يُجمع المتتبعون لشؤون الساحة السياسية والإدارية بولاية سطيف، على أن العهدة الانتخابية الحالية التي أشرفت على نهايتها، هي الأسوأ في تاريخ هذه الولاية منذ الاستقلال، عهدة ميّزها سيناريوهات وأحداث لم تشهدها سابقاتها، عرفت تسجيل 80 متابعة قضائية في حق «أميار» وأعضاء مجالس بلدية، واستبدال أزيد من 120 نائبا بسبب معارضتهم الأميار. عهدة طبعتها الاحتجاجات المستمرة للمواطنين، وأصابع الاتهام موجهة دائما للأميار. فضائح بالجملة أبطالها رؤساء البلديات وأعضاء مجالسهم، منهم من قضى نحبه متأثرا بنوبة قلبية بعد سلسلة التحقيقات التي باشرتها المصالح الأمنية، ومنهم من يتواجد وراء القضبان بتهم تلقّي عمولات بدون وجه حق، ومنهم من قضى نصف العهدة ولايزال إلى يومنا يتجول بين أروقة العدالة بتهم الفساد والمحسوبية وسوء التسيير، فضلا عن ظاهرة الانسدادات التي طبعت معظم المجالس، وكان لها الانعكاس السلبي على المسار التنموي للبلديات والمواطن الذي يُعد الخاسر الأكبر في هذه المعادلة. تُعد ولاية سطيف من أكبر ولايات الوطن مساحة وكثافة سكانية، فهي تحصي ثاني أكبر وعاء انتخابي بكثافة سكانية تزيد عن مليون ونصف مليون ساكن، موزعين عبر 60 بلدية مكونة للخريطة الجغرافية للولاية. وقد عرفت معظم بلدياتها خلال العهدة الانتخابية التي تشرف على نهايتها، أسوأ أيامها باعتراف منتخبيها قبل مواطنيها، بحيث لم يمر شهر بدون تسجيل حركة احتجاجية لسكان بلدية بإغلاق الطرقات ومقرات البلدية، كما هي الحال بالمنطقة الشمالية، في ظل فشل المنتخبين في حل مشاكل السكان وتجسيد الوعود التي قطعوها على أنفسهم خلال الحملة الانتخابية. وإذا كان معظم المنتخبين محل سخط المواطنين بسبب فشلهم في التكفل ولو بأبسط ما أقره الدستور كحق مشروع للمواطن، على غرار توفير المياه الصالحة للشرب وقنوات الصرف الصحي وتهيئة الطرقات بالإضافة إلى السكن وتوفير المنشآت والهياكل ذات الصلة المباشرة مع يوميات المواطنين كالتعليم والصحة، فإن البعض الآخر من رؤساء البلديات سيُجبَرون لا محالة على الرحيل وتغيير إقامتهم مباشرة بعد خروجهم من السجن في صورة رئيس بلدية بئر العرش، الذي عاث فسادا على رأس هذه البلدية قبل الإطاحة به متلبسا بالرشوة من طرف عناصر فرقة البحث والتحري لأمن ولاية سطيف، إلى جانب رؤساء العديد من البلديات المتواجدين تحت المتابعة القضائية بتهم التزوير في محررات رسمية، وسوء التسيير، وتبديد أموال عمومية، وإبرام صفقات مشبوهة والمحسوبية والعشائرية وغيرها من الشوائب التي ميزت العهدة.. أزيد من 80 منتخبا متابَعون قضائيّا شهدت العهدة الانتخابية الحالية عبر ستين بلدية تابعة لولاية سطيف، متابعات قضائية مست أزيد من 80 منتخبا، وتوقيف الكثير منهم. ويُرجع المختصون أسباب ذلك إلى القانون الجديد للبلديات، الذي سمح بتوسع المجالس واستفادة كامل الهيئة التنفيذية من الانتداب؛ ما فتح شهية المنتخبين، وفجّر صراعات بينهم، فبعد سحب الثقة من «المير» للمحافظة على استقرار المجالس والمادة 80 من ذات القانون المحددة لاستخلاف نواب الرئيس في حالة الوفاة أو الاستقالة، فإن الكثير من «الأميار» لم يلتزموا بمواد هذه القوانين. وعمد البعض إلى إقالة نوابهم ورؤساء لجان، ضاربين القانون عرض الحائط، حيث شملت هذه التغييرات أكثر من 120 بين نائب ومنتخب. وأصبحت هذه المادة وسيلة ضغط على النواب المعارضين واستخلافهم بآخرين بدون وجه حق، بسبب صراع المصلحة والقرارات الانفرادية، كل ذلك من أجل تحقيق مآرب بعيدا عن أعين المعارضين، الأمر الذي أرغم عددا من المنتخبين على تحريك دعاوى قضائية ضد «الأميار»، والتي كانت كافية لإدانة رئيس بلدية البلاعة ب 18 حبسا نافذا رفقة أربعة منتخبين بتهمة الصفقات المشبوهة والزج ب «مير» بئر العرش في الحبس لمدة عامين بتهمة استغلال النفوذ، وتوقيف «مير» صالح باي شرامة الذي فارق الحياة بعد أقل من شهر من تنحيته، بالإضافة إلى توقيف «مير» الطاية بتهم متعددة قبل أن تتم إعادة إدماجه بعد تبرئته من قبل العدالة، فيما تبقى التحقيقات القضائية مفتوحة في كل من بلديات بني فودة وبازر سخرة وسطيف وحمّام السخنة والقلتة الزرقاء، وبلديات أخرى يعيش «أميارها» على وقع الرعب؛ تخوفا من المتابعات القضائية، خصوصا إذا علمنا أن مصالح المفتشية العامة بالولاية تنام على الكثير من التحقيقات الإدارية. كما شهدت هذه العهدة تقديم رئيس بلدية عموشة استقالته بعد اصطدامه برئيس الدائرة الأسبق، في صراع دام قرابة سنة، أفضى إلى إقدام «المير» على رمي المنشفة إلى أعضاء البلدية، إلا أنها قوبلت بالرفض من طرف مجلسه الذي كان له سندا، وإقدام، الشهر المنقضي، رئيس بلدية عين ولمان الواقعة بالجهة الجنوبية للولاية، على تقديم استقالته لانقطاع التيار بينه وبين رئيس الدائرة واستحالة العمل سويا. عين الكبيرة: رغم الانسداد مصلحة المواطن فوق كل اعتبار قد تكون بلدية عين الكبيرة من بين البلديات القليلة التي سجل بها المسار التنموي خطوة كبيرة خلال العهدة التي تشرف على انقضائها بالرغم من حالة الانسداد التي شهدها مجلسها في العديد من المرات بسبب اختلاف التوجهات والألوان السياسية لأعضائه، في بلدية تُعد من أكبر بلديات شمال شرق الولاية وأقدمها على المستوى الوطني، بأزيد من 40 ألف نسمة، وهيئة ناخبة تجاوزت حدود 24 ألف ناخب وناخبة. وبالرغم من فوز «الأرندي» في محليات 2012 بأغلبية المقاعد متبوعا ب «الأفلان» بستة مقاعد، إلا أن الرئاسة عادت من نصيب الثاني بعد تحالف «حمس» و»العمال» مع الجبهة، فكان منصب «المير» من نصيب حزب جبهة التحرير السيد رابح لقديم. في بداية العهدة كانت الأمور «سمن على عسل»، لكن بمرور الوقت ونتيجة عدم حصول «المير» على الأغلبية في المجلس؛ ما لم يسمح لرئيس المجلس بالحصول على الهيئة التنفيذية كاملة، وقعت خلافات وصعوبات في تسيير شؤون المجلس البلدي، وانسدادات عدة مرات، طبعها عدم التفاهم وتأجيل المداولات في كثير من المرات، الأمر الذي انعكس سلبا على مسار التنمية في بعض سنوات العهدة الماضية. ورغم المشاكل التي اعترضت تسيير المجلس فقد تجسدت خلال العهدة جملة من المشاريع التنموية في عدة مجالات، تتعلق بتحسين الظروف المعيشية للمواطن بعين الكبيرة، منها السكن بالمدينة الجديدة الباهية التي تتواصل أشغالها حاليا بقطب سكن يقدَّر بحوالي 500 مسكن بصيغ الاجتماعي، و60 مسكنا ترقويا مدعما، وتخصيص مشروع قطاعي في الري لتموين هذا القطب السكني بالمياه الصالحة للشرب من منبع واد البارد والغاز الطبيعي؛ حيث استفادت عدة قرى وتجمعات سكانية من هذه المادة الطاقوية، على غرار شعبة بولحية لمزاورة، الطلالعة، ومنطقتي السياب وأولاد مومن، بالإضافة إلى فضاءات للعب والتسلية بعدة أحياء، على غرار عين طويلة، حي 200 مسكن وغيرهما، إلى جانب ثانوية جديدة فتحت مع الدخول المدرسي لهذا الموسم، وهي مكسب هام للبلدية. كما تم إنجاز بيت للشباب يُعد مكسبا مهمّا يستقطب الزوار من سياح جزائريين وأجانب ورياضيين، ومركز ثقافي من خلال تحويل هيكل فندق لم يكن مستغلا سابقا بمدخل عين الكبيرة. قجال: 120 مليار سنتيم عالقة بسبب الانسداد عكس بعض البلديات التي ميزتها اختلافات بين أعضاء مجالسها لكن ذلك لم يكن على حساب المسار التنموي ومصالح المواطنين، فإن بلدية قجال الواقعة بالجهة الجنوبية الشرقية لعاصمة الولاية، صنعت التميز طيلة هذه العهدة التي لم تعرف الهدوء منذ انطلاقة عام 2012، وعرفت انسدادا كليا بسبب بعض المصالح والمآرب الشخصية لبعض أعضاء المجلس، الذين أرادوا فرض منطقهم على رئيس البلدية. هذا الأخير الذي رفض الانصياع لمطالبهم الشخصية وجد نفسه أمام تحدّ صعب في مواجهة أعضاء مجلسه، الذين رفضوا في كل دورة المصادقة على جميع البرامج التنموية للبلدية، تمخّض عنها انسداد كليّ، مخلّفا 120 مليار سنتيم عالقة. بئر العرش: الرشوة تجر «المير» إلى السجن سيبقى سكان بلدية بئر العرش يتذكرون العهدة الانتخابية الحالية ورئيس بلديتها المتواجد حاليا خلف القضبان بعد الإيقاع به متلبسا من قبل مصالح الأمن بتهمة الرشوة؛ في قضية مازالت إلى يومنا تصنع حديث العام والخاص عبر كامل تراب الولاية. هذا «المير» باعتراف حتى المقربين منه ظل لأزيد من أربع سنوات باسطا هيمنته على البلدية التي «عاث فيها فسادا»، إلى درجة أنه أصبح يهدد نوابه بالإقالة، وحتى الصحفيين لم يسلموا من تهديداته إلى غاية شهر ماي المنقضي، حيث أطيح به من قبل عناصر فرقة البحث والتحري لأمن ولاية سطيف بتهمة الرشوة واستغلال النفوذ، بعد شكوى رسمية تقدم بها مواطن من سكان بلدية بئر العرش، طلب منه المتهم مبلغ 10 ملايين سنتيم نظير تمكين شقيقته من الاستفادة من سكن اجتماعي. المتهم مثل أمام المحكمة الابتدائية بعين ولمان، وتمت إدانته بعامين حبسا نافذا وغرامة مالية تقدَّر ب 20 مليون سنتيم، قبل أن يستأنف دفاعه وجدولة القضية أمام مجلس قضاء سطيف؛ في جلسة حاول المتهم إبعاد تهمة تلقّي عمولات مقابل أداء خدمة، مؤكدا أنه فعلا قبض مبلغ 5 ملايين من المواطن من أجل التحضير لزيارة السيد الوالي. انتشار رهيب للبنايات الفوضوية و«الأميار» في قفص الاتهام خلاصة لكل هذا، فقد عرفت جميع بلديات ولاية سطيف تدنيا وتراجعا في جميع المجالات بداية من النظافة التي صنع منها «الأميار» شعاراتهم، إلى الانتشار الواسع للبنايات الفوضوية والاستيلاء على العقار أمام مرأى المسؤولين، وانتشرت معها التجزئات الفوضوية عبر كامل تراب الولاية، والتي صنع منها أصحاب المال المشبوه طرقا للربح السريع، بالتواطؤ مع المنتخبين من خلال شراء أراض فلاحية في الشيوع وتجزئتها وبيعها على شكل تعاونيات عقارية بدون دراسات. وبعيدا عن المخططات العمرانية للبلديات تجزئاتٌ لا تتوفر على الشبكات الضرورية؛ مما سيجعلها عبءا على خزينة الدولة مستقبلا، وأحد أهم وأبرز أسباب الحركات الاحتجاجية التي ستعرفها العهدة الانتخابية القادمة، لمطالبة أصحابها بتهيئة الطرقات ومدها بشبكة المياه والكهرباء والغاز الطبيعي. وللإشارة، فإن التجزئة الفوضوية ببلدية العلمة، على سبيل المثال، توجد فوق قطعة أرضية ذات طابع فلاحي تتربع على 10 هكتارات من المجموعة الملكية رقم 26 قسم 13 بالمنطقة المسماة بورفرف، وهي دليل كاف وشاف على مدى تلاعبات المنتخبين، حيث تم تجزئتها إلى قطع بمساحات بين 200 و250 مترا مربعا، نمت فيها البنايات كالفطريات وتم استغلالها. وغير بعيد عن العلمة ببلدية بازر سكرة المصنفة كبؤرة للبنايات الفوضوبة منها قرية «لقديم» التي تمت فوق قطعة أرضية مغطاة بجدار إحاطة لا يخضع للمعايير المعمول بها في قواعد البناء والتعمير، وبعدها ظهرت البنايات وارتفعت لتتجاوز جدار الإحاطة الذي كان يسترها عن العيون. وبمركز البلدية قام بعض المواطنين بتجسيد وتوسيع بناياتهم تحت أسلاك الضغط العالي للكهرباء بدون مبالاة بالأخطار الناجمة عن ذلك، ومنهم من قام بالبناء حول أعمدة الكهرباء والإنارة العمومية، وذلك على بعد أمتار من مقر البلدية، فيما قام مواطنون بإنجاز بنايات فوق أرضية مجاورة لملعب الفروسية من جهة الشمال، في حين أقدم البعض على تحويل بنايات قديمة داخل ملعب الفروسية إلى فيلات وبنايات حديثة بجدران إحاطة سدت مجاري مياه للطريق الجديد الرابط بين مركز الملاح والطريق الوطني رقم 05. أما ببلدية بئر العرش فظهرت ثلاث تجزئات فوضوية خارج المخطط العمراني، منها اثنان بقرية بلهوشات بعدما قام المواطنون بتشييد بناياتهم أمام مرأى المسؤولين، الذين اكتفوا باستصدار قرارات توقيف الأشغال، لكنها لم تكن كافية لتوقيف هذه التصرفات، هذه عيّنة من ثلاث بلديات من أصل 60 بلدية، كلها شُوّهت مناظرها بالبنايات الفوضوية بسبب تواطؤ «الأميار».