عادت الاتهامات حادة بين روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية ولكنها أخذت هذه المرة منحنى باتجاه الفضاء، وراحت كل دولة تتهم الأخرى بمحاولة سيطرتها على المجال الحيوي ضمن حرب نجوم جديدة هدفها احتكار الغلبة العسكرية في الجو. واشتدت اللهجة بين موسكو وواشنطن بلغت حد اللجوء إلى لغة فرض العقوبات المتبادلة في إطار سياسة رد الفعل، واضعة بذلك حدا لعلاقة الود التي تلت القمة الثنائية بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب بالعاصمة الفنلندية هلسنكي منتصف الشهر الماضي، والتي اعتقد متتبعون أنها قمة شكلت فعلا حدثا تاريخيا كونها ستكون بداية لطي صفحة الصراع الذي غذته الحرب الباردة بين البلدين لقرابة سبعة عقود. ولكن تطورات الموقف خلال الأيام الأخيرة وعودة الاتهامات أكدت أن الحرب الباردة التي كانت بين البلدين في الأرض مرشحة لأن تنتقل إلى الفضاء، بما يعني أن العالم مقبل على صراع استراتيجي جديد سيكون الجو مسرحا له وسيكون حكرا على الأقوياء دون غيرهم. وإذا سلّمنا بمثل هذا الفرضية فإن البلدين سيدخلان سباقا محموما للتسلّح ستكون المعلوماتية المتطورة وأشعة الليزر وما فوق الحمراء والبنفسجية ومخابر البحث في التكنولوجيات الفتّاكة دورا في تحديد الدول التي ستقارع بعضها البعض في صراع لن تقدر عليه سوى القوى التي تمتلك ناصية العلم والأبحاث المتطورة في مجال السيطرة على الفضاء.وكانت ندوة الأممالمتحدة حول الحد من الأسلحة الفتاكة المنعقدة بمدينة جنيف السويسرية، بمثابة مسرح لتبادل الاتهامات بين الولاياتالمتحدةوروسيا وراحت كل واحدة تكيل الأخرى مسؤولية مباشرة في هذا السباق الذي سيجعل العالم وكل الكون تحت رحمة من تكون له القدرة في السيطرة على عالم سيصبح رهين من يتحكم في أزرار مخابر قادرة على تدمير العالم في لمح البصر. ولم يخف البلدان في سياق هذا السباق المحموم مخاوفهما من نوايا الطرف الآخر، فبينما أبدت الرئاسة الروسية قلقا متزايدا من المخصصات المالية الضخمة التي رصدتها الإدارة الأمريكية من أجل عسكرة الفضاء، راحت الإدارة الأمريكية من جهتها تتهم روسيا بالسعي للحصول على أسلحة فضاء جديدة معربة عن "قلقها الشديد" حيال ذلك. وعاد سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي أمس، إلى إثارة مخاوف بلاده من ميزانية الدفاع التي وقعها الرئيس الامريكي يوم الإثنين، وأكد أن بلاده بصدد دراسة هذه الوثيقة "بعناية كبيرة" بالنظر إلى قيمة المخصصات المالية الضخمة التي خصصتها للبنتاغون من أجل إنتاج الأسلحة المتطورة لغزو الفضاء. وأضاف المسؤول الروسي، أن حجم النفقات على الأغراض العسكرية "غير مسبوق وهذا أمر مثير للقلق"، في إشارة إلى مبلغ 716 مليار دولار التي تبقى أضخم ميزانية دفاع في تاريخ الولاياتالمتحدة لم يسبق أن بلغتها حتى في زمن حرب النجوم التي تبنّاها الرئيس الامريكي الراحل رونالد ريغان، نهاية ثمانينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى عجز الاتحاد السوفياتي على مقارعة تلك الحمى، وأدت إلى انهياره وتفككه إلى عشرات الدول المستقلة. وربطت السلطات الروسية بين هذا المبلغ الضخم وبين قرار الرئيس ترامب، تعليق العمل باتفاقية "السماء المفتوحة" الموقعة بين دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا منذ سنة 1992، ضمن طريقة ذكية للتنصل من مسؤوليات بلده في منع الدخول في حرب نجوم جديدة. ورغم أن روسيا سارعت إلى نفي نيتها الدخول في حرب فضاء جديدة، وأن صواريخ الجديدة من طراز "سارمات" و«آفانغارد" التي انتجتها مؤخرا غير مشمولة بمعاهدة الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، إلا أن ذلك لم يكن كافيا ليطمئن إليم بوبليت، مساعدة كاتب الدولة الأمريكي لشؤون الحد من التسلّح والتي قالت إن بلادها قلقة جدا من سعي روسيا لامتلاك أسلحة بعضها يعمل بنظام أشعة الليزر المحمول القادر على تدمير الأقمار الصناعية في الفضاء، فضلا عن وضعها لجهاز مراقبة فضائي جديد في مدار حول كوكب الأرض"، واعتبرت ذلك بمثابة دليل آخر على أن تصرفات الروس لا تتطابق مع أقوالهم". وقالت المسؤولة الأمريكية إن "سعي روسيا للحصول على قدرات فضائية أمر مقلق بالنظر إلى نمط السلوك الخبيث الذي تتبعه روسيا في الفترة الأخيرة" رغم أن الرئيس فلاديمير بوتين، ما انفك يؤكد أن بلاده ستمنح اهتماما خاصا للمؤسسة العسكرية وتطويرها لكنها "لن تنخرط في سباق تسلّح جديد".