا وعود ولم يتحقق منها شيئ. ويعتقد أن الفن السابع في الجزائر بحاجة إلى أفلام من صنع محترفين يخلقون ثروة ومناصب شغل، وتأسف لوجود مخرجين يهتمون فقط بمشاركة صورية في المهرجانات الدولية... إلى جانب ذلك، تطرق السينمائي إلى عدة قضايا متعلقة بالسينما وردت في هذا الحديث. ❊تعتبر شاهدا على تطور السينما الجزائرية. ماذا يمكنك أن تقول عن بدايات هذا الفن في تلك الفترة العصيبة التي عاشها الشعب الجزائري؟ ❊❊بدأ اهتمامي بالفن السابع منذ طفولتي. كنت أشعر بأن الجزائريين يعشقون السينما، كيف لا وقد كان أولياؤنا يحثوننا على حب هذا الفن مثلما فعل أبي معي. كما كنا نعتبر السينما مرآة تعكس أحلامنا، نبتغي مشاهدة الأفلام المصرية في قاعات السينما كرمز للمقاومة في فترة الاحتلال الفرنسي. بالمقابل، كانت السينما في فترة الاستعمار تحت رعاية المحتل وكانت تقدم من طرف الفرنسيين القادمين من أوروبا لأن الأقدام السوداء لم تقتحم هذا المجال، في حين مارس الجزائريون هذه المهنة منذ سنوات الأربعينات مع طاهر حناش وسنوات من بعد مع قريبه جمال الدين شندرلي، الذي اعتبر أول مخرج سينمائي قبل فوتيي الذي صعد إلى الجبال وقام بتأسيس فرع سينما بتونس، كما صور عدة مشاهد في الجبال. ❊نتحدث دائما عن نفس الأسباب التي أدت إلى تدهور قطاع السينما بالجزائر، غياب كل من قاعات السينما، التكوين، الاحترافية، التمويل، قلة أو عدم مشاركة القطاع الخاص وغيرها، لماذا من الصعب جدا إنشاء صناعة سينمائية في الجزائر؟ هل هي قضية إرادة سياسية فحسب؟ ❊❊ورثنا بعد الاستقلال 450 قاعة سينما، علاوة على مجموعة معتبرة من نقاط البث المتحركة ب16ميلمتر، وكذا استوديوهات ومخابر مدنية، مثل أفريك فيلم الذي انتقل بسرعة إلى تونس سنة 1963، ومنذ هذا الرحيل تهاطلت وعود بناء مخابر ومدن سينما وغيرها لكن لا شيء تحقق. أبعد من ذلك فقد أصبحت المخابر الأجنبية تتحكم في قطاع الفن السابع الجزائري بإيعاز من مسؤولين جزائريين. أستطيع القول أنه منذ الاستقلال أثرت السينما الجزائرية نظيرتيّها الفرنسية والايطالية من خلال تحويل تقريبا عشرين مرة تكلفة مخبر ومراكز حفظ "نيغاتيف" (الصور السلبية)، ومدينة السينما. كما أن الصور السلبية مخزونة في الخارج. حتى حينما تخلى الجيش الشعبي عن مخبره لصالح قطاع السمعي البصري، قام أشخاص بتفكيكه ومنحه للتلفزيون الذي قام بدوره بغلقه في أواخر سنوات التسعينات. ومازلنا إلى غاية اليوم ندفع ثمن قرار اتخذ سنة 1964 نص على انتزاع قاعات السينما من الخواص ومنحها للبلديات. وقد اشترى هؤلاء الخواص المحترفون هذه القاعات من ملاكها الأوروبيين. حقيقة اعتبر هذا القرار كارثة وإعلانا عن موت السينما الجزائرية. أيضا حينما احتاجت القاعات إلى تجديد، الكثير من البلديات تخلت عنها، بعدها طُرد الموزعون الجزائريون والأجانب من القطاع وأصبح التوزيع محتكرا من طرف الديوان الوطني للسينما. أما عن القرار الكارثي الثاني لمسيري القطاع الذي أقنعوا به السياسيين فيتمثل في تأميم السينما من باب الوطنية، وهو ما لم يحدث مثلا في إيران حيث بقي قطاع السينما في أيدي الخواص بعد سقوط الحاكم شاه، ونرى اليوم نتائج هذا القرار السليم على المستوى الدولي. ❊سابقا، كان الجزائري يحب السينما ويعشق مشاهدة الأفلام من 35ملم في القاعات المخصصة لذلك، ولكن الأمر لم يعد كذلك، ما قولك في هذا؟ ❊❊حينما يحرم الجزائري مما يحب، نصل إلى خلق ما يسمى النفور من الشيء المحبوب سابقا. وفي هذا السياق أريد هدم وإلغاء فكرة منتشرة وخبيثة تقول إن الجمهور لا يذهب إلى قاعات السينما بل أؤكد عدم وجود قاعات لاحتضان هذا الجمهور. إلا أننا نراه يسارع خلال المهرجانات لمشاهدة الأفلام في القاعات ويؤكد بذلك حبه للفن السابع. أيضا هناك بعض البلديات تجدد قاعات السينما بالملايير وبدون أن تأخذ آراء المختصين لتقوم بتحويلها إلى قاعات للحفلات ولمهام أخرى ما عدا بث الأفلام. وأقول يجب على القاعة أن تسيّر من طرف مهني يحسن عمله ويعمل مع موزعين مؤهلين. حقا لقد قتلنا المهن الصغيرة المتعلقة بالفن السابع وأصبحنا نركز اهتمامنا على إنتاج الأفلام التي لن يراها إلا مئات من الأشخاص المختارين. ❊ندرك بأن صناعة الأفلام تتطلب الكثير من الأموال وهو ما شهدناه في التظاهرات الثقافية الكبرى التي تم بمناسبتها تمويل الكثير من الأفلام ولكن بنتائج هزيلة وبجودة مشكوك فيها، ما رأيك؟ ❊❊نتلقى وعود إنشاء مخابر للتحميض والتركيب واستوديوهات خاصة بصنع الأفلام منذ الاستقلال، ولكن لا شيء من هذا تحقق وبدلا من ذلك نشهد تمويل أفلام بمبالغ هائلة لكنها لا تصل إلى الجمهور. نحن بحاجة إلى أفلام من صنع محترفين يخلقون الثروة ومناصب شغل، كما يقومون بصنع أفلاما يجد فيها الجمهور الجزائري نفسه، إلا أن ما يحدث هو صنع أفلام تجد نفسها حبيسة الأدراج وهو ما لا يخدم الفن السابع الجزائري. بالمقابل في كل تظاهرة مرموقة، نطلب المئات من النسخ من المخابر الأجنبية بتكلفة كان من الممكن تجهيز مؤسسات خاصة بالسينما بها. ❊ألا تشعر بالمرارة وأنت تعاين رداءة الكثير من الأفلام الجزائرية المقدمة في السنوات الاخيرة، وأنت الذي شهدت مرحلة صنع أفلام خالدة؟ ❊❊بعد الاستقلال كان لدينا جمهور معتاد على مشاهدة الأفلام في قاعات السينما ، كما استطاع نقل ذوقه الرفيع إلى المخرجين في حد ذاتهم، وأقدم مثالا عن فيلم "عمر قاتلاتو" الذي يشرح جيدا هذه الوضعية لمخرج انبثق من الجمهور وعاد إليه بعمل فني جميل. أما اليوم فالمخرجون منقطعون عن الجمهور ويحلمون فقط بمهرجان كان السينمائي ومهرجانات أخرى، ونادرا ما نجد مخرجين (الحمد لله على ذلك) يذهبون إلى خنشلة أو معسكر لعرض أفلامهم والالتقاء بالجمهور. في هذه الظروف لا يمكن أن ننتظر مشاهدة أفلام جيدة لأن أغلبها افتراضي بل أن السينما في بلدنا كلها افتراضية. ❊لماذا لا يتم عرض معظم الأفلام إن لم نقل كلها التي موّلت بمناسبة التظاهرات الثقافية الكبرى بالجزائر، في التلفزيون الجزائري؟ ❊❊هذا صحيح وأسوأ من ذلك، هو قلة أو عدم اهتمام المخرجين والموزعين بالجمهور، بل كل ما يهمهم الظفر بالتمويل والمشاركة في المهرجانات الدولية، وأتساءل كم عدد الأفلام -التي موّلها المواطنون الذين يدفعون الضرائب- المشاركة في المهرجانات الدولية الكبيرة؟. أيضا نشهد إيجار هيئة عمومية لجناح في مهرجان كان السينمائي وارسالها لموظفيها لترويج السينما الجزائرية، فهل قامت ببيع فيلم لبلد أجنبي؟ أو حتى للتلفزيون الوطني؟ ماذا يمكن أن نقدم للخارج؟ هل يمكن أن ندعوهم لتصوير أعمالهم في الجزائر؟ وفي أي أستوديو؟. الحقيقة كل ما يهم المنتجين الأجانب هو تمويل أعمالهم من بلدنا، فهل هذا هو هدفنا؟ ❊أين وصلت فكرة إنشاء مدرسة لتعليم السينما، بالتعاون مع الفرنسي غي شابويي صاحب أول مدرسة عمومية لتلقين مبادئ الفن السابع بفرنسا؟ ❊❊من الواضح أن ضعف التكوين يدخل في سياق المشاكل الكبرى التي يعيشها قطاع السينما في الجزائر. ومن المعيب أن يعتمد المخرجون السينمائيون الجزائريون على التقنيين الأجانب للوصول إلى نتائج مرضية، ولكن النوعية الرديئة لبعض الأفلام تُظهر جيدا أن هؤلاء المخرجين ليسوا أفضل من التقنيين الجزائريين الذين أقصوهم سابقا. بالمقابل أحلم بإنشاء مدرسة للسينما مثل مدرسة تولوز التي أنشأها غي شابويي ولكن لا النصوص القانونية ولا الحالة العامة تنبئ بميلاد هذه المدرسة. ❊هل أنت مع استمرار عمل لجنة القراءة، ألا تعتبرها مناهضة لحرية التعبير؟ - لا يمكن للدولة أن تموّل كل مشاريع صنع الأفلام بأموال الشعب لهذا فإنشاء لجان قراءة ضروري وهو موجود في كل دول العالم وليس محصورا في الجزائر فقط. ❊ما رأيك في مشروع قانون السينما؟ ❊❊لم أقرأ بعد مشروع قانون السينما، الكل يعلم أنني كنت ضد قانون 2010، أعتقد أن السينما يمكن أن تسير بالقوانين التي سنت في سنوات الستينات. أما قانون 2010 فقد سن شكلا آخر لاحتكار الدولة وتجريد المنتجين الجزائريين من مشاريعهم مع النتائج الكارثية التي ترتبت عنها.