تقف المجاهدة زهرة الألمانية بشموخ أمام نصب الشهداء لتقرأ على أرواحهم الطاهرة فاتحة الكتاب وهي التي ناضلت رفقة زوجها معهم جنبا لجنب على أرض الأوراس الأشم، فلقد التحقت بالجبل كممرضة وبعد الاستقلال بقيت في تكوت لتعمل كقابلة استقبلت كل مواليد تكوت، هي اليوم أم ل5 أبناء و18 حفيدا وتنعم بالحرية وتعلّق بروحها المرحة «لي أحفاد كثيرون لكن لا أحد لديه عينان زرقاوان». عاشت مرارة الثورة وويلاتها مع زوجها أحمد ضحوة، بعدما انتقلت من فرنسا إلى الجزائر للحاق بزوجها في جبال الأوراس الأشم (تكوت وشناورة) واسمها الحقيقي فاندنابل ليونتين جورجات جراردة، (ألمانية الأصل) المعروفة باسم الزهرة الألمانية بقيت في تكوت رمزا للتضحية. كانت تقوم بجمع وشراء وتهريب الأسلحة رفقة زوجها لمحاربة فرنسا، وتحمّلت مشقة السفر من فرنسا نحو بسكرة وتحولها إلى مرتفعات جبال كيمل مكان مقر الولاية التاريخية الأولى. بداية تحولت المجاهدة إلى مسقط رأس زوجها عين الناقة، حيث مكثت بين سكان شناورة وتكوت بباتنة، وكذا بين المجاهدين الذين عرفوها وزوجها عن قرب خلال الثورة التحريرية، وكان الزوجان مثالا للوفاء والحب والتضحية لا يفترق أحدهما عن الآخر إلى أن أصبحا مثلا يضرب به في الشهامة والإخلاص رغم ضنك الحياة وملاحقة العدو في الجبال. مباشرة بعد الاستقلال بدأت الزهرة حياة جديدة مع زوجها الحبيب، لتبقى تعمل 35 سنة في قطاع الصحة بباتنة، خدمت الجميع وعلى رأسهم النساء والأطفال باعتبارها قابلة، وجابت بحقيبتها شناورة ومداشر تكوت، تكيّفت مع المنطقة ولبست لباسها الشاوي وأصبحت شاوية بامتياز ومحط احترام وتقدير الجميع، علما أنها دخلت الإسلام مباشرة بعد الاستقلال، وحصلت على الجنسية الجزائرية نهاية الستينيات، ورضيت بهذه الحياة البسيطة وهي الأوروبية التي كانت تسير في شوارع باريس واستمرت مع زوجها المجاهد الذي لم يكن سوى سائقا بدار البلدية، والذي لم يكن أقل حضورا واستيلاء لقلوب الناس بروحه المرحة. للتذكير تعد المجاهدة الألمانية من مواليد 10 ماي 1942، عملت بفرنسا تحت إشراف جبهة التحرير الوطني، ولاقت التضامن من طرف نساء وسكان عين الناقة ببسكرة ثم بالأوراس بعد سجن زوجها ومباشرة بعد وصولها المنطقة ب24 ساعة التحقت بجبال الولاية التاريخية الأولى كان عمرها 19 سنة، كان السير على الأرجل إلى جبال كيمل متعبا وقاسيا، حتى أنها شعرت بتفتت رجليها بسبب التضاريس الوعرة إلا أنها تجاوزت هذه المتاعب حين التقت زوجها فيما بعد. عملت بمستشفى المجاهدين بغابة كيمل رفقة ممرضة أخرى تدعى نادية القبائلية، كما منح لها السلاح واللباس العسكري من طرف قيادة جيش التحرير التي كانت تعاملها معاملة خاصة، على اعتبار أنها أوروبية لا تطيق البؤس والحياة الصعبة كأبناء البلد لذلك كانت تعامل برفق لكنها كانت تحاول أن تكون مثل إخوانها الجزائريين وواصلت الكفاح حتى 19 مارس 62. اليوم وكما كانت دائما الزهرة جزائرية حتى النخاع وهي تتكلم العربية بطلاقة وتفهم اللهجة الشاوية ما جعلها واحدة من أفراد المنطقة، لها حضورها في الأطباق الشاوية التقليدية وتشارك سكان تكوت وشناروة جميع أفراحهم وأقراحهم، كما أنها لا تنسى من رافقتهم في الجهاد وهي تحلم بأداء العمرة بعدما ترفعت على أي امتيازات نظير خدمتها للجزائر أرضها وأرض أبنائها وأحفادها إلى الأبد، ومن المنتظر أن يبادر الصالون الدولي للكتاب بتكريمها يوم الفاتح نوفمبر بالعاصمة.