إن قيل من أين ينبع الشعر، قال الفرات أنا··· وقالت دجلة غيمة كل الشعراء تنبت من نخيلي، عندما ينساب زورق السياب على خيط قمر، وعندما تنهمر الذكرى وقت السحر، تطلّ العيون العراقية قصائد من أساطير بابل وملحمة عشق ما زالت ترويها آلهة القوافي، وعندما يبتسم العراق دما، تشتعل الإنتصارات في كامل الجسد العربي، وتنبعث روائح الشهداء حروفا إبريزية تشهدها ضفاف الجزائر لأن دجلة والفرات غنّت على ضفاف الجزائر في أمسية شعرية من ليالٍ عشر ما تزال تراتيلها تطير بأسماعنا إلى ذاك الأفق السماوي· قاعة الأخضر السائحي لم تزل جدرانها تحتفظ بأصداء القصيدة، ما يزال العراق ينطق بالشعر، وما نطق العراق عن الهوى، بدأ الدكتور الزاوي بقصيدته، الكلمة التي دأب على نشرها كل مساء شعر، صمّم الكلمات ثم هندسها ثم عرضها ترتيلا، فكانت كلمات البدء، وكان فاتحة الشعر، حيث قال مرحبا بأبي الشعراء وأستاذهم عبد الرزاق عبد الواحد: "بكل لغات الطير والمطر نعرف أن بغداد حزينة، لكن مدينة من نسل بغداد هي كبوة فقط، ستعيد المتنبي إلى سوق الحكمة، ستعيد بغداد إلى بيت الحكمة، تعيد السيّاب، أيها الشاعر سترتفع بابل قامتين أو أكثر كي يراك الله أكثر، وتراه أعظم وأعظم"· بهذه الكلمات ذات اللون البابلي وبحبر قلقامش وبألواح الأساطير وبنيران النمرود وحجج ابراهيم، تألق ليل الشعراء واندلعت تفجيرات الكلمات على خطوط جراحات العراق· تقدم عبد الرزاق عبد الواحد وعلى شفتيه خارطة قصيدة ومساحة جرح وجدت ابتسامة، بوجهه السامري وأحرفه العربية، المنبت قال معقبا على الأمين الزاوي "محرج أنا بعد هذه الكلمات، القصيدة التي ألقاها الزاوي" ويمضي الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد باسطا سجّاده ليصلي صلاح الشعر والجرح في ليلة جزائرية يتنصت من أنجمها الشهداء على كل الكلمات التي تبرق بها دجلة إلى شمم الأوراس، تحت عنوان: "تهجّدات عراقية" "قد كنت مذ كنت زيتا في قناديلي وكنت دمعي وشمعي في تراتيلي زهوي ولهوي وشدوي في مواويلي كنت انطباق دمي جيلا على جيلي جرى دمي خلفها شوقا وعاد بها ايقاع الدفوف ونقر الخلاخيلي كتبت فيك مزاميري بحرِّ دمي فأين تقرأ انجيلا كأنجيلي يا مالك العمر قالوا هل تنازعه؟ أجل على كل يوم منه يبقيلي يا سيدي يا عراق الأرض يا وطني يا زهر العمر منذ رنت جلاجيلي هل فاتنا العمر حتى صار يخجلنا هذا التذكّر حتى في الأقاويلي وكيف أكتب شعري فيك يا وطني إن لم يكن كل عمري فيك يوحيلي" ويبقى الشاعر يسكب العراق فيقول في قصيدة " أ يها الوطن المتكبر" "بين دفء المتحد للموت والأنمل الراجفة أيها الوطن المستبد ربما يهب الحب من الشهادة أيها الوطن المتكبّر في عشقك، دربا إلى الحب دربا إلى الرب"· ورغم هذا الفيض الشعري تبقى لهفة الشاعر تجري فوق أشواك الخريطة لتنزف شعرا فيقول الشاعر: "متى من طول نزفك تستريح سلام أيها الوطن الجريح سلاما أيها الوطن الجريح وياذا المستباح والمستبيح وتعثر أهله بعضهم ببعض ذبيح تعثّر به ذبيح" وبعد هذه الآيات الشعرية تصعد على المنبر الشاعرة اليمنية سوسن العرقي لتقول: "أكثر من اللازم حينما أسمح لنفسي أن أكون لنفسي أتفاجأ لأن الورد في شرفتي أكثر من اللازم" ثم تلقي مقتطفات من شعرها بعد نسيانها دفترها الشعري بالفندق· أما الشاعر عبد الرزاق الربيعي من العراق فقد صلّى هو الآخر للعراق فقال في قصيدته: "العراق "يا عراق من ذا يبكيك يا شمس العراق مسحت دمعتها الحرّ وأجابتني العراق يا عراق أيها الجرح السماوي المراق" وغنى أيضا قصيدة العودة إلى الوطن الجريح كانت الليلة العاشرة ليلة عراقية انبعث منها السياب والجواهري وأنبياء الشعر عراجين ضوء وجرح من على جسد نخلة اسمها "العراق"·