يحتضن رواق «عائشة حداد» إلى غاية 20 جوان الجاري معرضا جماعيا بعنوان «لوحات تشكيلية، صناعة تقليدية، وحرف»، يبرز الانسجام الراقي بين الصناعات التقليدية والفن التشكيلي، حيث يتحقّق التكامل بفضل التكون العالي واستثمار التراث، ليخرج في شكل قطع فنية وتحف أثارت الدهشة. يشارك في المعرض الفنان عمر بن زين الذي أبدع في فن الزخرفة، مستمدا تقنياتها من التراث الأمازيغي الأصيل، مما جلب إليه الجمهور ليقتني أكثر مجسّمات «الزربية» التي رسم فيها على الخزف أشكالا لا تزال محفوظة في الأفرشة التقليدية. أشار الفنان عمر خلال حديثه ل«المساء»، إلى أنه يفضل العمل بتأن كي تظهر معالم الأصالة فيما ينجزه، لذلك قال بأن كل ما يعرضه تقريبا بيع سواء من طرف الجزائريين أو الأجانب، خاصة الروس والصينيون الذين يميلون كثيرا للفن الأمازيغي ويرونه مختلفا وجذابا، وأضاف عمر أن قطعا يقدمها انتهى منها يوما واحدا قبل العرض. من جهة أخرى، أكد المتحدث أنه لا يحب أن يخضع فنه لقوانين السوق، لذلك يتحاشى العمل بتقنية المجموعات التي غالبا ما توجّه للتسويق، بل يركز على إعطاء الوقت اللازم للقطع لتأخذ كل واحدة حقها من الوقت، ومن الاستقلالية، حيث يعتبرها صاحبها كيانا قائما بذاته يحمل هويته الفنية الخاصة. أشار عمر بن زين أيضا إلى أنه يعتمد كثيرا على مجسمات الزربية التي حقق فيها نجاحا ملحوظا، بفضل غوصه في التراث الأمازيغي المنتشر عبر عدة مناطق من الوطن، فلكل منها مثلا لونها المتماشي مع طبيعة المنطقة، وكذلك بالنسبة للرموز، مؤكدا أن زربية غرداية غنية جدا بهذه الرموز القوية والحاضرة منذ قرون طويلة، مع تواجد مميز للمرأة فيها، ولكل ما يخصها، خاصة بالنسبة لجهاز العروس، لذلك نجد المشط والحلي وغيرها. الفنانة باحبو صبرينة ليست أقلّ حضورا في المعرض، لها تجربتها المميزة في الرسم على الخشب والزجاج، أبدعت تحفا اِلتف حولها الجمهور واقتنى منها الكثير، كلها تبدو كقطع متحفية جلبت من ذاكرة القصبة إبان مجدها، نشرت الفنانة الزهر في كل ما قدمته بأسلوب تطبعه اللمسة الأنثوية الرقيقة، كما اعتمدت الخط العربي المكلّل بالمعاني والأشعار، لتخطّه على قطع أخرى، منها المرايا والرفوف المعلقة والصناديق والخامسات والسينيات وغيرها كثير، ويكتشف الزائر مدى خفة ونعومة يدها الظاهرة بالجمال والرقي والدقة والذوق الراقي، مع اختيار للألوان العتيقة كالأخضر والفيروزي والأزرق والأحمر الآجوري وغيرها، كلّها تحف وقطع فنية ذات زخرفة دقيقة، باستعمال ألوان بتدرّجات مختلفة، علما أنّها تستوحي هذه الأساليب من الكتب التاريخية القديمة ومن التكوين، كذلك الحال مع المنمنمات الكلاسيكية بألوان مستوحاة من التراث القديم، وأعمالها رائجة لأنّ الجمهور يقدّر الفن الأصيل المنجز باليد. الفنانة الأخرى الحاضرة، هي بوزيدي علجية التي رصعت فضاء الرواق بأعمال غاية في الجمال، حيث امتدت الطواقم الزجاجية المرصعة بالفضة المستمدة تقنياتها من الحلي القبائلية، مع التزام بالأحجام الصغيرة أثناء الترصيع، إضافة إلى التحف والمرايا واللوحات التشكيلية التي رسمت عليها مناظر من طبيعة الصحراء خاصة، وبخلفيات من ألوان طبيعة الصحراء، وبعض اللوحات تبدو رسوماتها منقوشة على الحجر كأنها حفريات. أعجب الجمهور بلوحات التاسيلي والقصبة وبالألوان المتفجرة وبحرف التفناغ وبكلّ ما يعكس التراث، ووجدت «المساء» بعض الزوار يتأبهون لشراء هذه التحف الجميلة ولا يصدّقون أثمانها التي بدت لهم جد منخفضة، إذ يبلغ سعر اللوحة الواحدة بين 2500 و3500 دج، وكذلك الحال مع الطواقم والقطع التي لا يزيد سعر أغلبها عن 3500 دج، طرحت الفنانة معروضاتها للبيع بتخفيضات كبيرة قصد نشر هذا الفن في البيوت الجزائرية. هذه الفنانة تلتزم بالزخرفة الجزائرية وتطهو ما تنجزه في فرن بحرارة 980 درجة عبر 4 مراحل، وتستعمل أيضا ماء الذهب، مما انعكس على جودة ما تقدّمه.