هل نفصل الثقافة عن المجتمع ونحصرها في شريحة خاصة بها لها وحدها تعزف مزامير الشعر والمسرح والغناء والرواية والقصة وغيرها مما يندرج في هذا العنوان الهائل: "الثقافة" وكيف يمكننا تعريف الثقافة هل هي الموروثات والخبرات والتجارب الشعبية بوجه عام، أم هي الفلكلور، أم أن الثقافة تمس كل ما له علاقة بالإنسان من تفكير وحياة وما إلى ذلك حتى تلك العمارات التي نسكنها والآثارالتي نقف مندهشين عند رؤيتها لجمالها الفني والتاريخي، وتلك الأواني والأسلحة القديمة وكل الأدوات التي كان يستعملها الانسان في مأكله ومشربه وملبسه ومركبه كلها تدخل في حيز الثقافة، فهل يمكننا أن نفصل موضوعا عن آخر ونسمي هذا بالثقافي وذاك بالخصائص الأخرى الاجتماعية وأنه غير ثقافي، إن السلوك البشري هو في حد ذاته ينبع من تجربة وموروث ثقافي تتحكم فيه القيم الدينية والأعراف والتجارب وإلا ما أصبح الانسان بهذه الصورة المتحضرة المتطورة وبقي مجرد إنسان متوحش لا تضبطه قوانين وشرائع وأعراف وقيم. فالثقافة هي الإنسان بمفهومه الواسع والعميق وبكل ما يرتبط به ويخدم صالحه العام وليست الثقافة محصورة في الشعر وحده أوالمسرح أوالسينما لأن هذه المواضيع نفسها لا يمكننا فصلها عن المجتمع، بل الشعر ينبع من المجتمع ويخوض في مشاكله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والجمالية وهذه كلها سلوكات اجتماعية، كما هو المسرح الذي عرف بأبي الفنون بأنه يحتوي المجتمع كله بأفراحه وأتراحه بتاريخه وانتصاراته وانكساراته من عهد هوميروس وقلقامش الى شكسبير ومنه الى مسرحنا الذي ما يزال لم يشب عن الطوق. وإذا تكلمنا عن المسرح نتكلم كذلك عن الرواية والقصة القصيرة والخاطرة وحتى الظواهر الاجتماعية والنفسية الأخرى وكل هذه الموضوعات ثقافة، لأن الثقافة أوالمعاهد الأدبية كانت كلها تندرج تحت عنوان واحد وهو "العلوم الانسانية" فهل نفرق بين المجتمع وسلوكاته ونحصرها فقط في القوانين الجامدة أم نلونها بألوانها الإنسانية التي تتعامل خلالها هذه القوانين مع إنسان يتكون من لحم ودم وأحاسيس؟ فإذا استطعنا أن نخلص الإنسان من أحاسيسه ومشاعره وأفكاره ونضعها جانبا خالصة من غيرالسلوك الذي يتعامل به مع غيره حينها فقط يمكننا الفرز بين هذا الموضوع وذاك ونسميه بالاجتماعي، والثقافي، والنفسي، والفلسفي وغيرها من الموضوعات التي أصلها واحد ولكن فروعها كثيرة. وليس بالبعيد فالموسيقى دخلت في الزراعة وحتى في إدرارالحليب بغض النظر عن أنها تعد من العلاجات التي اعتمدها الطب القديم والحديث، وكذلك الأضواء والألوان وكل هذا ثقافة وإنسان وسلوك، والإنسان مدني بطبعه أي لا يعيش منفردا بنفسه، وإنما يعيش مع غيره من خلال سلوكه ومعاملاته وهذه هي الثقافة بمفهومها الواسع.