خابت توقعات السلطات المغربية بإمكانية تراجع وهج المظاهرات الاحتجاجية المتواصلة في منطقة الريف منذ ستة أشهر بمجرد اعتقال متزعم هذا الحراك المطلبي ناصر الزفزافي، حيث خرج الآلاف في مسيرات حاشدة للمطالبة بإطلاق سراحه وكل الوجوه القيادية. تحت شعار «كلنا الزفزافي» تحدى المتظاهرون تعزيزات قوات الأمن في مدينة الحسيمة مهد هذه الاحتجاجات، رافعين شعاراتهم المعتادة من أجل لفت انتباه السلطات المركزية إلى الوضعية الكارثية التي يعيشونها في ظل عدم اكتراث المخزن لمطالبهم. وأصبحت الدقائق الأولى بعد إفطار كل يوم من الشهر الفضيل، بمثابة موعد لتوافد آلاف المتظاهرين من نساء وأطفال وحتى كبار السن، على الساحة المركزية للمدينة، رافعين صورا لناصر الزفزافي المعتقل بمدينة الدار البيضاء منذ صباح الإثنين الماضي بعد حادثة اقتحامه أحد مساجد المدينة؛ احتجاجا على تصريحات إمامه الذي أكد في خطبة صلاة الجمعة، عدم شرعية المطالب المرفوعة وكل الحراك الشعبي في منطقة الريف. وزاد حضور والدي الزفزافي في مسيرات اليومين الأخيرين، وهجا إضافيا، خاصة بعد تأكيد والدته اعتزازها بابنها، الذي قالت بأنه «قام بما يجب أن يقوم به الرجال»، وأنه «لم يقم بأي شيء يستدعي اعتقاله سوى أنه تظاهر من أجل الحصول على مطالب مشروعة». وأخذت المسيرات بعدا رمزيا آخر بمشاركة والد محسن فكري صياد السمك، الذي قتل طحنا بين فكي شاحنة لجمع القمامة نهاية شهر أكتوبر الماضي، وكان ذلك بمثابة شرارة اندلاع هذا الحراك، خاصة بعدما حث المتظاهرين على مواصلة الحراك عبر تنظيم مسيرات سلمية. وأثار انتقال المسيرات إلى مدن أخرى بأهمية العاصمة، الرباط والعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء والناظور وطنجة، حالة استنفار في أعلى هرم السلطات المغربية، التي استشعرت خطر استمرار هذا الحراك، الذي كلما طالت مدته زادت شعبيته. وهو ما فسر التدخل العنيف الذي تعرّض له متظاهرون شاركوا في مظاهرات استُعملت فيها أبشع أساليب التعنيف؛ في محاولة لوأد كل نية لتوسع دائرة الرفض الشعبي للسياسات الحكومية المنتهجة منذ وصول الملك محمد السادس إلى القصر الملكي. وهي المشاهد التي عايشها متظاهرون تجمهروا أمام مقر البرلمان المغربي بالعاصمة الرباط، وفي مدينة الدار البيضاء التي نُقل إليها الزفزافي للمطالبة بإطلاق سراحه. وبدأت الأحزاب السياسية المغربية تخرج عن صمتها المطبق الذي التزمته إلى حد الآن، وبدأت تدق هي الأخرى ناقوس خطر استمرار هذه المسيرات. وأكد حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الوزير الأول المغربي الإسلامي سعد الدين العثماني، أن الوضع أصبح خطيرا، منتقدا المقاربة الأمنية التي لجأت إليها السلطات المغربية؛ في محاولة لقبر المسيرات وكتم أصوات المتظاهرين. وأكدت مثل هذه الازدواجية في المواقف، أن التعامل مع الأوضاع في منطقة الريف أصبح من اختصاص القصر الملكي، ويؤشر على أن القضايا الحساسة تجعل دور الوزير الأول ينحصر في مجرد تنفيذ قرارات القصر الملكي.