تشهد ولاية تيسمسيلت في هذا الفصل العديد من الوعدات بعد وعدة المخالدية بلرجام، وعدة سيدي عبد الرحمان بأولاد بسام... وهاهو عرش بني شعيب بنفس البلدية يحيي هذه التظاهرة الثقافية في جو حميمي صنعه الفرسان على أنغام البدوي والفانتازيا، وقد عاشته المنطقة على مدار يومين من الزمن، تم خلالها القضاء على الخلافات وتوطيد العلاقات. شهدت المناسبة العديد من الأنشطة الدينية، منها تقديم المدائح الدينية التي شارك في أدائها عدد من أئمة مساجد المنطقة، إلى جانب مشاركة شيوخ وأعيان ‘'عرش بني شعيب'' في إصلاح ذات البين وحل النزاعات والمشاكل القائمة بين العائلات والجيران.واستمتع سكان المنطقة خلال فعاليات الوعدة بالاستماع إلى القصص التراثية الجميلة التي سردها عدد من شعراء الملحون، الذين استحضروا من خلالها عادات وتقاليد الجهة وكذا الشخصيات القديمة التي عاشت بها، وساهمت في ترسيخ هذه التظاهرة الشعبية الأصيلة.وقد استقطبت هذه الوعدة جموعا غفيرة من المواطنين الذين قدموا من مناطق مجاورة وبعيدة من الغرب، الشرق، تيارت، الجزائر العاصمة، البليدة، وهران وعين تموشنت، الذين أعجبوا بالأنشطة المقامة ضمن فعاليات هذه التظاهرة الشعبية.ومن تقاليد هذه الوعدة، إقامة مأدبة غذاء جماعية شارك فيها جميع العائلات المنتمية إلى بلدية بني شعيب، إلى جانب آخرين منها حضروا رغم بعد المسافة بتغير مقر سكناهم بسبب العشرية السوداء، حيث واصل عددهم إلى أزيد من 7000 شخص تناولوا الغداء في جفنات الكسكسي واللحم التي كان يلتف حول الواحدة منها 12 شخصا. الفانتازيا الأكثر استقطابا للحضور ما ميز هذه التظاهرة؛ الحضور الجماهيري الكبير لمشاهدة الفانتازيا، رغم وجود لعب تقليدية أخرى، حيث يتم تحضير الخيول بالسروج والفارس بلباسه التقليدي، إذ يختلفون في طريقة مسك البندقية ولجام (عقال) الحصان، ونوعية وجودة السروج، وغيرها من التمايزات الدقيقة، حيث تنافس الخيالة (الفرسان) في «سربات» (فرق خيالة) من مناطق مختلفة من الوطن في إظهار فنون الاستعراض بالخيول. وشارك في هذا الاستعراض 05 «سربة»، كل واحدة منها مكونة من 11 خيالاً (فارسا)، تتمايز من حيث ألوان ملابس الفرسان وسروج الخيول. ويقود كل سربة قائد يسمى «العلام»، يتوسط بخيله أفراد السربة ويتميز عنهم بلباس مختلف، كما يتمز خيله بسرج مختلف عن سروج خيول باقي الأعضاء، وتنسب السربة إلى قائدها «العلام»، أو إلى المنطقة التي تنتمي إليها. مع إعطاء «قائد السربة» (العلام) إشارة البداية تنطلق الخيول المدربة في الركض دفعة واحدة، وينفرد الخيالة المتحدرين من مناطق مختلفة بترديد أهازيج تعبر عن أمجاد فرقتهم وبطولات منطقتهم. مع الركض يقوم الخيالة بحركات إستعراضية ببنادقهم تختلف من سربة إلى أخرى، وحين الاقتراب من خط الوصول يستعد الخيالة لإطلاق البارود بشكل جماعي، فمعيار نجاح «حركة سرب الخيالة» هو سماع الجمهور لطلقات بارود الفرسان وكأنها طلقة واحدة. كما تختلف الطلقات من منطقة إلى الأخرى، حيث أنه مثلاً في المناطق الصحراوية تكون طلقة البارود في اتجاه الأرض، لأنهم يوجدون في مناطق رميلة، في حين أن في مناطق أخرى يطلقون البارود في السماء وهذا الاستعراض يذكرنا الخيالة من خلاله بمعارك التحرير واحتفالات الانتصارات، ممتطين أجود الخيول، تكسوها سروج مزركشة ومطرزة، وأزياء جزائرية تقليدية، وهم يحملون بنادق محشوة بالبارود، وبينما تختار بعض «السربات» أن تطلق البارود في الهواء إلى الأعلى، تختار «سربات» أخرى أن تطلقه صوب الأرض، ومتى نجحت الفرقة في توقيع عرضها باستعراض يتناغم فيه أداء كل أعضاء الفرقة، تتعالى هتافات تشجيع الجمهور الذي تابع أطوار هذا الاستعراض في ساحة العرض، لعبة العصا التقليدية لها نصيب في الوعدة، وهي عبارة عن مبارزة بين شخصين أو شخص وشخصين بواسطة العصا، تتم بشكل فردي أو جماعي، اقتربت «المساء» من رئيس الجمعية العصا والألعاب التقليدية، السيد حجار حيلالي، وسألته عن الهدف من هذه اللعبة، فأشار إلى أنها تهدف إلى إبراز ما تتميز به مناطق الهضاب العليا وولاية تيسمسيلت بالذات من ألعاب تقليدية، ومنها رياضة المبارزة بالعصا المعروفة ب''المطرق'' في قالب استعراضي يمكن من خلاله اكتشاف المواهب الشابة والحفاظ على هذا الموروث القديم من أنواع الألعاب التي تراجعت ممارستها، وتعريف الأجيال الناشئة بمرحلة مهمة من تاريخ الآباء والأجداد، كما تستعمل العصا في الدفاع عن النفس. تحدثنا إلى السيد زافر سي قدور، أحد أعيان المنطقة والمشرف على هذه التظاهرة، أوضح في حديثه إلينا أن الهدف من هذه التظاهرة إحياء هذه العادات والتقاليد التي غابت منذ سنين، وغرس في الجيل الحالي قيم المجتمع، التعاون والتآزور ونشر المحبة والأخوة بين أوساط المجتمع. من جهته، أشار رئيس المجلس الشعبي البلدي، السيد فراد عبد القادر، إلى أن هذه الوعدة تشكل فرصة سنوية لبعث وترقية السياحة الثقافية بالمنطقة، لأنها تسمح بتعريف الجمهور بعادات وتقاليد سكانها، مع مساهمتها في انتشار بعض الأنشطة التجارية المناسباتية، على غرار بيع منتوجات الصناعة التقليدية التي تشتهر بها هذه الجهة كصناعة الحلفاء والدوم والأواني الخشبية.