انتشرت في الآونة الأخيرة عبر بلديات العاصمة، العديد من المطاعم التي تقدم أكلات بنكهات عالمية، تلك المحلات التي باتت لها شهرة عظيمة وسط المجتمع الجزائري العاشق لتجربة اكتشاف الجديد بلمسات هندية وأخرى مغربية، إيطالية، سورية وكذا تركية. للغوص في هذا الموضوع انتقلت «المساء» عبر البعض من تلك المطاعم المنتشرة في العاصمة وبالأخص في غرب العاصمة كالشراقة، دالي إبراهيم، ابن عكنون وحيدرة، تلك المناطق التي شهدت منذ سنوات افتتاح مطاعم عديدة، استطاعت جذب اهتمام عشاق الأسفار. خرج الكثير من عشاق الأذواق من قوقعة الأطباق المحلية؛ بحثا عن نكهات جديدة لاكتشاف جوانب أخرى من العالم، جلبها الأجانب الذين انتقلوا إلى الجزائر حاملين في حقائبهم «توابل» جديدة تبدو غريبة على الجزائري، لكنه اعتاد عليها، كيف لا ولقد تمكنت تلك المطاعم من تلبية ذوقه من خلال تقديم أكلات ليست بعيدة عن عاداته. ثلاثة مطاعم هندية بنكهات «متبّلة».. بداية، كانت لنا جولة بمطعم «تاج محل»، وبدون تعريف المحل فاسمه كاف لتوضيح أصل ذلك المطعم، فبمجرد أن تطأ قدماك بابه ينقلك إلى عالم «بوليوود» بنغماته وديكوره؛ حيث يشتهر الهنود بحب الحياة والرقص والألوان. رحّب بنا صاحب المحل بكلماته التي لم نفقه منها إلا ابتسامته العريضة التي ترجمت لنا مدى ترحابه بزبائنه. ديكور المحل تميز بإضاءة هادئة ومرايا معلقة في كل مكان، إلى جانب بعض الدمى الصغيرة التي انتشرت في زوايا المحل. كما أن رائحة التوابل تأخذك إلى مطابخ من بيوت هندية تتميز بتوابل حارة وأخرى حلوة.. بعد جلوسك في ذلك المحل مباشرة يتقدم إليك نادل ليس هنديا بل جزائريا، يسألك عن طلبك، وهي السياسة التي انتهجها القائمون على المحل، ليتمكنوا من التواصل مع الزبائن. وقد كانت لائحة الطعام تحمل في طياتها العديد من الأطباق بأسماء يصعب عليك ترديدها، إلا أن النادل حاضر لمساعدتك على اختيار طبقك من اللحم أو الدجاج المنكّه بتوابل هندية وبعض المكسرات، والمرفق بارز الباسماتي الرفيع الذي تشتهر به الدول الآسياوية، ليقدم لك المطعم تلك الوصفات اللذيذة في أطباق تقليدية من النحاس الخالص ذات أشكال بسيطة وجميلة في آن واحد.. مطاعم فاخرة من أوروبا وآسيا.. محلات أخرى بأعالي العاصمة زُيّنت واجهتها براياتها الوطنية. أشهر تلك المحلات مطاعم إيطالية وأخرى صينية وكذا فرنسية وغيرها من المطاعم التي اتخذت من أزقة أحياء العاصمة «الراقية» أماكن للإقامة فيها بالقرب من القنصليات والسفارات الأجنبية. في بداية الأمر كان يقتصر التوافد عليها من الأجانب المقيمين في القنصليات والسفارات، إلا أن اليوم أصبح المستهلك يتوافد عليها بشده وأمثلة عنها محلات السوشي، التي يقدم فيها الطبق الصيني الشهير بقاعدة السمك النيئ الملفوف بكمية من الأرز الأبيض يرفق بصلصة الصويا، إلى جانب أطباق أخرى ذات شهرة عالمية، على غرار أفخاذ الضفادع، التي لم يتردد البعض في تجربتها وتشبيه مذاقها بمذاق الدجاج، إلا أن هذا المطعم لم يلق رواجا كالمطعم الهندي بالشراقة، حسبما أكدت لنا إحدى النادلات بالمطعم، مشيرة إلى أن المقبلين على مطعم السوشي هم الأجانب أو جزائريون فضوليون حاولوا تجربة ذلك الطبق، وأغلب من يجربونه لا يعودون إليه مرة ثانية، وهي نفس الحال التي لاحظناها في مطعم «كاز» الصيني المتواجد في قلب العاصمة، والذي علّق لائحة عند مدخل المطعم تحت اسم «أفخاذ الضفادع»، فالإقبال على المحل اقتصر على بعض الزبائن الأوفياء، الذين اكتشفوا لذة لم يشأ البعض الآخر تجربتها.. ولعل ذلك دليل على أن الجزائري لا يحبّذ فكرة الابتعاد كثيرا عن عادات أكله التي تميزها التوابل والصلصات «الكثيفة» باللحم أو الدجاج، وما خرج عن ذلك فيفضله مشويا أو مقليا على طبيعته.. مطعم «إيطاليا» بدالي إبراهيم له تقليد آخر، ومن يقول إيطاليا يقول «العجائن الإيطالية»، ولقد كان هذا المطعم أكثر عصرنة، إذ اختار القائمون عليه اللمسة الكلاسيكية، وقد اختلفت الجلسه فيه بين المقاعد الجلدية والمخملية. واختص المطعم في العجائن بأنواعها المحضرة بالجبن أو كرات اللحم أو أخرى من الكريمة الطازجة. ولا يعتمد المطعم الإيطالي والأوروبي بصفة عامة، على التوابل القوية والحارة، بل يكتفي بالقليل من الفلفل الأسود والملح، ليعتمد في النكهة على الجبن بأنواعه الذي يضفي على الطعام لذة لا تقاوم. «الرجوع إلى الأصل فضيلة».. مهما ابتعد الجزائري عن عاداته إلا أنه يعود إليها مسرعا عند حنينه إليها، حيث يبقى بذلك يبحث عن الذوق «العربي» الأصيل، وله ذلك، والدليل انتشار المطاعم العربية من مختلف الدول سواء من المغرب العربي أو دول المشرق، على غرار المطاعم المغربية، السورية، اللبنانية، والتركية التي يتشابه مطبخها كثيرا، حيث تعتمد تلك الدول في تحضيرها للطعام على نفس الخضر تقريبا، تختلف قليلا في نوعية التوابل، إلا أنها تبقى أكلات ذات سمة «عربية» أو مشرقية. ومن تلك المحلات محل «أغادير» بعين الله، ومحل «أرز لبنان» في الأبيار، والبسفور التركي بابن عكنون، كلها مطاعم تقدم لائحة من الطعام بتوابل متشابهة. ولعل شهرتها أوسع مقارنة بالتخصصات الأخرى؛ نظرا لاعتياد المجتمع الجزائري عليها بعدما افتُتحت أولى تلك المحلات قبل سنوات من المطاعم الأوروبية.. لحم حلال في كل المطاعم.. القانون الجزائري صارم في هذه النقطة، حيث يُفترض على كل المطاعم مهما كان أصلها تقديم اللحم الحلال في وصفاتها، وغير ذلك مخالف كليا للقانون الذي لا يتسامح مع كل محاول التعدي على أصول الدين الإسلامي، على غرار تقديم اللحم الحرام أو لحم الخنزير، لاسيما أن الجزائري يتميز بالمحافظة وتشبثه بقيم دينه التي لا يمكن له تعديها مهما بلغ فضوله.. فلقد أوضح القائمون على المطاعم الأجنبية أنهم لا يقدمون الأطعمة «الغريبة» عن العادات الجزائرية، كالدود مثلا أو الخنزير أو الصراصير، إلا أنهم يعتمدون على الأطباق البسيطة من الخضر واللحوم الحمراء والبيضاء الحلال، وكذا السمك بتوابل تختلف باختلاف أصل الطبق. مطاعم لا تحمل من أصالة الطبق إلا الاسم... !! خلال استطلاعنا شد انتباهنا نوع خاص من المحلات التي تحتال على الزبائن والتي لا تحمل من تخصص البلد إلا الاسم، عُلقت على واجهتها أسامي دول أجنبية أو عوالمها، إلا أن مسيّريها جزائريون هواة، نقلوا الفكرة فقط وتخلوا عن المحتوى، ليصادفك عند دخول تلك المطاعم أطباق كلاسيكية لا علاقة لها بتلك الدول، بعضها اعتمد عن الأطباق الجاهزة المغلفة، ليقدمها للزبائن بأسعار خيالية إلا أنها في أصل الشيء لم تكلف منه إلا 70 بالمائة أقل من سعرها، وهذا ما لاحظناه في أحد المحلات، منها الذي قلد الطبق المغاربي «الحريرة»، إلا أن الطبق كان «بودرة» الحريرة المعلبة المباعة في الأسواق! إلى جانب أمثلة عديدة لمحلات أخرى مثل «بيتزا نابوليتان» التي تنسب إلى مدينة نابولي الإيطالية المشهورة عالميا ب «البيتزا» التقليدية المصنوعة من زيت الزيتون البكر وخميرة الجعة والثوم ونوعين من الجبن الموتزريلا والبارموزان والريحان، وسمك «الأنشوا»، إلا أن بعض المحلات التي تعمدت هذا الاسم لا تقدم لك تلك «البيتزا»، لتصادفك بنوعية تفتقر لهذه الوصفة الأصلية، وتعتمد فقط على أي نوع من الجبن والقليل من الطماطم وتزينها بحبات من الزيتون الأسود، ذلك ما جعل مصداقية تلك المطاعم تُفتقد، فهي توهم الزبون وتفقد ثقته! بلسان الشيف.. وصفات أطباق بنكهات أجنبية خلال الجولة الاستطلاعية التي قامت بها «المساء» وشملت بعض المطاعم ارتأينا نقل بعض الوصفات التقليدية الأجنبية إلى بعض المحلات، التي أخذت شهرة وسط الجزائريين الذين أقبلوا عليها بشدة. أول طبق مطلوب بقوة من الهند نقلنا لكم طريقة تحضيره بلسان الشيف «أشال»، وهو من أرز الباسماتي بالصلصة الحمراء والدجاج؛ حيث قال: «يحضَّر هذا الطبق بداية بطبح أرز الباسماتي على البخار بوضع القليل من الملح وشعيرات الزعفران، وتغلية الخضروات، ثم يوضع جانبا. ثم تحضّر صلصة حمراء، بحيث نأخذ كمية من البصل المقطع شرائح طويلة مع القليل من الفلفل الأخضر، تقلّى جيدا في الزيت مع وضع القليل من الملح، عندما يأخذان اللون الذهبي يضاف عليها القليل من الطماطم وصدر الدجاج المقطع مكعبات صغيرة، ثم يضاف له القليل من الماء، ويترك بضع دقائق حتى النضج. عند اقتراب النضج يوضع في الخليط تابل الفلفل الأسود، والتوندوري ومسحوق «الكاجو» والقليل من الكركم والنعناع الجاف، ويترك لحوالي دقيقتين فقط، ثم يقدم في طبق من النحاس. من جهة أخرى، نقل لنا الشيف «لونغ» وصفة السوشي قائلا: «إن السوشي يبدو سهل التحضير، إلا أن أصعب شيء فيه هو كيفية اختيار الأسماك المستعملة لإرفاق مذاقها بمذاق الأرز، وهي تحضَّر بكمية من الأرز المطهى على البخار، توضع فوق كيس بلاستيكي بحوالي طول 154 سنتيمتر، يوضع فوقه سمك كالسلمون المطهى على البخار، ثم تلف تلك الأكياس على الأرز على شكل «بوذة»، ثم يدخل الثلاجة. عندما يتماسك الكل تفتح وتقسَّم على شكل شرائح دائرية، ويمكن إعادة الطريقة باستعمال أسماك أخرى. وأضاف «لونغ» أن المطبخ الصيني عند تحضيره السوشي، يعتمد كثيرا على فاكهة الأفوكادو، التي تقطّع شرائح وتقدم مع الأرز، علما أن أهم التوابل الصينية هو «الزنجبيل». كما أن طبق السوشي دائما يرفق بصلصة الصويا. وعن استعمال العيدان في الأكل بدل الشوكة، قال لونغ إن تقاليد الصينيين في الأكل تعتمد كثيرا على السمك. وهناك تفاعل يحدث عند تناوله بالشوكة، فالمادة المصنوعة بها تُفقد الذوق الأصلي للسمك على عكس الخشب.