حرص رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة على تأكيد وقوفه إلى جانب الفلاح لدعم جهده ومشاركته في النهوض الاقتصادي للبلاد، مشيرا إلى أن الحكومة تعكف على تنفيذ برنامج دعم الدولة للقطاع الفلاحي بمختلف مكوناته، والمعتمد منذ سنة 2009، وذلك رغم الصعوبات المالية التي تعرفها خزينة الدولة. كما تطرق رئيس الجمهورية، في رسالته التي وجهها أمس، للمهنيين في القطاع الفلاحي بمناسبة عقد الجلسات الوطنية للفلاحة، قرأها نيابة عنه وزير العدل، حافظ الأختام السيد الطيب لوح أمس، إلى وضعية القطاع الفلاحي قائلا: «هناك نتائج جديرة بالتنويه، غير أن الفلاحة لا تزال في تبعية مفرطة للأمطار، وذلك رغم جهود الدولة في مجال بناء السدود للتأقلم مع المتغيرات المناخية»، مشيرا إلى أن النشاط الفلاحي مضطر اليوم للجوء إلى التقنيات المعاصرة في مجال السقي الفلاحي. من بين النقائص التي رفعها رئيس الجمهورية في رسالته، ضعف هيكلة القطاع الفلاحي، مما جعله «فريسة للمضاربة»، مؤكدا أن الحل للخروج من هذا المشكل هو إيلاء إطارات القطاع كل الاهتمام من خلال تأطير الغرف الفلاحية والجمعيات المهنية، بما يسمح بتطوير جهود الفلاحين مستقبلا. على صعيد آخر، أشار رئيس الجمهورية إلى انخفاض عدد الشباب الناشط في المجال الفلاحي، مضيفا أنه «يسجل بقلق تقدم سن الفلاحين ليدعو الشباب إلى الاهتمام أكثر بخدمة الأرض التي تعد نشاطا مربحا وجوهريا بالنسبة لتنمية الاقتصاد الوطني مع ضمان الأمن الغذائي. كما دعا رئيس الجمهورية كل الجهات المعنية بالدولة لإعطاء المزيد من الاهتمام للتكوين في مجال الفلاحة وكل فروعها بمختلف أنظمة التكوين عبر الجامعات والمعاهد التكوينية، وطالب هيئات دعم تشغيل الشباب على غرار «أنساج» و«كناك» و «أنجام» بدعم الشباب للاهتمام أكثر بالاستثمار في الفلاحة. وبخصوص الدعم المالي المقترح للاستثمارات الخاصة في المجال الفلاحي، دعا رئيس الجمهورية المؤسسات المصرفية لمرافقة الفلاحين في اقتناء المعدات الحديثة والتقنيات المعاصرة، ميكانيكية كانت أو أي جهاز له طابع منفعي للرفع من مردودية الإنتاج تماشيا وطلبات سوق المهنيين الصناعيين، مشيرا إلى أن الدعم المقترح من طرف الدولة يعد استثمارا مربحا في قطاع حيوي مربح وواعد، خاصة وأن الدولة تعوّل عليه لتوظيف أكبر عدد من الشباب مع تحسين الظروف الاجتماعية في الريف. وفي إطار تقييم النشاط الفلاحي، أشار الرئيس في رسالته إلى متاعب الفلاح في إيجاد سوق مستقرة مربحة لمنتوجاته داخل الوطن وخارجه، موضحا أن الدولة اتخذت بعض الإجراءات لضبط سوق المنتوجات واسعة الاستهلاك، إلا أن المنتوج الفلاحي اليوم يقول الرئيس بحاجة إلى تحسين من ناحية النوعية بهدف إشراك الصناعيين لتغطية احتياجات السوق المحلية واقتراح خدمة مضافة للمنتوج الزراعي تسمح له بكسب مكانة في الأسواق العالمية. على صعيد آخر، طالب رئيس الجمهورية رجال المال والأعمال بترقية نشاط الصادرات الفلاحية، من منطلق أن التصدير يعتبر نشاطا مميزا يتطلب إمكانيات ومهارات تكمل عمل الفلاحين وتساهم في حماية التوازنات المالية خارج البلاد. ومن خلال هذه الملاحظات يقول رئيس الجمهورية «أتطلع إلى جعل الاقتصاد الوطني يعزز شموليته، شمولية تعتبر الفلاحة عضوا منها وفي حاجة ماسة إليها، «مضيفا» إن هذا التكامل ما بين مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني من شأنه أن يضمن محيطا حافزاً للفلاحة في بلادنا، محيطاً يستغل أكثر فأكثر كل القدرات لأراضينا الشاسعة، محيطاً يرفع من المكانة الاجتماعية لعمال وعاملات الريف والفلاحة عامة»، مؤكدا، «سأبقى حريصا على وقوف الدولة بكل قدراتها إلى جانب النشاط الفلاحي بغية دفعه نحو المزيد من التقدم». وفي ختام رسالته، دعا رئيس الجمهورية الحكومة إلى السهر على تنفيذ التوصيات والتكفل بالانشغالات المرفوعة خلال الورشات، مؤكدا أنه سيسهر شخصيا على متابعة مدى تنفيذ الاقتراحات على أرض الميدان. من جهتهم، وجه الفلاحون رسالة إلى الرئيس قرأها نيابة عنهم رئيس الغرفة الفلاحية لولاية غرداية رابح ولد هدار، أكد من خلالها أن إنجازات الرئيس حفزت الشباب على ولوج العالم الفلاحي من خلال الانخراط في برنامج التجديد الفلاحي والتعهد برفع طاقات الإنتاج لضمان الاكتفاء الذاتي. النّص الكامل لرسالة الرئيس بوتفليقة للمشاركين في الجلسات الوطنية للفلاحة وجّه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، أمس الإثنين، رسالة بمناسبة الجلسات الوطنية للفلاحة فيما يلي نصها الكامل: «بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل أنه لمن دواعي سعادتي الشخصية أن أتوجه إليكم معشر الفلاحين المجتمعين في هذه الجلسات مع ثلّة من الخبرات والكفاءات الوطنية. كيف لا وأن ريفنا هو رحم كل تجنيد وطني عبر القرون من التصدي للغزاة إلى المقومات في وجه الاستعمار الفرنسي إلى الوثبة الكبرى لثورة أول نوفمبر المجيدة. إن الحديث عن الريف والفلاحة في بلادنا لا ينحصر في المجال الاقتصادي فحسب، بل هو محطة يستوجب فيها تأكيد عرفان بلادنا شعبا وحكومة تجاه الريف وعائلاته الشريفة التي احتضنت ثورتنا المظفّرة وعزّزت صفوفها بأبنائها، وتكبّدت بشجاعة وصمود قمع الاستعمار الوحشي وجبروته من أجل الوطن والحرية، وهو الريف نفسه الذي عانى كذلك من ويلات الإرهاب المقيت ومن محن المأساة الوطنية. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل في سياق عرفان واهتمام الدولة بأريافنا وبفلاحتنا جعلت الجزائر المستقلّة من هذا الملف إحدى أولوياتها الأسس من أجل استرجاع سيادتنا الوطنية على أراضيها، ومن أجل الوقوف بجنب الفلاح لدعم جهده ومشاركته في النهوض الاقتصادي للبلاد. صحيح أن قطاع الفلاحة عانى معاناة جسيمة من جرّاء الأزمة التي مرّت بها الجزائر قبل عقدين من اليومي حيث حتمت المصاعب المالية على الدولة أن تنسحب من النشاط الفلاحي دون ترقية بديل كاف لهذا الانسحاب. ولقد تفاقمت هذه المتاعب بفعل ويلات الإرهاب المقيت وآلام المأساة الوطنية بما في ذلك الهجرة من الريف. ونحمد الله، إذ عرفت الجزائر بعد هذه الابتلاءات كيف تستعيد استقرارها بفضل الوئام المدني والمصالحة الوطنية، ومن ثمّة عرفت بلادنا كيف تتجنّد لتجسيد إعادة البناء الوطني في جميع المجالات بما في ذلك القطاع الحيوي للفلاحة والتنمية الريفية. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل لقد حَرصتُ منذ تقلدي المهام السامية التي شرّفني بها شعبنا الأبيّ على جعل قطاع الفلاحة والتنمية الريفية في صميم اهتمام الدولة. وهكذا، وضعنا مخططا وطنيا للتنمية الفلاحية سنة 2000، مخططا جاء ليؤطر الواقع المتجدد للفلاحة ولإنعاش القطاع بتشجيع الفلاحين، وإقحام المبادرات الخاصة عن طريق الاستصلاح والاستثمار. وتبلور هذا الاهتمام للدولة تجاه الريف عبر تخفيض الأعباء على المستثمرات الفلاحية الجماعية، وكذا تجنيد الدعم والحفز للنشاط الفلاحي في مختلف مناطق البلاد، وجل الأنشطة من تربية المواشي إلى زراعة الحبوب إلى الحفاظ على الغابات، وكذا إعطاء انطلاقة متجددة لنشاط الصيد البحري. وتعزّز جهد الدولة نحو قطاع الفلاحة بمراجعة قوانينها وتنظيماتها الأساسية. بالفعلي إن قانون التوجيه الفلاحي والنص المحدد لشروط استغلال الأراضي الفلاحية للدولة، أعطيا معا دفعا ملموسا للنشاط الفلاحي بضمان حقوق مستغلي المستثمرات الجماعية، وكذا بوضع معالم واضحة لتحفيز الاستثمار في مجال الفلاحة. وتتويجا لهذا التأطير والعناية من قبل السلطات العمومية، أَعلنتُ خلال لقائي بكم في بداية سنة 2009، عن برنامج دعم الدولة ماليا لجميع فروع الاقتصاد الفلاحي وكذا دعم التنمية الريفية. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل واليوم وأنا أتوجه لجمعكم الكريم، تحركني مشاعر السعادة على التطورات التي سجلتها الجزائر بفضلكم في مجال التنمية الفلاحية، حتى وإن كانت هذه الانجازات في حاجة إلى المزيد من الجهد لكي نصل إلى ضمان الأمن الغذائي لشعبنا، ولكي نرفع من مساهمة الفلاحة في النمو الوطني وفي تنويع الاقتصاد. وإن هذه النتائج التي سجلها قطاع الفلاحة جديرة بالتنويه، خاصة عندما نأخذ في الحسبان المعاناة والقيود التي تحيط بهذا النشاط. بالفعلي لا تزال الفلاحة في تبعية مفرطة للأمطار رغم كل ما قامت به الدولة من جهد في بناء السدود، ذلك لأن بلادنا تعاني التقلّبات المناخية، وذلك في نفس الوقت كون النشاط الفلاحي في حاجة إلى لجوء أوسع لتقنيات معاصرة في مجال السقي واقتصاد المياه. ومن جهة أخرى يعاني الاقتصاد الفلاحي من ضعف الهيكلة، ضعف يجعل هذا النشاط الجوهري فريسة للمضاربة، وهو أمر يستوقف قطاع الفلاحة ورجالاته للاهتمام أكثر بأطرهم من غرف مِهْنِيَّةٍ، وجمعيات حِرْفِيَّةٍ بغية الحفاظ على مصالحهم، وجعل مجتمعنا يستفيد أكثر من جهد الفلاحين وثمرة عملهم. إلى هذه النقائص المذكورة، تضاف نقائص أخرى من بينها ندرة الشباب في محيط النشاط الفلاحي، وقلة لجوء هذا النشاط للإمكانيات التقنية الموفرة من طرف الدولة. بالفعل نسجل بقلق ظاهرة تقدم أغلبية الفلاحين في السن وعليه نناشد في نفس الوقت شبابنا للاهتمام أكثر بهذا النشاط المربح لأصحابه والجوهري لنا جميعا كشعب وكبلد. وهنا، أناشد مختلف الجهات المعنية في الدولة لإعطاء المزيد من المكانة للتكوين في مجال الفلاحة وفروعها على مستوى مختلف أطوار منظومتنا الجامعية والتكوينية. كما أناشد هيئاتنا المكلّفة بدعم تشغيل الشباب بتسديد جهدهم لفائدة قطاع الفلاحة. وأناشد كذلك نظامنا المصرفي لتشجيع المستثمرات الفلاحية والمستثمرين في هذا القطاع إلى اقتناء الإمكانيات والوسائل المعاصرة ميكانيكية كانت أو ذات أي طابع منفعي آخر. ونحن نتحدث عن الفلاحة وتقييم أدائها، يجب أن لا ننسى متاعب الفلاح في ضمان سوق مستقرة ومربحة لمنتوجاته داخل الوطن وخارجه. صحيح أن الدولة اتخذت بعض الإجراءات لضبط سوق بعض المنتوجات، غير أن تحسين منتوجنا الفلاحي يتطلب اليوم مشاركة أقوى للصناعات الغذائية في استغلال منتوجنا الفلاحي لتغطية احتياجات السوق المحلية من جهة، ولتوفير منافذ للمنتوج الفلاحي من جهة ثانية. وفي نفس السياق أَهيب بأصحاب الأعمال والمستثمرين للمزيد من الاهتمام بترقية تصدير منتوجنا الفلاحي، تصديراً يعتبر نشاطا مميزا في حد ذاتهن نشاطاً يتطلب إمكانيات ومهارات تكمل عمل الفلاحين وتساهم في حماية التوازنات المالية الخارجية للبلاد. أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل من خلال هذه الملاحظات التي رأيت من المفيد أن أشارككم بها في هذه السانحة، أتطلع إلى جعل الاقتصاد الوطني يعزز شموليته، شمولية تعتبر الفلاحة عضوا منها وفي حاجة ماسة إليها. إن هذا التكامل ما بين مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني من شأنه أن يضمن محيطا حافزاً للفلاحة في بلادنا، محيطاً يستغل أكثر فأكثر كل القدرات لأراضينا الشاسعة، محيطاً يرفع من المكانة الاجتماعية لعمال وعاملات الريف والفلاحة عامة. وفي هذا الاتجاه، سأبقى حريصا على وقوف الدولة بكل قدراتها إلى جانب النشاط الفلاحي بغية دفعه نحو المزيد من التقدم. وفي هذا المنظور، يسعدني أن أؤكد لكم جميعاً ضرورة مواصلة برنامج دعم الدولة للقطاع الفلاحي بمختلف مكوناته، برنامج أعلنتُ عنه لكم في سنة 2009. وستعكف الحكومة على الاستمرار في تنفيذه رغم الصعوبات المالية التي تواجهها خزينة الدولة حاليا. بالفعلي إن هذا الدعم يعتبر عرفانا مستمرا من الجزائر تجاه أريافها وفلاحيها الذين قدّموا الكثير لهذه البلاد كلما واجهت مصاعب وتحديات. إن هذا الدعم هو كذلك استثمار مربح من طرف بلادنا في قطاع اقتصادي حيوي مربح و واعد في نفس الوقت. إنه قطاع حيوي سعينا لتعزيزه ضمانا لأمننا الغذائي، وهو أمر يستوجب منّا المزيد من الجهد والفعالية. إنه قطاع مربح كذلك لِمَا ينجر عليه من توسيع قدرات التشغيل الشريف لشبابنا، وتحسين ظروف الحياة في أريافنا. وإنه قطاع واعد أيضا بكل ما يمكنه أن يساهم به في تنويع صادراتنا، من منطلق شساعة أراضينا ومنتوجاتها الفلاحية المتنوعة. واعتبارا لكل هذه الأهمية التي يمثلها القطاع الفلاحي، أدعو الحكومة إلى التكفل بالتوصيات القيمة التي ستتوجون بها ندوتكم هذه بعون الله. وفي الختامي أتمنى لجلساتكم كل النجاح والتوفيق خدمة لتنمية بلادنا، وتكريسا لجزائر العزّة والكرامة في كل ربوع وطننا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».