يعد الفنان والمخرج المسرحي سعيد بوعبد الله من بين الأسماء المسرحية التي تمكّنت خلال أكثر من 30 سنة من العطاء، من تقديم أعمال فنية مسرحية راقية، دأب من خلالها المسرحي سعيد بوعبد الله على تقديم صورة واقعية لما يعيشه المجتمع الجزائري، وهو ما مكنه من اكتساب مكانة مرموقة وسط مجتمع المسرح الجزائري، ليتم تكريمه مؤخرا بالمشاركة ضمن أول تظاهرة لمسرح البحر الأبيض المتوسط المنعقدة في تونس، وقد كان ل«المساء" لقاء مع المسرحي السعيد بوعبد الله عن تجربته المسرحية والواقع الذي يعيشه الركح ومشاريعه المستقبلية. ❊ كمدخل تعريفي، متى بدأت مسيرتك في المسرح؟ — مسيرتي الفنية في المسرح بدأت سنة 1969، بعد التحاقي بأول فرقة مسرحية "رفقاء المسرح" بمسرح الهواة، وهي الفرقة التي كانت تضم عددا من الأسماء، على غرار بوزيان بن عاشور وأمحمد حمومي ومجموعة كبيرة من المسرحيين الجزائريين، لألتحق بعدها بالمسرح الجهوي لوهران الذي كان تحت إدارة المرحوم عبد القادر علولة سنة 1972 رفقة المجموعة المسرحية. والتحقت كممثل، غير أن المرحوم عبد القادر علولة اكتشف موهبتي في المجال التقني، ليختار لي داخل المسرح هذا المسار التقني الذي مارسته طيلة مسيرتي الفنية، وتقلدت جميع المناصب التقنية داخله إلى غاية التقاعد سنة 2002، والذي أعتبره تقاعدا إداريا، لأنني لم أتوقف يوميا عن الممارسة المسرحية. ❊ تنشط حاليا ضمن تعاونية "ورشة الباهية للمسرح والفنون الدرامية"، كيف جاءت فكرة إنشاء تعاونية؟ — إنشاء التعاونية تم سنة 2003، وأنشأتها من منطلق حبي للمسرح، حيث أرفض التقاعد الإداري، وقد وعدت جمهوري خلال تكريمي سنة 2002، بمناسبة التقاعد، بالعودة والنشاط، وهو ما تمّ من خلال التعاونية، وقد كان المرحوم عبد القادر علولة أول من فكر في إنشاء تعاونية مسرحية، كمتنفس للفنانين والمبدعين والمخرجين لإنجاز أعمال قد لا يقبل إنجازها في المسارح العمومية، وقد كانت فكرة التعاونية ناجحة بكل المقاييس في دعم الإنتاج المسرحي، والتعاونية المسرحية مكملة للإنتاج العمومي، كما تمكنت التعاونيات من اكتشاف المواهب التي قدمت الكثير للمسرح. ❊ شاركت الفرقة مؤخرا في تظاهرة دولية، كيف تقيمون المشاركة؟ — المسرحية التي شاركنا بها تعد آخر عمل للفرقة؛ "بدون عنوان" التي أخرجتها وتمكّنت منذ عرضها في مطلع السنة الجارية، من تقديم 30 عرضا عبر الوطن، وجاءتنا دعوة للمشاركة في مهرجان البحر الأبيض المتوسط في أول طبعة في تونس، بمشاركة فرق قومية من إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، لبنان، مصر، المغرب وليبيا، وكان للمسرحية مكانة ضمن العروض التي شاركت في التظاهرة. ❊ بالعودة إلى وضعية الركح، كيف تقيّم المسرح اليوم؟ — المسرح يعتمد على فكرة أساسية وهي الممارسة وتقديم العرض، ونجاحها مرهون بعملية التوزيع التي تبقى المحرك الأول لدعم المسرح، حيث يفتقد المسرح الجزائري لشبكة توزيع، تبقى الحلقة الضعيفة في تطوير المسرح والدفع به، كما أن ضعف التبادل الثقافي كان من مسببات تراجع المسرح الذي فقد جانبه الإبداعي، وهو ما يدعونا اليوم إلى مطالبة القائمين على قطاع الثقافة بالجزائر إلى دعم التوزيع وإيجاد آليات تمكّن من توفير شبكة توزيع قوية للأعمال المسرحية، حيث تقوم التعاونيات المسرحية بنفسها بمهمة التوزيع، وهي التجربة التي اكتسبتها من خلال علاقاتي الشخصية، في وقت كان يجب أن تتوفر خلاله حلقة توزيع قوية ومنظّمة للأعمال المسرحية داخل وخارج الوطن، والمخرج الذي لا يتابع أعماله المسرحية في التوزيع ليس بمخرج. كما أعتقد أن البحبوحة المالية التي عرفتها الجزائر، والتي طالت كامل القطاعات من خلال الدعم المالي، أثرت على المسرح بشكل كبير، خاصة في مجال الإبداع الفني والمسرحي، أو ما اسميه ب«المسرح والجودة"، وأعتقد أن الجميع ضحايا بسبب توفّر المال دون توفير سوق مسرحية قوية ومبدعة، مما أثر على مهنة المسرح. لقد عشت حالة خاصة وواقعية مع فنان مسرحي عرضت عليه تقديم دور في إحدى المسرحيات، وفاجئني قبل التعرف على المسرحية والنص والممثلين وباقي الأشياء المهمة بالقول "كم ستدفع مقابل وقوفي على الركح"؟، وهي ظاهرة خطيرة لا تخدم المسرح الذي عاد اليوم إلى نقطة التشمير عن السواعد والبحث عن مبدعين حقيقيين والخروج بأعمال تلقى قبول الجمهور. ❊ هل توجد فعلا أزمة نص في المسرح الجزائري؟ — لا توجد أزمة نص في المسرح، إنما هي من الأسباب التي تُرفع لتبرير الإخفاقات وأزمة المسرح، والمسرح بطبعه يحب الإبداع، وهناك نصوص محلية وعالمية كثيرة بعدة لغات تصلح لتكون أعمالا مسرحية بعد جزأرتها، وقد اكتسبت خلال مسيرتي في المسرح تجربة خاصة من خلال التعامل مع النصوص وتحويلها بإسقاطات وأفكار محلية، حيث أقوم دوريا بالاستعانة بالنصوص التي أرى أنها تصلح لتكون عملا مسرحيا بحضور الكاتب، وأقوم بتنظيم لقاءات نقدية في منزلي، بمشاركة مسرحيين وممثلين ونقاد وأساتذة وصحافيين، يقدّمون قراءات مختلفة للنص إلى غاية الوصول إلى نص قوي، كما تعد المبادرة شبه تقديم للعمل المسرحي المقبل. ❊ماذا عن التكوين في المسرح؟ — الحقيقة تقال، لا يوجد تكوين حقيقي في المجال المسرحي وفي المهن المتعلقة به، حيث تتوفّر الجزائر اليوم على معهد واحد ببرج الكيفان في العاصمة، في وقت كانت الوزارة قادرة على خلق معاهد جهوية للمسرح خلال السنوات الماضية، حيث كانت وفرة الأموال التي وجهت للمهرجانات، والدعم غير المدروس بعيدا عن التفكير في خلق معاهد جهوية للتكوين المسرحي الذي انعكس على الإنتاج والنوعية، وهو ما نشاهده اليوم على شاشات التلفزيونات الخاصة من تراجع وسوء تمثيل. ❊ معروف عن سعيد بوعبد الله إنتاجه الكثير والنوعي، كيف تستطيع الوصول إلى تحقيق هذا التوافق؟ — أقولها صراحة، ما دمت في المسرح، فمهمتي الإنتاج وتقديم أعمال نوعية، وإذا لم أنتج مسرحا وجب عليّ الانسحاب، وهو مبدأ أعمل به منذ دخولي عالم المسرح، ولا أنتظر الدعم أو المساعدة حبا في المسرح، وقد تمكّنت خلال العشرية السوداء من إنتاج 14 عملا مسرحيا في وقت توقفت معظم المسارح عن الإنتاج، ولم أعتمد يوميا على الدعم للإنتاج، حيث تبقى من مهامي كمخرج، البحث عن تمويل خاص. ❊ ما جديد سعيد بوعبد الله؟ — أنا بصدد التحضير لمسرحية جديدة بعنوان "الخيمة" للكاتب المغربي أحمد قارص، الذي سبق لي التعامل معه من خلال مسرحية " أنا والمريشال"، التي لقيت إعجاب الجمهور وعرضت حوالي 100 مرة، وشاركت في عدة مهرجانات. لقد قدمت طلبا لوزارة الثقافة لتمويل المسرحية والشروع في تركيبها وتقديمها العام المقبل، كما أحضر لمشروع هام سأكشف عنه لاحقا، وسيكون إضافة هامة للمسرح الجزائري.