قال الشاعر إبراهيم قرصاص، أنّ أدونيس أبهره لمدة 15 عاما، ولكنه استيقظ على أن هذا الشاعر الذي عانى من عقدة اسمه قد خدعه، وفي هذا الحديث يتمنى قرصاص أن تصبح الحكومات العربية من الموهوبين في العلم والفكر والأدب والفن، ويرى أن ّ الأزمة المالية العالمية مكيدة رأسمالية، الهدف منها استرجاع الأموال التي حصدتها الدول المنتجة للبترول. - الأدب هو ساحة الصدق الوحيدة التي يستطيع فيها الأديب أن يتحرّر من كل ّ رقيب، هل تتوفّر هذه الساحة لدى الكاتب العربي؟ * إبراهيم قرصاص : مسألة الرقابة تمتثل لمعيار مدى وعي وإدراك هذا الأديب عن غيره، ناهيك عن مناهله الثقافية والبيداغوجية، الكثير يفهم الرّقيب من انطلاق نفسي وتأزّم سيكولوجي وعدم كفاية بفهم ما هو واجب وما هو ضرورة عصرية، مسألة الرقيب يطرحها الأدباء والشعراء العرب المعاصرون من خلفية العقدة الاستيلابية التي نشأت وترعرعت في أحضان إيديولوجيات ما بعد الاستعمار، حيث رسخت ثقافة الولاء وانتكست ثقافة الرّأي الخلاّق المبدع الذي ينتج بنيات معرفية تنفع ولا تضرّ، وهذا الوضع أفرز متضادّات خطيرة أدّت عن غير وعي إلى هروب الرأي إلى ساحات أخرى كانت في الأصل هي المدمّرة، وأقصد الثقافة الاستعلائية الغربية التي أخضعت المنبهرين إلى أكلها بسرعة هضم عجيبة، مقابل عقلية عربية متزمّتة لتقاليدها في الماضي دون امتلاكها قدرات تطويعها للعصر وتطوّراته، وأبرز مثال على ذلك الشاعر أدونيس من جهة وخصوم اتجاهاته من جهة ثانية، العرب لا يريدون أن يفهموا أنّ الإنسان عليه أن يتحرّر من نفسه الرديئة أوّلا، قبل أن يتفوّه بأيّة كلمة في وجه أية سلطة أخرى، التاريخ الأدبي العربي أو الإنساني بشكل عام، أثبت أنّ كلّ أصحاب الآراء الحرّة تم ّ اضطهادهم قبل أن يتمّ الاعتراف بحقائقهم الفكرية بعد مماتهم، البشرية جمعاء تعاني من مشكلة الطلاقة الفكرية وحرية الرأي، حتى أمريكا وفرنسا لا توجد فيهما حرية رأي بالمعنى الإنساني العميق، كلّ ما هنالك زيف ومساحيق، صحيح هناك حرية رأي أفضل من حرية الرأي عند العرب، وهنا يكمن سرّ تفوّق العقلية الغربية. - أفهم أن ّ أدونيس على سبيل المثال نموذج سيء للحرية الإبداعية في نظرك، لأنه رفض الفهم الساذج للتراث والبقاء فيه؟ * لا، أدونيس نبّهنا إلى أخطاء كثيرة على مستوى نظرتنا العربية ومفهومنا إلى تراثنا، ولكن أدونيس هو نفس ذلك العربي الأعرابي الذي يخدع أتباعه من حيث لا يشعرون بخطورة ما يرمي إليه، فهو شمولي التفكير، رغم أنّه استفاد من العقلية الغربية، ظلّ أعرابيا لا يفرّق بين الفرد الإسلامي وبين الفرد المسلم، فالأوّل نموذج دوغمائي، فهو إيديولوجي لا يمكن أن يرقى إلى الإسلام الحضاري، أما الفرد المسلم فهذا هو النموذج الذي لم يتعلّمه أدونيس وأتباعه في المدرسة المسيحية الحضارية، لأن ّ هذه المدرسة تنكر الإسلام وتخفيه عن العقول، وهي مدرسة لا تحبّ أن تنشر الفضيلة الإنسانية بين الشعوب، هناك فرق شاسع بين أن تكون مسلما حنيفا متخلّصا من كلّ الوثنيات الإيديولوجية، ومن كلّ المشاكل النفسية التي نجدها في الإسلاموية ونجدها أيضا في الصليبية، كما نجدها في الإلحاديّة، فهذه جميعها أنتجت لنا الإنسان المشوّه أخلاقيا. - لكن، المدرسة الغربية منحت الفرد العربي المبدع سقف حرية لم توفّره المدرسة العربية، فكل ّ فرد عربي يتمنى أن يجد ذاته في الغرب، حتى من بيدهم السلطة العربية ينبطحون أمام العقلية الغربية والشعر العربي الحديث خير مثال على ذلك؟ * ليس صحيحا، المشكلة كما قلت لك تكمن في عقدة احتقار الذات وهذه العقدة لا نجدها إلا ّ عند الفرد العربي، لا يمكن أن نجد هذه العقدة عند الفرد الصيني أو الياباني أو حتى الإيراني، الغرب تفوّق على التخلّف دون أن تكون له عقدة نفسية مع تاريخه، منذ الوهلة الأولى - أي بعد حسم مسألة الكنيسة ووضعها في إطارها الصحيح - تخلّص الفرد الغربي من مشكلة الصراع مع نفسه، وليس صحيحا أنّ الغرب يتنكّر للكنيسة، بل وضعها في إطارها الصحيح كما قلت، لا توجد علمانية غربية كما يفهم العربي الساذج، بل العكس هو الصحيح، لا تجدين فردا غربيا لا يحترم الكنيسة، بل تجدين فردا عربيا لا يحترم المسجد ولا يحترم رجل الدّين ، لأنّ المسجد عند العربي لا يوجد في إطاره الصحيح. أما الشاعر الغربي، فهو شاعر منتج للفكر، على عكس الشاعر العربي الذي مازال متأزّما، تجدينه يستنسخ الشاعر الغربي ولا يستطيع أن ينتج الفكر، لأن ّ الشاعر العربي مريض بوهم العصر الأندلسي و"قفا نبك على ذكرى حبيب ومنزل". - مسألة فهم التراث واستيعابه تؤرق المثقف العربي، هل الشاعر العربي أمام مسألة صعبة لهذا العصر؟ * أقول أنّ إثارة مسألة التراث مضيعة للوقت ودليل على البلادة الفكرية التي نعانيها كعرب، نحن مطالبون بطرح أسئلة حقيقية عن عصرنا، أمّا التراث فهو واضح وكما يقول المثل: "من المعضلات توضيح الواضحات.." أكبر مشكلة نعانيها أنّ الإنسان العربي لا يملك نخبة مثقفة واعية ومتحضّرة أو قادرة على إنتاج حضارة خاصة، المصيبة تكمن في عقلية الإنسان العربي، فهو عصبي وانفعالي، من طفولته إلى أن يتحصّل على دكتوراه في مجال اختصاصه، يبقى عاجزا عن تغيير نفسه، النّزوة لا تستطيع التعايش مع فكر المؤسسة، حتى الشعر الذي يتبجّح الأغبياء من العرب بقتله والتبشير بنهايته لم نسمع عن هذه العقلية إلاّ عند العرب في هذا العصر، ببساطة، العربي يتلذّذ بتحطيم أدواته ويفتخر بالانتصار إلى غيره، ينسى الشاعر العربي في هذا العصر أنّّ الشعر هو ديوان العرب ورغم ذلك يشعر بنزوة هدم عجائبية لذاته، الحقيقة أنّ الشعر لن يموت، سيموت هؤلاء النّاس لأنّهم لم يتأهّلوا إلى مستوى مدارج العقل والخيال والحلم الإنساني الخصب، الذي استطاع الشاعر الغربي من أمريكا إلى فرنسا أن يضيء بها دروب حياته، اليوم لا نسمع عن موت الشعر في المجتمعات الأوروبية الغربية، بل إنّنا نقرأ القصيدة الأمريكية ذات التقنية العالية ونتابع عبر الأنترنت الطروحات الجديدة في القصيدة العالمية. - المشكلة إذن في التركيبة الفكرية للشاعر العربي؟ * صحيح، هذه هي الحقيقة، الشاعر العربي والمثقف العربي عموما، وصولا إلى الفرد في ذاته، يعانون من أزمة تجفيف القيم الأخلاقية، التي نجح بها العربي القديم، في بيئة كان هو سيّدها، رائد الطب كان ابن سينا، أمّا في هذا العصر فرائد الطب ليس عربيا واحدا في كل الأحوال، العربي في هذا العصر رائد في تدمير ذاته والانتقام من مهاراته، لأنّ الازدهار تحقّقه الأخلاق النبيلة والتنظيم العالي والالتزام العلمي والقيم الراقية كالوفاء والإخلاص والصدق والتفاني، وهي موجودة في هذا العصر عند الفرد الغربي الأوروبي، أمّا عند العربي فتجدين القيم الأخلاقية الدّنيئة كالغش، الخداع، الكذب والكسل.. أليس هذا هو الواقع العربي؟ من أوصل الفرد العربي إلى هذه الأزمة؟ ليس الاستعمار بكل تأكيد، العربي ضحيّة نفسه، فلا هو ارتقى إلى مستوى تراث أجداده ولا هو فهم ماذا يريد بالضبط، العربي للأسف يقدّس السهولة التي نجدها اليوم في كل ّ شيء. - يمر ّ العالم بأزمة مالية حادّة، هل انتهت الرأسمالية كعقيدة؟ * ما أستغربه في هذه الأزمة، أنّ لا أحد من المفكرين الماليين العرب أو الاقتصاديين أعطانا تفسيرا للطريقة المفاجئة التي ظهر بها الإعلان عن هذه الأزمة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث خرج الرئيس جورج بوش مباشرة، ليقول للعالم أنّ أزمة مالية حادّة برزت كالورم في الجسم الرأسمالي، أعتقد أنّ هذه الأزمة المالية مكيدة بشعة من مكائد الرأسمالية القذرة التي وجدت نفسها بفعل أخطائها المتكرّرة في احتلال خيرات الدول وشعوبها وصعود سعر البترول، أمام خيار وحيد هو المراوغة بخطة اسمها الحقيقي الأزمة المالية وعنوانها خطة إنقاذ تتمثّل في التضييق على الدول البترولية العربية تحديدا، من أجل انهيار جديد في سعر البترول الذي امتلأت من غلائه خزانة الدول البترولية ومنها الجزائر، المقلق في هذه المكيدة أنّ لا أحد من الأدمغة الاقتصادية العربية استطاع أن يسأل في هذا الاتجاه، حتى الإعلام العربي وقع في فخّ الرواية الأمريكية الأوروبية وراح يصوّر المسرحية بما يخدم أهداف هذه الأزمة - الخطة، هذا ما يفسّر جاهزية العقل العربي لكل ّ تلاعب، وهي أزمة غير متكافئة، لأنّ الصراع على القوّة هو صراع علمي، لا مكان فيه للعقل العربي الذي ما يزال يتحدّث عن العشائرية والطائفية والمذهبية وهو في غفلة عن مصيره الوجودي.