أكد الأمين العام للجمعية الوطنية لكبار معطوبي حرب التحرير الوطني السيد العربي بن صفية في لقاء خص به "المساء" بأن تاريخ الثورة بعيد على أن يكون محل خدش أو مساس أو تشكيك من أي طرف كان، لكن الواجب الوطني يدفع المجاهدين للمطالبة بسن قانون يعاقب كل من تسول له نفسه المساس بتاريخ الثورة وأكد أن ما اقترفته فرنسا من جرائم في حق الجزائريين طيلة مدة احتلالها للجزائر يتعارض مع مبادئ الثورة الفرنسية وبالتالي فإن الاعتراف بالجرائم المقترفة يعني الاعتراف بعدم الالتزام بهذه المبادئ، وحول قضية ما يسمى بالمجاهدين المزيفين أكد أن الأمر ليس بالشكل الذي تناولته الصحف مضيفا بأن الوزارة قامت بناء على نتائج التحقيق الذي لا يزال جاريا بنزع صفة المجاهد عن الأشخاص الذين انتحلوا صفة المجاهد. - المساء: نسمع كلما حلت ذكرى مخلدة لتاريخ الجزائر والثورة التحريرية تصريحات غير مسؤولة تحاول خدش تاريخ وذاكرة الجزائر، وآخر تلك التصريحات ما جاء على لسان أحد ممثلي الشعب في البرلمان يحسب على كتلة حزبية معارضة في الجزائر. ما هو تعليقكم؟ * السيد العربي بن صفية: تاريخ ثورة الجزائر المجيدة تاريخ مصون ومحفوظ ولا يمكن لأحد المساس به، فلا دعاية ولا بلبلة ولا تشويش قد يمس بهذا التاريخ المشرف الذي كان ولايزال ملهم حركات التحرر في العالم، صحيح أن التكالب على ذاكرة الشعب الجزائري موجود من طرف بعض الأشخاص الذين لا يمثلون إلا أنفسهم ويخدمون بدعايتهم المغرضة والمكشوفة فرنسا التي لا تريد الاعتراف بجرائمها التي ارتكبتها في الجزائر ضد الشعب الجزائري طيلة قرن وثلاثين سنة من الزمن. وما يمكن قوله إنه قد يكون الأمر هينا عندما يصدر التكالب عن "أذناب فرنسا" لكن ما يثير الحفيظة هو صدور ذلك من أفواه ممثلي الشعب وعن نجل أحد القادة الجزائريين العظام الذي دوخ جنرالات فرنسا وجيشها بخططه الحربية المحكمة و شجاعته الفذة ولا يمكن لأحد من الذين لم يعايشوا الثورة التحريرية الكبرى تصور معاناة الشعب الجزائري الذي كان يعامل وهو على أرضه المغتصبة معاملة وحشية، وكان يمنع من دخول الأحياء التي اتخذها المستعمر مقرا لإقامته كما تفننت فرنسا في التنكيل بالجزائريين العزل وكانت خلال حرب التحرير تنتقم لسقوط جندي واحد من جنودها بنسف ومحو مداشر وقرى بأكملها وكانت تسقط يوميا أرواح المئات من العزل ولم تكن تفرق بين الأخضر واليابس، هذا دون الحديث عن مجازر 8 ماي 1945 التي استشهد فيها أكثر من 45 ألف شهيد خلال يومين فقط بكل من سطيف وقالمة وخراطة، وهو الأمر الذي يقودنا للجزم بأن عدد شهدائنا يفوق بكثير المليون والنصف مليون شهيد وليس العكس وبالتالي فإن أي تصريح مهما كانت جهته لا يمكنه تزوير التاريخ أو التشكيك فيه، لأن الأمر مرتبط بحقائق تاريخية لا يمكن حجبها ولا غبار عليها ومعاناة تكبدها الشعب الجزائري خلال فترة الاحتلال وهي حقائق كشف عنها حتى الفرنسيون أنفسهم من الذين ساندوا الثورة، هذه الثورة التي ألهمت الشعوب المضطهدة التي كانت تعاني الاحتلال ودفعت فيها الحماسة لكسر الأغلال وافتكاك الحرية وكسر شوكة الامبريالية العالمية آنذاك. - أكيد أن التصريحات التي تخرج من هنا وهناك لا تؤثر في شيء ولا تغير في تاريخ الثورة، ولكن كيف يمكن حسب رأيكم وضع حد لمثل هذه الممارسات المرفوضة؟ *على المؤرخين والمثقفين الالتفاف والتجند لكتابة تاريخ الثورة لصيانته وحفظه وتبليغه بامانة إلى الأجيال الصاعدة ومن ثم قطع الطريق أمام كل من يحاول المساس بتاريخ الثورة، وعلى الرغم من أن هذه المحاولات فاشلة إلا أنه يبقى من الواجب معاقبة كل من يمس بهذه الحقبة من تاريخ الجزائر، وعليه يجدر بنا سن قانون يعاقب كل من يمس بمقومات الثورة و تاريخها وأبنائها مهما كان وزنه و صفته لأن الأمر يتعلق بتاريخ أمة وغير مقبول التلاعب به. - هل يعقل أن نطرح بعد مرور ما يقارب نصف القرن من الاستقلال ضرورة كتابة تاريخ الثورة وغياب مدرسة جزائرية من شأنها تدوين التاريخ وحمايته من النسيان. ألا تظنون بأن هناك تقصيرا في هذا الجانب؟ * لم تهتم الدولة عند فجر الاستقلال بهذا الجانب ولم يكن ذلك عن قصد أو سوء تقدير، ولكن الوضع آنذاك كان يستدعي الاهتمام بمعالجة مخلفات الاستعمار وسياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها فرنسا قبل خروجها من الجزائر وقد اهتمت الجزائر بتنظيم الدولة وبناء أسسها وإزالة البؤس والتشرد ومحو الأمية وتم حينها الاهتمام بالاعمار ومحو آثار الاحتلال الذي أتى آنذاك على الأخضر واليابس، صحيح أن رصيدا كبيرا من الشهادات ضاع مع رحيل عدد من المجاهدين، لكن هناك جهود تبذل لكتابة تاريخ الثورة وجمع شهادات من صنعوها. - ما هو تعليقكم حول قضية ما يسمى بالمجاهدين المزيفين؟ * ما يمكن قوله حول الموضوع هو أن القضية ليست بالشكل الذي نقلته الصحف والعدد المعلن عنه لم يأت من جهة رسمية، وبالتالي فهو مبالغ فيه وما هو واضح هو وجود أطراف تحاول من وراء هذا الملف التشويش على العلاقة التي تربط بين المجاهدين. يوجد على مستوى الوزارة 400 ملف اعتراف بالمجاهدين ولا ننكر وجود مندسين بينهم، لكن لا احد يعرفهم وعددهم ليس بالكبير، كما أن وزير المجاهدين أعلن صراحة عن اكتشاف هؤلاء المندسين وتم تجريدهم من صفة المجاهد، كما أن التحقيق ما يزال قائما، والأمر مثلما هو واضح مرتبط بمحاولات المساس بكل ما له علاقة بالثورة و رجالاتها، ونفس الأمر ينطبق على أولئك الذين ينتقدون الميزانية المخصصة لوزارة المجاهدين التي تعمل على حماية ذاكرة الشعب وصون تاريخه وتراثه.